عراة في مجاعة الحب نمشي متلهفين إذا ما رمتنا الأيام فيها, عراة وسط عراة نسير خطي الجوع إذا ما جلسنا فوق بئر جافة لا ري فيها للبور في الأنفس العطشي, جوعي للحب إذا أمسكنا سلالا مثقوبة تتسلل منها حبوب الشبع ثم زهونا أننا في كسوة الإشباع كاذبين, بينما الكل كاشف الخزي المربع, وهكذا نبقي في علاقات أبسط ما توصف به أنها مؤذية, وكأنها فرض علينا تأديته بلا روح ولا كرامة غير واعين انها شركة تحتاج لقاسم مشترك من التفاهم والحب غير المشروط بين أطرافها, نختار نموذجا مشوها من العلاقات, ونتشبث به تحت أي حجة, فللعلاقات نماذج ومثلما توجد علاقات ندخلها نقاهة من عاهة فنتعافي, هناك علاقات مشوهة ندخلها أصحاء لنخرج منها حاملين في النفس والروح عاهة وعلاقات ندخلها حتي نتعافي فننتكس وتعمق فينا العاهة.
تخلق خوفا وشكوكا وآلاما غير محتملة, بسبب الاحتمال المستند إلي الخوف من الحرمان والجوع للحب, والأمل في تسديد هذا الاحتياج تحت أي ظرف وجميع النماذج المشوهة بينها قاسم مشترك هو مساحة الأنا كلما تراجعت مساحة الأنا كلما اتسعت مساحة القدرة علي الاحتواء, وتطبيب الجروح, وجبر الخواطر وتراجعت الرغبة في العناد وحينما يمتزج الحب المفرط للأنا, بالاحتياج غير الرشيد لكل ما نتصور أننا محرومون منه قد نقبل عليه بلهفة تقع الكارثة, وربما نفقد أنفسنا في هوة اللهفة المعمية بفعل الاحتياج, لكن تظل الآية الكتابية صادقة, ففي العلاقات الإنسانية النفس الشبعانة تدوس العسل وللنفس الجائعة كل مر حلوأم27:7, لذلك معظم الخيانات الزوجية والتخلي عن حبيب العمر, يكون الدافع لها هو الاحتياج ولنا في قصة صباح مثالا.
في ذلك اليوم المشحون جلست أتابع عملي بالجريدة, وفجأة انطلق هاتف المكتب ثم هاتفي المحمول, استدعاءات متكررة تركت مكتبي, علي أثر اتصالات زملائي يستغيثون قالوا لي: امرأة منهارة نفسيا تنتظرك في مقر الإدارة ولا تريد التحرك إلا بصحبتك تبكي وتستغيث ولا تستجيب للتهدئة, صعدت إلي مقر الإدارة, مررت من باب الدخول لأجدها غارقة في دموعها ممسكة بهاتفها المحمول لاتتركه ولاتسقط نظرها بعيدا عنه أبدا حتي وهي تحدثني.
اصطحبتها للطابق السفلي حيث الخصوصية التي تناسب حالتها دموع لاتتوقف ومازالت تسلط نظرها علي شاشة الهاتف وتزاداد انفعالا وأنا في حيرة من أمرها وما يعنيني أولا هو تهدئتها حتي لا تصاب بمكروه جراء الضغط العصبي التي تقع تحته, لكنني فشلت في إقناعها بترك الهاتف ومحاولة الاسترخاء, فبدأت أسألها ما قصة تعلقك بالهاتف المحمول إلي هذه الدرجة؟ بمزيد من البكاء أجابت صباح: عاملة تتبع لجوزي لأنه بيخونني وأنا قدرت أعمل دخول علي تليفونه وحسابه علي الفيس بوك,وأي محادثة بيعملها بتوصل عندي فورا, واكتشفت أنه بيخونني مع ستات كتير طول الوقت, عملت له تتبع علشان أفهم إيه إللي بيجري من ورا ضهري.
ولأنها لم تتلق قدرا وافيا من العلم والثقافة أصابتني دهشة إلي أن صارحتني بأن ابنتها هي من ساعدتها علي ذلك, وللأسف الابنة أيضا تري المحادثات الجنسية التي يجريها والدها, مع أكثر من امرأة إلي هنا قد يكون الأمر متكررا أو شبه شائع بسبب الطفرة التي أحدثتها مواقع التواصل الاجتماعي, فالعديد من الرجال والنساء, لم يحتملوا جرعة الحرية والخصوصية التي سمحت التكنولوجيا الحديثة بها, غير عالمين أن هذه الجرعات تحمل معها عوامل تدميرها وتحويلها لقرائن وأدلة علي أخطائهم, كما أن الشبكة العنكبوتية ذاتها لاشئ فيها خفي فكل شيء مكشوف لمن يريد أن يري وببرامج رخيصة وسهلة.
