حياة الرضا
ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان (2 كو2:14)
كيف تقتني حياة الرضا؟
وعلي سبيل المثال أذكر لكم هذه القصة الواقعية, إنني في إحدي المرات كنت أتحدث مع مجموعة من الشباب الأجنبي في الخارج, وكنت أتحدث معهم عن الله, وأنه هو الذي يدبر حياتنا, وفوجئت بفتاة عمرها لا يزيد عن ثمانية عشر عاما, تقول لي إني لا أحتاج إلي الله في أي شئ! عندما أريد الكهرباء أضغط علي مفتاح الكهرباء, فيضيء المكان, وهكذا كل ما أحتاج إليه, فما الذي يجعلني أحتاج إلي الله! وبالطبع هذا الفكر قاصر.
إن حياة التسليم بها ضمان للصحة النفسية للإنسان ولكن ما معني الصحة النفسية؟ إن الصحة النفسية هي أن كل وظائف جسم الإنسان تكون متوافقة بعضها مع بعض, لذلك عنما يحدث صراع ورغبات وتطلعات للإنسان ربما تكون بعيدة عن يديه, قد يحدث بعض الخلل في وظائف جسم الإنسان, وقد يجد الإنسان نفسه قد دخل في أتعاب نفسية كثيرة, لذلك فحياة التسليم هي أداة الأمان.
إن أقرب مثال لذلك هو قصة حياة راعوث الجميلة, التي عاشت حياة التسليم حتي آخر يوم في حياتها, وعندما نقرأ السفر الخاص بها في الكتاب المقدس, وهو سفر صغير جدا, عبارة عن أربعة أصحاحات, نستطيع أن نختصره في أن: راعوث إنسانة عاشت حياة التسليم, برغم كل ما مر بها من ظروف قاسية خلال مشوار حياتها.
ثالثا: الثقة والإيمان
إن الجانب الثالث الذي يجعلنا نعيش في حياة الرضا هو الثقة والإيمان, بمعني الثقة في شخص السيد المسيح الذي يدبر هذه الحياة, وكما يقول الكتاب: ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله (رو8:28), فعندما نقرأ هذه الآية نشعر أن لنا ثقة, وإيمانا داخليا, بأن يد الله قوية ومازالت تعمل, وهو يدبر كل شئ.
وتدبيرات الله للإنسان تدبيرات حكيمة جدا, ولكن قد يشعر الإنسان في بعض الأوقات أنه غير مدرك لما يحدث حوله من أحداث, وهل هي لخيره أم لا؟! ولكن من خلال ثقته وإيمانه بيسوع المسيح, تصير حياته في جو من الرضا الجميل.
مثال لذلك شاول الطرسوسي, الذي كان يضطهد كنيسة الله بإفراط, وكان مجرد ذكر اسمه يزعج كل أحد من المؤمنين, ولكن بعد ظهور السيد المسيح له في الطريق إلي دمشق, لم يجد شاول غير جملة واحدة يستطيع أن يجيب بها علي السيد المسيح وهي: يارب, ماذا تريد أن أفعل؟ (أع9:6).
إن هذا السؤال: يارب ماذا تريد أن أفعل؟ هو أحد أسئلة الكتاب المقدس الجميلة, وكأن كل فرد منا يريد أن يقول للرب: يارب أنا لا أريد أن أفعل شيئا بفكري الخاص, بل أريد أن أفعل ما تريده أنت, والذي يفرح قلبك أنت.
وعندما نتذكر أحداث يوم خميس العهد, عندما انحني السيد المسيح وبدأ يغسل أرجل تلاميذه, وجاء دور القديس بطرس الرسول, ابتعد ورفض في البداية, فقال له السيد المسيح قولا جميلا جدا: لست تعلم أنت الآن ما أنا أصنع, ولكنك ستفهم فيما بعد (يو13:7).
فنحن في بعض الأحيان نري أمورا كثيرة, ولكننا لا نفهم لماذا؟! ولكن الله في توقيته المناسب يعمل, ويعمل لخيرنا دائما, كما يقول الكتاب: كل أيام الحزين شقية (أم15:15), فالإنسان الذي لا يكون راضيا عن ظروفه ويعيش في جو من الحزن, تكون كل أيامه تعبا وشقاء.
