منذ نشأتها علي يد جوهر الصقلي وهي أرض الثورات سواء علي حكامها الظالمين أو الغزاة الأجانب هي قاهرة المعز التي رفعت راية العصيان وخروج أهلها عن بكرة أبيهم ضد العبيد في قصر الفاطمي حين أرادوا الاستحواذ علي الحكم فرفض أهل القاهرة واشتعلت المعارك وعرفت القاهرة في حينها أكبر وأول حريق في مصر وهكذا ظل أهل مصر صامدين ضد مظاهر الظلم والطغيان حملت القاهرة بين ثنايا تاريخها صوت الشعب الثائر, الذي يبحث عن الحرية في ثورتي القاهرة الأولي والثانية وثورة 1919 وظل بركان الرفض خامدا حتي انفجرت ثورة .1977
في العصر الحديث خرج الشعب المصري يقاوم المحتل الفرنسي فيما عرف بثورة القاهرة الأولي في أكتوبر 1798, وهناك بين أزقة الأزهر ومسجده وكانت الشرارة الأولي من الطلاب المقيمين في الأزهر يبحثون عن حريتهم يقودهم حماسهم, ليلتحم معهم مثقفو البلاد في ذلك الوقت وزعماء الشعب الأحرار مما رسم للثورة خطا شرعيا شعبيا جعلها تجول مدينة القاهرة القديمة, فاجتمعت أطياف الشعب وطبقاته مقاومين معا الاحتلال الفرنسي الذي سعي في الأرض فسادا منذ أن نزل أرض مصر وانتهك حرمتها واستأثر بخيرها وثرواتها ووضع سيطرته علي الديوان الحكومي الذي يدير شئون البلاد آنذاك, وضعف الفرنسيون من شأن الديوان وأعماله حتي أن نابليون سعي
إلي فرض الذي الفرنسي بألوانه الثلاثة علي أكابر البلاد ومن بينهم الشيخ عبد الله الشرقاوي الذي رفض هذا ونزع عن كتفه رداء وضعه نابليون تكريما له وتعظيما فرماه الشرقاوي وخرج غاضبا ورفض نابليون أن يكون الشرقاوي ذلك الرجل العنيد رئيسا للديوان, كما فرض علي الناس ضريبة باهظة والتي كبدت الشعب أموالا طائلة بجانب ذلك هدم المباني والآثار والمساجد والدروب فاشتد قلق الناس وتم اعتقال السيد محمد كريم حاكم الإسكندرية الوطني وإعدامه, وكانت هذه الشرارة الأولي وغيرها التي أشعلت فتيل الثورة فتجمع المصريون في جامع الأزهر تحت قيادة الشيخ محمد السادات وتكونت لجنة من شباب مصر ورجالها وأخذ الشباب ودعاة الثورة يحرضون الناس علي الثورةوسرت روحها إلي طبقات الملاك والتجار وأصحاب الصناعات , و نادوا بالبعد عن أعضاء الديوان لأنهم يميلون إلي الفرنسيين وثم مقاطعتهم.
وكانت البداية ليلة الأحد 21 أكتوبر سنة 1798 فاجتمع الثائرون لرسم خطة الثورة وتجمع الناس من كل مكان إلي المظاهرات أمام مركز القيادة العامة احتجاجا علي ممارسات الفرنسيين و صال صوت الخطباء يرمون في قلوب الشعب الحماس يدفعونهم لتواصل الاحتجاجات وظهرت الأسلحة في أيدي المتجمهرين في شوارع وميادين القاهرة واتجهوا إلي بيت القاضي التركي ##إبراهيم أدهم أفندي## وطلبوا منه الذهاب معهم إلي بونابرت حتي يلغي نظام الضرائب فوافق القاضي غير أنه تراجع بعد أن رأي الحشد الكبير من الناس وقال للجمع إن هذه الطريقة ليست مما يتبع لتقديم شكوي واعتذر فثارت نفوس الثوار ونادوا إلي بونابرت القاضي معنا إلي بونابرت, ولم يقبل القاضي ما قالوه فانهالوا عليه ضربا بالعصا والحجارة. وكانت هذه الحادثة بمثابة إعلان للثورة فاحتشد الجموع في الأزهر يهتفون بالقتال ولم يحسب السلطات الفرنسية المحتلة حسابا لهذه التجمعات الشبابية والطلابية والشعبية كما لم تكن تتوقع حدوث ثورة ما, ولم تتخذ التدابير لمنع احتشاد الجماهير المسلحة فعمت الثورة أنحاء القاهرة وثم قتل العديد من الجند والحراس الفرنسيين, وكان أكثر وطئه علي الحملة هو مقتل الجنرال ##ديبوي## أحد قادة الحملة ومساعد بونابرت وعندما ذاع خبر مقتل هذا الجنرال حمت الثورة وتكاتف الشعب وتشجع واستولوا علي معظم أماكن القاهرة. غير أن الفرنسيين قاموا بضرب الثائرين المجتمعين في الأزهر وقذفت أول قنبلة من المدافع القائمة علي ربي المقطم مما ألقي الرعب في نفوس الناس وفي الوقت نفسه تم حصار الثوار وخربت الدكاكين والبيوت في الأحياء المجاورة للأزهر.واستمر الضرب إلي الساعة الثامنة مساء فوقع الاضطراب في صفوف الثوار واقتحم جنود الفرنسيين جامع الأزهر وعسكروا فيه طوال الليل.
