أحيانا نجد أنفسنا عاجزين أن نكتب أصدق مما كتبناه عن آلام مزمنة عاشها أشخاص أبرياء في عالم يهزمه العذاب دائما, أجدني اليوم لا أملك الجديد لأبدأ به حلقة -قد تكون الأخيرة- من سلسلة عذابات مني, التي كتبنا عنها ثلاث حلقات سابقة تحت عنوان الفقراء يرثون الزنازين… لذلك سأستعير من كل حلقة منها فقرة وصولا إلي النهاية التعيسة… فمنذ سبعة أشهر عرضت في هذه المساحة آلام امرأة اسمها مني, لا تتعدي الأربعين من عمرها… مصابة بسرطان المعدة… ابنها المعاق وزوجها الكفيف حجرين معلقين في عنقها يشدان روحها إلي أرض العذاب بينما يصرخ جسدها طالبا الرحيل… لم تكن قصة مني فقط في إصابتها بالسرطان واحتياجها لعلاج الكيماوي واحتياجها المادي بعد أن كف بصر زوجها… لم تكن مأساتها في حياتها التي هي أقرب لحياة القبور والزنازين في غرفة تحت بئر سلم أحد البيوت القديمة في إحدي حارات شبرا… كل ذلك لم يشكل حجر الزاوية في قصتها… إنما كانت مشكلة ابنها الأكبر المعاق ذهنيا والذي تريد الاطمئنان عليه إذا ما رحلت إلي السماء… إذ كانت تعلم أنه لن يحتمله أحد.
بعدما أدركت أن الموت قادم سريعا لا محالة… فكرت أن تؤمن مكانا يحيا به هذا الطفل التعيس… فالابن الأصغر شادي كانت شقيقتها قد وعدتها برعايته مع أولادها… أما فادي فملفوظ من الجميع… ساعدناها وتمكننا من إلحاقه بدار رعاية بمنطقة عين شمس… وما أن وصل إلي هناك حتي صرخ واستغاث بأبويه… انهزمت أصوات الحكمة داخل أمه… تاهت نداءات التعقل الحانية أمام دموع ولدها وتأوهاته… صرخاته علي بعد خطوات منها… يشد جلبابها يرجوها ألا تتركه هناك مع أولئك الغرباء الذين لا يعرفهم ولا يألف الوجود إلي جوارهم… استغرقت الأم الممزقة في آلام أقوي من آلام السرطان التي ظلت تنهش معدتها منذ شهور… زوجها الكفيف لم يتوقف عن البكاء.. فماذا عساه يفقد وقد فقد بصره منذ ثلاث سنوات… والآن كاد أن يذهبا عقليهما وقلبيهما خلف فادي ابنهما… ذلك الطفل المعاق ذهنيا الذي لا يتعدي التاسعة من عمره… لكنه الحمل الأكثر ثقلا علي المحيطين.
انتهت المحاولة بالتراجع عن إلحاق الطفل وعاد لأحضان والدته التي تحملت آلاما مزدوجة في الأيام الأخيرة… ونجحنا بمساعدة الأخت تريزا الخادمة الأمينة المسئولة عن الأسرة في توفير دار يذهب إليها يوميا الطفل فادي… ثم يعود عصرا إلي حضن أسرته… وتصورنا أننا نجحنا في المهمة الصعبة… لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
منذ شهرين أصابت مني انتكاسة شديدة بعد الانتهاء من جلسة الكيماوي… انقطعت عن الطعام والشراب… أصابها الجفاف ولم تفلح معها المحاليل… العناية المركزة كانت مأواها لأسبوع يتجدد يتلوه الأسبوع… حتي صار بقاءها مجرد عداد للانفاق كما قال البعض فكل الأجهزة توقفت عن الحياة… وبينما يتشاور ذويها خارج العناية المركزة في الاستسلام ونزع الأجهزة عنها بعدما صارت جلدا علي عظم -كما يقال- كانت الأم الحزينة قد بدأت رحلتها إلي السماء وفارقت الحياة لتريح وتستريح.
استدعت شقيقتها الأهل والأقارب من مسقط رأسها -المنيا- وحضر أخيها وخالها قرروا إقامة صلاة الجناز عليها في المنيا… واستسلم زوجها وتصور الجميع حينما اصطحب شقيقها الطفلين وترك الزوج في نهاية القصة ولن يترك لحم شقيقته للتسول أو الضياع… ولكن كانت المفاجأة بعد أقل من أسبوع أعاد الطفلين إلي أبيهما… ورفض تولي رعايتهما… والمفارقة المحزنة التي جعلت الأمر عسيرا جدا هي إصابة الشقيقة الكبري لمني بنوبات صرع مفاجأة ألزمتها الفراش في المنيا… وبالتالي صار الابن الأصغر أيضا بلا راعي ولا معيل… بعد أن مرضت خالته التي وعدت قبلا برعايته… الأمور كلها متشابكة ومعقدة… والآمال مفتتة.