والمقصود بالحزين هنا هو الإنسان البعيد عن الله والذي يسير بفكره الخاص, ويوجد بداخله كثير من الأمواج والصراعات لرغبات كثيرة, ومثل هذا الإنسان لا يجد تعزية في الطريق الروحي.
أما طيب القلب فوليمة دائمة (أم15:15), والمقصود بطيب القلب هنا, هو الإنسان الراضي عن حياته, ويعيش في حياة الطاعة والقبول, فالإنسان الذي يعيش حياة التسليم يشعر دائما أنه في وليمة دائمة, بمعني أنه يشعر بالشبع الدائم.
الممارسة العملية لحياة الرضا
يبقي شيء أخير يجب أن نتعرف عليه, وهو الممارسة العملية لحياة الرضا, وسنذكر هنا بعض الأفكار التي من الممكن الاستفادة منها, كتدريب عملي لكيفية ممارسة حياة الرضا.
أولا: تجنب كلمة اشمعني
فهذه الكلمة ضارة جدا بحياة الرضا, مثال لذلك: عندما قدم لنا السيد المسيح مثل الوزنات نجد أن هناك شخصا أعطي له خمس وزنات, وآخر وزنتين, وآخر وزنة واحدة, ولكننا لم نقرأ أو نسمع, أن الذي أخذ الوزنتين, قال لصاحب الوزنات لماذا أعطيت أخي خمس وزنات, وأعطيتني أنا وزنتين؟!
فالذي أخذ الخمس وزنات, تاجر وربح مائة في المائة, ونال التطويب من سيده: كنت أمينا في القليل فأقيمك علي الكثير, أدخل إلي فرح سيدك (مت25:21), والذي أخذ الوزنتين تاجر أيضا وربح مائة في المائة, ولم يتذمر, وكانت النتيجة أنه سمع نفس التطويب الذي سمعه صاحب الخمس وزنات من سيده كنت أمينا في القليل فأقيمك علي الكثير, أدخل إلي فرح سيدك (مت25:21).
إن الله عندما يتعامل مع البشر, يعطي لكل إنسان علي قدر قدراته واحتياجاته. فإن كنا نحن بحكمتنا البشرية الضعيفة نفعل هكذا مع أبنائنا, ونعطي كل ابن حسب احتياجه, فكم وكم الله في حكمته الإلهية؟!
فيجب علي الآباء أن يعلموا أولادهم منذ الصغر تجنب كلمة اشمعني, لأن هذه الكلمة تجرح حياة الرضا, ولا تجعل الإنسان يستطيع أن يعيش هذه الحياة.
ثانيا: تجنب كلمة لأ
فكلمة لأ هي كلمة حادة, لدرجة أن الموسيقي الخاصة بها تتعب الأذن, وذلك بعكس كلمة حاضر, فكلمة حاضر كلمة مريحة للأذن, فيجب أن تتعلم, وتعلم أولادك أن يمتنعوا عن ترديد كلمة: لأ, وهناك مثل عربي شهير يقول: قول نعم يزيد النعم.
إن التذمر يفقد الإنسان أشياء كثيرة جدا, ومثال لذلك ما ورد في قصة الابن الضال, إنه عندما عاد هذا الابن الضال إلي بيت أبيه, فرح الجميع برجوعه فيما عدا أخاه الأكبر, الذي كان متذمرا جدا, وكاد أن يعكر صفو هذا الفرح, مما اضطر أباه, إلي أن يخرج إليه لكي ما يهدئ من غضبه, ويشرح له أن أخاه هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد, ولكنه كان في حالة من التذمر الداخلي!
فيجب علينا أن نتجنب كلمة لأ, وخصوصا عندما نتخاطب مع أبنائنا في المنزل, فمثلا عندما يكون الأب غير موافق علي موضوع ما, يكون قد طلبه منه أحد أبنائه, فبدلا من استخدام كلمة لأ, من الممكن أن يقول ذلك بصيغة أخري أفضل وأجمل, وأكثر راحة, مثل أن يقول هنشوف هذه الحكاية.