إنه الحوار الذي كانت بدايته في الفاتيكان في10مايو من هذا العام بين قداسة البابا تواضروس والبابا فرنسيس من أجل إزالة القطيعة التي حدثت بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية إثر انعقاد مجمع خلقيدونية في15مايو من عام451, ودخول الكنيستين في علاقة عضوية تفضي في النهاية إلي كنيسة واحدة.
والسؤال بعد ذلك:كيف حدثت بداية الانطلاق؟
حدثت في سياقين:سياقأغابي وهو لفظ قبطي يعني لدي البابا تواضروسمأدبة محبة ومن لزوميات هذه المأدبة أنها تجمع ولا تستبعد. ومن التجمع يحدث التغيير علي نحو ما يتطلع إليه المتحاورون. وفي سياق البابا فرنسيس جاء إعلانه أن الـ21شهيدا قبطيا الذين استشهدوا في ليبيا في 15فبراير من عام2015هم شهداؤنا, ومن هنا سنقوم بعمل مذبح علي اسمهم.
والسؤال بعد ذلك:ما الدافع إلي انطلاق ذلك الحوار؟
إنه مردود إلي ماحدث من انشقاق في ذلك المجمع الذي انعقدت جلسته الأولي في 8 أكتوبر من ذلك العام وفيها أكد البابا ديسقوروس علي الطبيعة الواحدة للاهوت وناسوت السيد المسيح وهو تأكيد جاء علي الضد من الرأي الآخر الذي تبنته الكنيسة الأخري التي انشقت وهي الكنيسة الكاثوليكية التي ارتأت أن للسيد المسيح طبيعتين منفصلتين إحداهما لاهوتية والأخري ناسوتية. وفي سياق هذا الخلاف يلزم أن ينطلق الحوار بين الوفدين الأرثوذكسي والكاثوليكي الملازمين لكل من البابا تواضروس والبابا فرنسيس استنادا إلي مأدبة المحبة وإلي أن شهداءكم هم شهداؤنا, إذ من شأن هذه وتلك أن يؤسس عليهما تقبل الطرفين لشروط الحوار المستعارة من كتابفصل المقال لابن رشد وهي علي النحو الآتي:لا إجماع مع التأويل ولاتكفير مع التأويل ولزوم أفضلية المعني المجازي علي المعني الحرفي في فهم النص الديني. وفي سياق هذه الشروط الثلاثة تتعدد التأويلات ومن ثم تتسم تأويلات الطرفين بمشروعية القول دون مشروعية الصدق لأن مشروعية الصدق مرهونة بالتصديق علي حقيقة واحدة مطلقة لاتقبل الثنائية وبالتالي لاتقبل وجود طرفين يزعم كل منهما أنه يملك الحقيقة المطلقة. ومن هنا يلزم إجراء حوار حول مدي مشروعية العقل في امتلاك الحقيقة المطلقة وهو الأمر الذي عبر عنه الفيلسوف الألماني كانط الذي كان يجلس علي قمة التنوير في القرن الثامن عشر وذلك في افتتاحيته للطبعة الثانية من كتابهنقد العقل الخالص التي جاء فيها أن العقل يتميز بأنه محكوم في أحد مجالاته المعرفية بأسئلة لايمكن تجاهلها لأنها معطاة له علي أنها مشكلات من إفراز العقل ذاته بحكم طبيعته ومع ذلك فليس في إمكانه العثور علي أجوبة عليها لأنها تتجاوزه.
وتأسيسا علي ذلك كله قال البابا تواضروس إن طريق الوحدة طريق طويل يشبه الصليب في سياق بناء المحبة القوية, وفي سياق حوار يكون لاهوتيا أو شعبيا علي مستوي الخدام والصلاة لأنها تصنع المعجزات وبها نكون واحدا بالمسيح. الخطوات تستغرق وقتا طويلا.
والرأي عندي أنه إذا حدث وأصبح الحوار اللاهوتي حوارا شعبيا يكون هذا وحده كفيلا بترسيخ الحوار في عقل رجل الشارع, الذي هو الآن في حالة صعود في زمن اختراع عقل الكومبيوتر الذي أصبح اسمه العقل السيبري, وبذلك تتواري القرون الماضية وكأنها لم تكن.