صباح امرأة في الثانية والأربعين من عمرها, لم يكن لها حظ من العلم أو المال أو الجمال, لكنها من أسرة مستورة, تزوجت ابن خالها قبل 23 عاما, حتي تحيا وسط العائلة, ولأن الرياح تأتي بما لاتشتهي السفن, كانت المفاجأت أن خالها هو سبب أزمتها الكبري,فقد أساء معاملتها إلي حد الضرب المبرح منذ اليوم الأول للزيجة, بينما كان زوجها يسافر سعيا خلف رزقه في القاهرة, كانت هي ومولودتها الأولي تعاني في إحدي محافظات الصعيد, داخل قرية صغيرة من إيذاء نفسي وبدني علي يد العائلة, خالها وزوجته وزوجة شقيق زوجها التي كانت تقوم بدور الساحرة الشريرة وتؤجج النار في صدر زوج صباح حتي يستشط غضبه عليها ويتركها.
تقول صباح:سقوني المر كانوا بيحبسوني في قفص الفراخ ويرموا الزبل علي وشي, واتحملت لأني بحب جوزي, بدأت أشوف أحلام مفزعة وأقوم من النوم متهيألي إن الحيطان مولعة لقيت نفسي هاتجنن, وجوزي معمي عني وأقرب لمراة أخوه مني.
الغيرة أكلت قلبي روحت بيت أهلي وطلبت يتدخلوا وفعلا خرجت في نص الليل من البيت بالهدوم إللي علي وبعيالي بعد ما شفته نايم في أوضة مراة أخوه, وأخوه كان باستمرار غايب وبيشتغل في القاهرة, وأهلي أجروا لي شقة بعيد عن عيلته وجيه هو عاش معايا شوية والحياة كانت معقولة ونسيت كل إللي عمله واعتبرناه كان موجة غيرة زيادة لأني ماشفتش بعيني حاجة صريحة, لكن بعد سنين كان مقر شغله في القرية, وأنا مقر شغلي في المركز أنا معايا العيال وهو في سكن لوحده ونروح له خميس وجمعة وفي مرة روحت له في غير ميعادنا وشفت بعيني إللي ماشفتهوش زمان لكن مع واحدة تانية, وأتأكدت من خيانته النار قادت في قلبي, صرخت ولميت الناس, وانطرد هو من المكان ورجع لي لكن ده ماكانش كفاية.
مسكينة صباح تريد الإمساك بالخطية لكنها تفر منها, أنه الحب الخانع نعم صباح مغرمة بزوجها إلي حد قبول الخيانة المتكررة, وتكمل صباح مأساتها وسط دموع لا تنقطع, ومازالت ممسكة بالهاتف بين لحظة وأخري, تطلعني علي ما يكتبه ويرسله من ألفاظ وصور وتقول: مش عارفة أوصف لك إللي عملته بصراحة فضحته وكنت في حالة انهيار مش حاسة بنفسي وانطرد بسبب الفضيحة دي من السكن.
وتدخل آباء الكنيسة للصلح بيننا, وأخدت وعد عليه أنه يمشي في طريق ربنا, ونربي عيالنا صح, سيبنا البلد كلها وجينا القاهرة ولما نزلنا القاهرة اشتغل في تصليح الغسالات والتلاجات, وكل تعاملاته بقت مع الستات, وإللي فيه داء لا يمكن يبطله بدأ يأخذ ترامادول ويشم كمان, ويعرف ستات أكتر, وأنا مش قادرة أسيبه ولا قادرة استغني عنه, ولما يكلمني يقول لي أنت وحشة أنت فاكرة نفسك ست؟! روحي بصي في المواية فضلت وراه لغاية لما دخلته مصحة واتعالج من الإدمان وجوزنا بنتنا الكبيرة وقلت ربنا هداه لكن مفيش فايدة.
فجأة وأثناء حديثها صرخت صباح: وأمسكت بالهاتف وأخدت تضرب وجهها وقعت من فوق الكرسي الذي تجلس عليه صارخة: شوفي المصيبة أهو بيتفق معاها يروح لها البيت, شفتي المصيبة أعمل إيه دلوقت ليه بيعمل فيا كده ليه’؟لم يكن لدي حيلة لإخماد البركان الذي يغلي في صدرها, فالزوجة المطعونة في أنوثتها تنثر حمم الجراح في وجه الجميع بلا استثناء ساعدتها للقيام والرجوع إلي المقعد, وبعد جرعة من المياه علي وجهها لإفاقتها سألتها: هل ارتحتي لما عملتي التتبع لجوزك؟ أجابت:لاء وأنا بأحبه ومش قادرة أسيبه ولا قادرة أتحمل خيانته ولا إهاناته لي.
