شئت أو لم تشأ فأنت في الطريق إلي إيمان بلا أصولية دينية, أي بمعتقد خال من إعمال العقل, وهذه هي الذهنية الأصولية. وفي صياغة أوضح يمكن القول إن الذهنية الأصولية تعني أن يكون الإنسان مهموما بالبحث عن الأمن في زمن التغيرات الثقافية الجذرية كما تعني أن يكون مهموما بالاستيلاء علي السلطة حتي يستقر فيها المعتقد المطلق. وهو بهذين المعنيين, نلفت الانتباه إلي أن هذه الذهنية من إفراز الطبيعة الإنسانية. ومن هنا يمكن القول إن الأصولية واردة في جميع الأديان الكبري بدعوي أن كل دين يتصور أنه هو وحده الدين الحق. ومن هنا لم تكن هذه الأديان متسامحة مع بعضها البعض, إذ كانت في عدم تسامحها أو بالأدق في تعصبها تضطهد وتقتل مخالفيها, والحروب الصليبية دليل علي صحة هذا القول. ومن هنا تولد الإرهاب, وكانت الحجة أنه بدون الإرهاب فلا أمن للأصوليات, ومن هنا ثانيا أهمية تنظيم القاعدة برئاسة بن لادن, إذ هو يعني الأمن بالإرهاب, والشهيد الانتحاري هو أساس هذا النوع من الإرهاب. ومن هنا صك المصطلح Gunda Fundamentalism الإنجليزي وترجمته أصولية البارود وهو بدوره يعني أن الأصولية قاتلة بالضرورة بحكم توهمها أنها مالكة للحقيقة المطلقة.
والسؤال بعد ذلك: كيف شاعت هذه الذهنية الأصولية؟
جوابي علي النحو الآتي: تصور نفسك في أفغانستان في زمن طالبان حيث الحياة المعاصرة بثورتها العلمية والتكنولوجية غائبة أو بالأدق حياة الغرب غائبة وحيث الدعوة إلي نقاء التراث وذلك بتدمير ما يخالفه, ثم تصور نفسك في إيران في زمن الخوميني وهو زمن مماثل لزمن طالبان, ثم تصور نفسك وأنت محاصر بالسوق الأصولية وهو مصطلح كان قد صكه الملياردير المجري جورج سوروس وكان يعني به تحرر السوق من أي قيود تطبيقا للشعار الذي ساد في الغرب بعد الثورة الفرنسية وهو شعار دعه يعمل بلا شرط أو قيد, وهو الشعار الذي تتبناه الآن مؤسستان دوليتان وهما البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لخدمة الدول النامية, وقد جاء بنتائج كارثية, ومن هنا يمكن القول إن ثمة تماثلا بين السوق الأصولية والأصولية الدينية, والنتيجة اغتيال العقل المبدع وهو حجر الزاوية في تقدم الحضارة الإنسانية.
خلاصة القول إن الأصولية الدينية تكمن في استنادها إلي معتقد مطلق مدعوما بأصولية البارود, أما قوة السوق الأصولية فتكمن في اليد الخفية, والنتيجة بعد ذلك أنك إذا تصورت كل ذلك ففي إمكانك بعد ذلك أن تتصور أنك تحيا في عالم أصولي تخجل معه أن تدعو إلي علمانية قد تكون ترياقا للذهنية الأصولية المريضة, وهي بالفعل كذلك, وإذا أغلق الباب علي العلمانية فليس ثمة بديل بالإيجاب, إنما ثمة بديل بالسلب وهو أن ترفض الأصولية, أي تقول لا بلا زيادة أو نقصان.
والسؤال بعد ذلك: أيهما أقوي وأكثر فاعلية أن تقول لا للأصولية أو تقول نعم للعلمانية؟ الرأي عندي أن قول نعم أقوي وأن قول لا هو الأضعف لأن قول لا خال من تصور وضع قادم ومكتف برفض وضع قائم, وبدون تصور وضع قادم فلا تغيير جذري.
وإذا أردت مزيدا من الفهم فانظر إلي الشعارات المتداولة في ثورة 25 يناير: ارحل.. لا أحزاب ولا إخوان.. وماذا بعد؟ لا جواب. ومن هنا استولي علي الثورة من لديه الجواب بـنعم وكانوا الإخوان المسلمين. استولوا علي السلطة, وأجبروا الوطن علي السير في اتجاه أصولية متجذرة في فكر ابن تيمية حتي جاءت ثورة 30 يونيو فتوقف مسار الأصولية, وإذا أعدت النظر بعد ذلك إلي عنوان هذا المقال فإنك ستكون مندهشا فيما حدث بعد ذلك من الخلط بين العنوان والمسار السياسي للمقال.