عندما يموت احد اصدقائنا القريبين منا الذين جمعتنا بهم الذكريات يموت داخلنا شىء حميم ..الذكريات التى جمعتنا الاحلام ..الطعام الذى اقتسمناه …الكلمات القاموس المشترك الذى كوناه معا ..الشفره الخاصه التى كالبصمه لاتتشابه مع اى احد اخر ..اليوم مات صديقى شاعر العاميه المصريه الكبير طاهر البرمبالى ..
كان صديقا يساريا مخلصا للشعب عاش حياته على لحم مبادئه او ان شئت قل لحن مبادئه منذ بدايته حتى انظفأ قنديل حياته منذ السنوات الاولى فى الجامعه فى ثمانينيات القرن الماضى حيث كانت غروب شمس الافكار اليساريه لصالح نمو السلفيه فى الجامعه والحياه والمجتمع كانت اخر الحالات الكبرى لليسار الجماهيرى المناضل الواسع هى مظاهرات الزقازيق ابان استشهاد سليمان خاطر كنت تستطيع ان ترى الانفاس الاخيره لحركة اليسار التقليدى الاخيره بالمعنى الجماهيرى الواسع ولاخر انفاس المرحله الناصريه بقيمها الوطنيه والاجتماعيه كان المشهد مأساويا انذاك الصعود السلفى فى مواجهة الغروب اليسارى فى اوساط الطلبه والجماهير فى الاقاليم كان ت اخر انفاس اليسار الوطنى انذاك وبصرف النظر عن التحليل السياسى لتلك المرحله كانت نبالة المناضلين اليساريين انذاك وحيدوون فى مواجهة التاريخ الهابط والقيم البدويه التى تتوغل فى النسيج السياسى والاجتماعى كانت لحظه فارقه فى حياتنا الشخصيه وفى حياة الوطن وتاريخه ..
كانت نباله من نوع خاص جدا ان تجد تلك الارواح الوحيده تقاوم لحظة السقوط الاسطورى بارواحها وعمرها لاتحتمى الا بوعيها ونبلها الشخصى اتهامات من كل نوع اتهام بالشيوعيه والكفر والخيانه مثلا لحلف وارسو وبلغاريا جديا بالفعل لاعلى سبيل الدعابه ..وحيث اضحت القضية الوطنية نفسها التى تربت اجيال على عداءها للصهيونيه محلا للإنقلاب على قيم القريه والعمده السادات انذاك الذى كان يرى فى الخروج على طاعته خروجا على الاداب وربما خروجا عن طاعة الله شخصيا ..كانت لحظات فارقه معذبه شديدة البؤس ولكن اليسار انذاك استطاع تحريك الجماهير وكان طاهر الشاعر فى قلب الحدث فى الزقازيق موطن سليمان خاطر ..كانت لحظات عاصفه فى حياتنا وفى حياة كل من عاشها ..
كان الانفتاح الاقتصادى يتمطع فى بواكيره انذاك والوطن يتم تغيير ملامحه بالكامل وتصعد قيم الانفتاح الاقتصادى الطفيلى ورأسمالية المحاسيب والبترودولار ورأسمالية التيار السلفى وقيمها البدويه الصحراويه تقتحم دلتا النهر وتغير جيناته وملامحه وثقافته وطباعه واغانيه وحروبه واحلامه وهكذا ولد جيل من مناضلى اليسار فى مصر فى ظروف الانسحاب ونهاية المد اليسارى الناصرى وبروز المد السلفى ..من حطام هذه التجربه المريره جاء طاهر البرمبالى ومئات من الكوادر اليساريه ليملأوا الارض حلما بالعدل والتنميه وقيم الاستناره والحداثه اعببر هؤلاء البؤساء المظلومين من اعظم ماشهدته الاجيال المصريه ..دائما الابطال الذين يولدون فى ظروف الانسحاب هم الكوماندوز هم البذره التى سوف تطرح الارض بعدهم الاشجار السامقه الجذله العظيمة الفروع يوما ما سوف يعلم الناس ان هؤلاء الابطال الذين عضوا الارض اليباب الارض الشراقى العطشى بماء قلوبهم وارواحهم فى لحظات الجذر ..
الوحيدون الايتام المتفردون هم اعظم ماانبتته الارض المصريه من نباتات التقدم والاستناره والحياه يوما ما ستعرفهم البلاد وتقبل ارواحهم النبيله وتعرف اقدارهم وتضحياتهم فى سبيل وطن الحريه والعداله والمساواه يوم تنغمر الارض بسيول المحبه وتزدهر الاشجار وتشق الارض الشراقى ايتها البلاد رحل ولد من اخلص الابناء الشاعر الكبير طاهر البرمبالى وداعا طاهر وكل طاهر فى ارضنا المقدسه التى لاتتوقف عن المقاومه حتى تطلع الشمس من مغربها