افكر هذا الصباح وانا انصت لتلاوه من القرآن الكريم للشيخ مصطفي اسماعيل، في الفترة العظيمة التي انجبت ذلك القارئ العظيم، وهو قارىء معلم مر من موهبته بالتدريب على يد عتاوله ثم الخبرات ثم صار معلماً فريداً يلفت نظرك تلك الروح المصريه في الانتقال بين المقامات الموسيقية بوضوح وذلك التدبر الخاص في اللغة والمعاني الذي ينتقل الى السامع تلقائياً.
تلك الروح الفلاحية المصرية التي تختزن التراث المصري الطويل من العلاقة مع الرب العظيم التي بوسعك ادراكها في الوقفات والسكنات والحركات والتوقف والتبيين. تلك الروح الحامله للتراث الروحي المصري كله عبر النص القرآنى الكريم تخلق حالة استمتاع فريده او حزن شفيف او تدبر عميق.. حالة مفتوحه لامغلقه تشاركيه يتشارك فيها القارى والجمهور النص المقدس ويتبادلون الفهم والتأثير إن شئت قل جدل عميق بين الجمهور والمقرىء والسماء يعاد فيه انتاج النص المقدس كل مره عبر الذائقه التاريخيه للجماعة الشعبية ..
هنا قراءة لا تعادي الانسان عرض فني جميل في نهاية الامر اخره البهجة او المتعة الخالصة .. مره موسيقي مصري كبير قال لي: لو انصت الى التلاوات العظيمه لمقرئى القرآن الكبار تتبين موسيقى خفية من اماكن التعبد المصرية العريقة من المعبد الفرعونى حتى جرس الحان كنسيه خفيه الايقاع متصل بتلك الروح وتلك الموسيقى ولكن هذا يحتاج الى دراسة متخصصة وادراك واسع ..وعلى المقلب الاخر لو استمعت الى التلاوات النجديه لقراء المملكة الذين صاروا موضه انتشرت عبر الهجره المصريه لدول الخليج وانتشار وسائل الاتصال الحديثه تلك الوتيرة السريعة في القراءه التي لاتجعل مساحه كافيه لتدبر الروح والعقل ..ذلك الاثر الثقافي الجاف للموسيقى التي تسرى في النص على الاكثر هو صوت الصحراء وثغاء وحنين النوق وحداء لاماء يسيل في النص ولاخيال بشرى يندمج مع النص الالهى المقدس.. هذا يخلق نصًا مغلقًا لا انسانيه فيه ولاجدل بين الارض والسماء كما افترض ان يكون اتصوره احيانا (دلق حاد للنص بزوايا صعبه تجعل الصوت والامر والنهى وحتى الدعاء )تجعل الصوت المقدس مقفولا على ذاته وعلى التاريخ وعلى الانسان.
كان المعلم الاول لهذه المدرسة هو الاستاذ العظيم المصرى الشيخ الحصرى الذى كان يقرأ قراءه مدرسيه بوتيره متسارعه لا تتيح اندماجا ولاتدبرا.. يدير ايقاعا ذاتيا داخليا محدودا للنص المقدس يشبه ايقاع الحفظه في الكتاب الخاص بالتلاوه لا ينفتح النص الا على ذات قارئه نص بين ذات القارىء وذات السماء لاعلاقه للارض به، ولكن الشيخ العظيم الحصرى كان نسخه مصريه اصليه مدموغه بخاتم الشمع ربما تجد فيها معنى فريد واسلوب خاص بذاته غير اولئك الحاملين للنسخ المذهبيه بنت ثقافتها وبيئتها وسطوات اموالها وحكامها ..
تتجلى دائما في كل قراءه ارواح وتاريخ وثقافة قارئيها ليس هناك نص برىء من بصمة اليد التي تحملها ولامن رائحة انفاسه ولامن تجلى صفحة وجهه وقلبه ليس هناك اى نص منبت الصله بالارواح البشريه التي تحمله لذلك افكر هذا الصباح طويلا في مقولة الامام الخالد على ابن ابى طالب ان القرآن حمال أوجه فانظر على اى وجه تحمله لوجه الرحمانيه والحنانيه ام لوجه الرعب والقتل ام لوجه الله وحده والله من وراء كل قصد.