أجبتها:ساعات لما بنكون جعانين للحب بنقبل حتي الحب المسموم والعلاقات المهينة ,نسميه غفرانا رغم أنه لايمت للغفران بصلة, هو خنوع مشروط وإلا ما كنتيش تبقي في الحالة دي, ولايكون البركان الثائر جواكي موجود أصلا لكن أنانية جوزك, ,محاولتك إثبات أنك كافية له طول الوقت, انقلبت ضدك واستمر احتياجك لتقديره وحبه وعلاقته الحميمة, واستمر احتيتاجه للتحرر من قيد تتبعك وتعمقت صورته عن نفسه أنه خاطي, وأنه لايستحق زوجة مخلصة وأصبح باحثا مستمرا عن إقامة علاقات جنسية مع ستات يشوف فيهم عكس إللي بتقدميه وكأنه بيعاقب نفسه في اللاشعور وكأنه بيقول لنفسه إن ده هو استحقاقه وهو ما يناسبه.
للأسف الاحتياج وصورة الإنسان عن نفسه هما المحرك الأول لسلوكه جعان/ة للحب جعان/ة للاهتمام جعان/ة للتقدير, بترمي نفسك في حضن أقرب حد يفرد قدامك موائد الأصناف المحروم منها, وتبدأ تمد إيديك, وتخرج قلبك برة ضلوعك تحدف قلبك فيجيبك علي بوذك وتلاقي الأكل لسة بعيد وبدل ما تاكل تبدأ تلحس حوالين الأطباق إللي هي أصلا فاضية وبمشاعرك الحيرانة بترقص/ ترقصي علي السلم, لا أنت أكلت ولا أنت فضلت محتفظ بصمودك ضد الجوع وواهم أنك في حضرة الحب الغائب يا حزين وواهم أنك بتحب ولا أنت دخلت من باب الحب ولا تعرف عنه إلا اسمه والسبب هو أن:
الجوع يمنع تمييز المذاق أحيانا والطعام المسموم لايفضح نفسه, لكنه يميت الجوع والشبع وجهان للاحتياج وليس للحب, الجوع والشبع لايخلقان شراكة الروح الجوع والشبع يختفيان في الحب ويظهر الاكتفاء مع القليل, والراحة مع المثابرة والتكيف مع النقائص الحب يكتشف أمراض نفسك ويستطيع علاجها مهما طال الزمن, أما الاحتياج فيطلب ما لنفسه, ويرفض المناقشة ويثور للواجهة ويثأر إذا تعري وينتقم بلا شفقة, وحينما يتعتري تعري كل الأشياء التي غابت في فورة المشاعر الجائعة والتعري يجلب الخزي.
والخزي مثلما يمنحنا الانكسار يمنحنا إرادة التغيير, بستر وجبر وترميم ما حطمته فأس الاحتياج, لذلك إلي كل من يحركه احتياجه يا عزيزتي حان الآن أوان الترميم لا تتأخر هذا الكلام ليس فقط لصباح ولكن لكل من يعاني مثل حلها ولكل من أوجد نفسه طرفا في علاقة مسمومة سواء كانت زيجة أو خارج الزيجة.
وأخيرا تممت جلسة المشورة مع صباح بسلام وحينما تيقنت من أنها تمالكت أعصابها طلبت منها ألا تطلع ابنها الصغير الذي كان ينتظرها بالخارج, علي شيء جديد ويكفيه ما عرفه عن والده, ووعدتني أنها لن تشركه مجددا في تلك الأمور, لكن حتي لو لم تطلعه, فقد تابع معظم التفاصيل في المنزل بما فيها محاولات جدته لوالدته التي اتصلت بي مرارا للتدخل حتي لاينفذ زوج صباح تهديده ويترك المنزل هربا من حصار صباح.
نعم لقد أصبح الحب والغفران حصارا له, وللأسف الابن الصغير والبنات الكبار ضحايا أخذت ذاكرتهم في تسجيل كل الأشياء المشاعر قبل الأحداث وسيكون لما يجري بين والديهم, أسوأ الأثر علي خبراتهم بعدما عرفوا سر أبيهم, فهل يتلقون العبرة السلبية من تلك الخبرة أم أن الألم الخارج من رحم الخبرة سيتولي نيابة عنها غرس الايجابي من العبرة؟