وقبل مرور أربعين يوما علي رحيل مني وتحديدا قبل ثلاثة أيام تلقت تريزا الخادمة المسئولة عن الأسرة اتصالا هاتفيا من الدار التي كنا قد أودعنا بها الطفل فادي سابقا ثم أعدناه إلي أمه نزولا علي رغبتها… أكد فيه مسئول الدار أن خال الطفل أودعه بالدار ورفض التوقيع علي أي أوراق بالمسئولية عنه… وأن الدار لن تقبل استمرار الطفل وهاتف الرجل مغلق ولابد من وجود شخص للرجوع إليه في حال الاحتياج خاصة أن الدار تكلفتها الشهرية تتعدي 600 جنيه للإقامة فقط بلا علاج أو ملابس أو أي شئ آخر… اتصلت بي الخادمة تروي ما جري… تستنجد باسم فادي وأحزانه… تراه مطرودا منبوذا بلا ذنب ولا جرم ارتكبه… تبكيه كما لو كانت تبكي طفلها لكن ظروفها تمنعها من إيوائه.
فكرنا سويا في إلحاق أبيه أيضا بنفس الدار وندفع لكليهما تكلفة المبيت لكن للأسف أخبرتني الخادمة أن إخوته يرفضون… إذ يحيا في منزلهم ويتقاضي معاشا قدره 1200 جنيه… ولن يكلفهم وجوده بينهم إلا لقمة قد لا يلقوها له في نهاية اليوم… فلن يتنازلوا عن هذا المبلغ… إنه الشر الساكن في النفوس… تبلغني الهزائم المتتالية أمام شرور البشر من أجل بضعة جنيهات تسحق إنسانيتهم… تتجسد في مأساة فادي وأسرته هزيمة الرحمة… فطالما سمعنا قصص التخلي التي يندي لها الجبين… لكنني أبدا لم أكن أتصور أن التخلي يصل إلي هذا الحد من القسوة والتصلب.
ماتت مني ولم يرث فادي إلا الذل… ولم يرث شادي ذو الخمس سنوات إلا التشرد… فحاليا يبحثون له عن ملجأ يأويه بعد أن لفظه الجميع أيضا… نعم الفقراء يرثون الذل… بهذه العبارة بدأت الحلقة الأولي من قصة مني وبها اختتمها… فمن مأساة لمأساة تسلمهم الحياة… فلا الأحزان تمضي ولا العلل تشفي… ولا الصدور التي ضاقت وأصابها الضجر تهدأ في ارتياح… عصير الروح في سراديب العوز راح… وما بقي منهم إلا أشباه بشر… إنه ملخص المشهد المبكي في إحدي حارات حي شبرا فهل من معيل؟.
تنويه مهم
تم تغيير مندوب التحصيل للباب برجاء الاتصال بالرقم 01006058093 للاستفسار
إيد الحب
امتدت أيادي الحب بالمبالغ التالية:
300 جنيه طالبة شفاعة القديسة العذراء مريم
600 جنيه س.ف.ح أسيوط
2500 جنيه م.ش.ح القاهرة
2000 جنيه كله من خير ربنا
10000 جنيه منك وإليك
500 جنيه ج.ن
1000 جنيه فاعل خير
4000 جنيه أسرة المرحوم فؤاد بولس
300 جنيه طالبة شفاعة القديسة العذراء مريم
600 جنيه س.ف.ح أسيوط
2500 جنيه م.ش.ح القاهرة
2000 جنيه كله من خير ربنا
10000 جنيه منك وإليك
500 جنيه ج.ن
1000 جنيه فاعل خير
4000 جنيه أسرة المرحوم فؤاد بولس
1979 جنيها علي روح المرحوم بتناغو عازر
231 جنيها فاعل خير كفر العجيزي الغربية
200 جنيه طالبة صلوات العذراء والقديسين بأوسيم
5000 جنيه علي روح المرحوم صموئيل ناشد والمرحومة هدي عبدالشهيد واصف
231 جنيها فاعل خير كفر العجيزي الغربية
200 جنيه طالبة صلوات العذراء والقديسين بأوسيم
5000 جنيه علي روح المرحوم صموئيل ناشد والمرحومة هدي عبدالشهيد واصف