إثر تعييني مشرفا علي صفحة الأدب بجريدة وطني لاحظت مع مرور الوقت وضع صورة فرعونية عند رأس الصفحة وفي وسطها الأمر الذي يوحي بالإشارة إلي نزعة طائفية خفية في العقل القبطي تزعم أن الأقباط هم أصل مصر وأن من حقهم أن يكونوا هم الحكام. وما كان يعنيني من هذا الزعم سوي أنه قد يفضي إلي فكر سياسي يتناقض مع الشرط الذي التزمته مع مالك جريدة وطني الأستاذ أنطون سيدهم فاعترضت إلي الحد الذي ارتأيت فيه عدم نشر أية صورة فرعونية. وبعد ذلك أخبرت رئيس التحرير الأستاذ عزيز ميرزا الذي قال لي: إن الصورة الفرعونية, في رأي مجلس إدارة الجريدة, هي روح الجريدة وبدنها تصبح الجريدة بلا معني وبالتالي يمتنع إصدارها. وبعد أسبوعين من اعتراضي تلفن وكيل النيابة الإدارية لعميد الكلية التي أعمل بها ليخبره بضرورة ذهابي إليه بمكتبه الكائن بالدور التاسع من مبني مجمع التحرير. ذهبت إليه في الموعد المحدد وإذا به يفاجئني بالأسئلة الآتية:
ما علاقتك بجريدة وطني؟
أعمل بها مشرفا علي صفحة الأدب.
هل تتقاضي مكافأة
نعم
إذن أنت مفصول من وظيفتك الحكومية
ما العلاقة بين هذا وذاك؟
في عام 1954 أصدر الرئيس جمال عبدالناصر قرارا ينص علي أن أي موظف حكومي, يعمل في شركة أجنبية أو مصرية, بأجر أو بغير أجر, يفصل من وظيفته. وبناء عليه فإن هذا القرار ينطبق عليك ومن ثم يتم فصلك.
قلت لوكيل النيابة:
صحيح أنني أقوم بالعمل المذكور وأتقاضي عنه مكافأة ولكن الصحيح أيضا أنني لست علي علم بهذا القانون.
فقال وكيل النيابة: ولا أنا علي علم بهذا القانون. ولكن الذي أعلمني به هو مدير تحرير جريدة وطني بناء علي شكوي مرسلة منه وهو الأستاذ أنطون نجيب مطر. وقد كان هذا المدير رئيسا لتحرير جريدة المقطم وهي جريدة يقال عنها إنها لسان حال الاحتلال البريطاني.
ثم استطرد وكيل النيابة متسائلا: ماذا أنت بفاعل؟
سأبحث عن وظيفة أخري غير حكومية لكي أعول فأنا مسئول عن أسرة.
أعطيك فرصة لكي تستعين بمحام قد يجد لك مخرجا.
أين المخرج والقانون واضح وصريح ولا لبس فيه؟
عندي مخرج قد يسهم في إنقاذك. سأرسل خطابا إلي إدارة الشركات وهي كائنة بالدور الأول بمبني المجمع لكي تعلمني عما إذا كانت الجريدة ملكا لفرد أو ملكا لشركة. إذا كانت ملكا لفرد فأنت برئ أما إذا كانت ملكا لشركة فأنت مفصول. وبعد ستة أشهر كان رد إدارة الشركات أن الجريدة مازالت ملكا لفرد وهو أنطون سيدهم, وبسبب ذلك حفظت الشكوي, ولكنني بعد ذلك أبديت رغبة عارمة في ترك الجريدة فاجتمع معي ثلاثة وهم: أنطون سيدهم مالك الجريدة وعزيز ميرزا رئيس التحرير وعضو مجلس الإدارة سعد فخري عبدالنور سكرتير عام حزب الوفد سابقا, وفي هذا الاجتماع اقترحوا أن أشرف علي الصفحة الأدبية من منزلي ولكني لم أستجب, ومن ثم انقطعت علاقتي بالجريدة.