(1): اكتشف لنفسك عملا
لي صديق يعمل مهندسا في مدينة كليفلاند بأمريكا كنا نتحدث عن تدريب الشباب علي أن يبتكروا لأنفسهم أعمالا جديدة, فحكي لي الحكاية التالية: اعتادت المصانع التي تعمل في مجال الآلات الميكانيكية, أن تستخدم عددا كبيرا من الفوط المصنوعة من القماش, ينظف بها العمال أيديهم أو القطع المعدنية وفي نهاية الأسبوع يجمعون كل الفوط المتسخة يلقون بها في صناديق القمامة, ذات يوم ذهب شاب إلي صاحب أحد هذه المصانع.. قال له: أعطني (50) فوطة ملوثة, أعطيك بدلا منها (50) فوطة نظيفة, وتدفع لي عن كل واحدة ربع ثمن فوطة جديدة.
وافق صاحب المصنع علي هذا العرض المغري.. جمع الشاب الفوط المتسخة من عدد كبير من المصانع, ثم قام بتنظيفها باستخدام مادة كيميائية متوفرة في الأسواق, في نهاية الأسبوع, عاد إلي نفس المصانع يقدم لها الفوط النظيفة, ويأخذ بدلا منها الفوط المستعملة, الإضافة إلي 25% من ثمنها جديدة.
ثم ختم صديقي حديثه قائلا: أصبح هذا الشاب من كبار رجال الأعمال في مدينتنا, وفي نفس الوقت, ساهم في خفض نفقات الإنتاج في كل المصانع التي يتعامل معها.
(2): لماذا ماتت النحلة؟!
أثناء سفر طويل بالقطار بين مدن الصين, استمعنا إلي حكاية تقول إنه عندما أقبل الربيع, تصادقت نحلة صغيرة ذهبية اللون, مع فراشة بيضاء جميلة, في أحد الأيام رأت النحلة الصغيرة أحد الثعالب يحاول سرقة العسل من الخلية.. انقضت عليه ولسعته في أنفه, فصرخ من شدة الألم وهرب مسرعا بعد أن تورم أنفه, أما النحلة الصغيرة فقد ماتت شهيدة.. لقد ضحت بحياتها في سبيل التغلب علي الثعلب.
رأت الفراشة ما حدث, وأحست بالأسف علي صديقتها الصغيرة, فقالت في أسف: لماذا قاومت صديقتي عدوها ولسعته, وهي تعرف أنها بذلك ستفقد حياتها, لأنها تترك سلاحها مع جزء من أجهزتها الحيوية في جسم ضحيتها؟! يا لها من حمقاء!! سمعت نحلة من الخلية ما قالته الفراشة, فصاحت تؤنبها في غضب شديد: هذه أقوال من يفكر في نفسه ويتناسي الآخرين.. أما نحن جماعة النحل, فلا نفكر بهذه الطريقة.. كل واحدة منا تفكر في مصلحة الجميع, وهذا ما فعلته نحلتنا الصغيرة الشهيدة.
(3): أربعة أشياء لنحبك يا ماما
في مجلة أمريكية مشهورة, تحكي أم: عندما بدأت إجازة المدارس الصيفية, ضاق صدري بشجار ابني وابنتي ولعبهما وصراخهما وضحكهما, فصحت فيهما: ليذهب كل واحد منكما إلي غرفته لكن ابنتي جاءت بعد قليل لتقول في حماس: ماما.. تعالي شاهدي في الشارع سيارة بثلاث عجلات!
قلت لها: أنا الآن منهمكة في القراءة. ثم أردت أن أشغلها بشيء فسألتها: لماذا لا تكتبين موضوع صحيفة الحائط الذي اتفقتم عليه في المكتبة العامة, حول أربعة أشياء تقومين بها ليحبك الناس؟.
تقول الأم: بعد ساعة, أحضرت ابنتي الموضوع, لكن عنوانه كان أربعة أشياء لنحبك يا ماما. لم أعلق بكلمة, وبدأت أقرأ الرسالة الموجهة لي كان البند الأول يقول: اذهبي مع أولادك لرؤية السيارات ذات الثلاث عجلات وما يشبهها من أشياء تثير اهتمامهم.
ثانيا: عندما تشتد حركة الأبناء ونشاطهم لجذب اهتمامك, خذيهم بين أحضانك.. عندئذ تذكرت أنني نسيت تأكيد حبي لهم وسط سيل نصائحي وأوامري.
ثالثا: اتركي للأبناء فرصة ليتكلموا.. وتذكرت أنني أجعلهم دائما مستمعين للتأنيب والمواعظ.
رابعا: تذكري الضحك والمرح.. تقول الأم: فهمت الرسالة جيدا, وقضيت مع أولادي أسعد عطلة صيفية قضيناها معا.
(4): البرج ارتفع كثيرا
علي مقعد أمام مائدة الطعام الخالية, جلست الصغيرة التي تجاوز عمرها السنوات الثلاث بشهور قليلة, تبني بالقطع الخشبية تكوينا كأنه البرج, وكم كانت سعيدة بإنجازها, لأن القطع استقرت في مكانها فوق بعضها, ولم تسقط كما كان يحدث عندما كانت تبنيها وهي أصغر سنا, دخلت الأم الغرفة, وتأهبت الصغيرة أن تقول لأمها في فخر: انظري يا ماما.. البرج ارتفع كثيرا.. لكن الأم لم تعط الصغيرة فرصة لتقول شيئا, بل صاحت بها في تأنيب: ألم تسمعي ما قلته لك منذ قليل؟! هذا وقت ترتيب البيت, وأنت تشغلين المائدة بألعابك.. هيا أبعدي كل قطعك الخشبية هذه من هنا!!.
كانت الصغيرة تتوقع من أمها أن تقول لها في سعادة, بغير تهديد أو أوامر: يا له من برج عال! أنت طبعا لا تريدين أن يقع, لذلك من الأفضل أن تنقليه إلي غرفتك, أو تضعي القطع الخشبية في صندوقها لكن الأم قالت شيئا مختلفا, بطريقة مختلفة, وهي لا تدري مقدار الإحباط الذي أثارته كلماتها في نفس ابنتها ـ هذا أحد المواقف التي شاهدتها في برنامج تليفزيوني في أمريكا, مخصص لتدريب الآباء والأمهات علي الأساليب السليمة للحوار مع الأبناء, وللتنبيه أيضا إلي الأساليب المضرة والمسيئة إليهم.
(5): الرجل الذي فهم النهر
أثناء زيارتنا للصين, استمعنا من السيد زونج كاتب الأطفال المعروف, إلي قصة الجبل الذي يقف شامخا علي ضفتي نهر لو علي مبعدة أربع عشرة ساعة بالقطار عن العاصمة بكين, تقول الحكاية: في الزمن القديم كان ذلك الجبل يعترض مجري النهر, فكانت المياه تفيض علي الجانبين, فتدمر القري والحقول وتغرق الناس والحيوانات, فكلف الإمبراطور مستشاره أن يعمل علي وضع حد لهذا الخطر. شرع المستشار في إقامة سدود تمنع المياه من إغراق الأراضي, لكن السدود لم تصمد أمام أول فيضان, واستمر النهر يصب غضبه علي جانبيه, فأبعد الإمبراطور مستشاره.
هنا تقدم ابن المستشار بفكرة جديدة.. قال: سيدي الإمبراطور.. للطبيعة لغة يجب أن نصغي إليها.. النهر يفيض فيدمر المزارع.. هو بهذا يعبر عن ضيقه من الجبل الذي يمنعه من السريان لكي يروي مساحات أكبر من الأراضي, لكننا لم نفهم لغته, فأقمنا في وجهه مزيدا من السدود, وكان طبيعيا أن يحطمها.. لذلك اسمح لي يا مولاي, بدل أن نضيف سدودا جديدة, أن نشق الجبل, فيدرك النهر أمما فهمنا أخيرا لغته.
ونفذ الابن مشروعه, فهدأ غضب النهر وانطلق متحررا في سبيله, يعطي الخير والخصوبة لمساحات جديدة من الأراضي ولمزيد من بني البشر ـ سألت نفسي: هل تتحدث هذه القصة عن النهر والجبل, أم عن أساليب التربية السليمة للأطفال والشباب؟
يعقوب الشاروني
Email: [email protected]