وبذلك انتهت ثورة القاهرة وباتت المدينة تلك الليلة غارقة في لجة من الظلام والفزع وامتلأت السجون بالأبرياء وسجن الشيخ##إسماعيل البراوي, ويوسف المصلحي , والشبراوي , والجوسقي , وأحمد الشرقاوي## وكلهم من علماء الأزهر الشريف وأبنائه.وتغلبت قوة الحديد والنار علي المقاومة الشعبية ووجد أربعة آلاف شهيد علي حسب الروايات هذا يدل علي ضخامة الثورة وما فتئت القاهرة دائما مصدر كل تطور سياسي فلا تحدث فيها حركة إلا ويتردد ذلك في الأقاليم وتفيض عليها من أمانيها وآمالها وتشاركها في أفراحها وأحزانها فالثورة التي شبت في القاهرة كان لها صدي في الأقاليم مثل الجيزة وطنطا والوجه القبلي (أسيوط وسوهاج) لم يقبل الشعب المصري ذلك وظلت المعارك هنا وهناك حتي اشتد الشعب وقام بثورة جديدة عرفت بثورة القاهرة الثانية في 20 مارس سنة 1800 بعد معركة عين شمس وظهر عمر مكرم الزعيم الثوري.وفي نفس الوقت جاءت الحملة التركية علي شواطئ الإسكندرية لطرد الحملة الفرنسية وحاول بونابرت إخفاء تلك الحملة التركية حتي لا يهيج حماس المصريين, وفي نفس الوقت استطاع أن يهزم تلك الحملة التي
استمرت تسعة أيام واتخذ بونابرت قرار بالخروج من مصر وترك الجنرال ## كليبر## قيادة الحملة في مصر وتم ذلك بالفعل, عمت الثورة أنحاء القاهرة وخرج زعماء الشعب يعبرون عن نبض الثوار ويقودون حماسهم واشتعلت القاهرة بالثورة وبدأ عمر مكرم والشيخ السادات والجوهري وغيرهم من كبار رجال الفكر والدين وثار أهل بولاق بعد أن فتش المحتل الفرنسي وكالة السيد مصطفي البشتيلي الذي كان من قادة الثورة وكانت وكالته مخزن للسلاح وتم القبض عليه واتجه الثوار بجموعهم إلي معسكر القادة العامة للجيش الفرنسي بميدان الأزبكية وكان عددهم وصل إلي عشرة آلاف ثائر فضرب
الفرنسيون الميدان بالمدافع فتشتت الثوار وحاولوا مقاومة الفرنسيين بإطلاق النار عليهم وامتدت الثورة إلي كثير من النواحي وامتلأت الشوارع والميادين ودبر الثوار المصريون هجوما علي معسكر الفرنسيين مرة أخري فاستعملوا ثلاثة مدافع من مدافع العثمانيين واستخدموا كرات الموازين الحديد التي كانت تستخدم في الدكاكين و الوكائل واستمر القتال حتي اليوم التالي في 21مارس 1800واتسع نطاق الثورة وزاد العدد مما جعل
##كليبر## يعزز معسكر الفرنسيين بالجنود والسلاح مما أوقف اقتحام الثوار.
غير أن المصريين استطاعوا أن يقيموا المتاريس علي أبواب المدينة فمنعت
إمداد الفرنسيين للمعسكر وبدأ بعض أفراد من الشعب تهدئة الموقف ورجوع المصريين عند مواقعهم لكن هذا لم يقبله الثوار وبذل الأهالي ما في طوقهم لتأييد الثورة وأقاموا في خلال يوم معملا للبارود ببيت قائد أغا بالخرنفش وكذلك معمل لإصلاح الأسلحة والمدافع وآخر لصنع القنابل وتطوع الصناع للعمل فيه وتبرع الشعب بما لديهم من حديد وآلات وموازين وأخذوا يجمعون القنابل التي تتساقط من مدافع الفرنسيين في الشوارع ويستعملونها قذائف جديدة للضرب حتي جاء ##كليبر## إلي القاهرة وشاهد ما يفعله الثوار المصريون من حصون ومتاريس وما لديهم من سلاح صنع بأيديهم, ورأي أن قوة السلاح لن تفيد فحاول أن يماطل في المناقشات كي يطول الزمن ويتفرق الثوار ويختلف الأتراك والمماليك والشعب مما يكسر شوكت المصريين غير أن الثوار أدركوا ذلك واستطاعوا أن يخرجوا من تحت يد الأتراك والمماليك بعد أن اكتشفوا أن تعاونهم كان من أجل الحفاظ علي مكانتهم. ونادوا بمواصلة القتال لكن استطاع الفرنسيون في أول أبريل أن يخمدوا الثورة بهجومهم الشرس ومطاردتهم للثوار واقتلاع المتاريس المتحصنين خلفها واستمر القتال سجالا والثوار لا يستسلمون وبدأت زخائر القلاع تنقص بسبب كثرة الضرب و اقتحموا المنازل وأضرمت النار في المباني واحتل ##كليبر## مواقع 1
عديدة منها الفجالة الذي كان الثوار متحصنين به واستمر القتل وحدث ما سمي بمأساة بولاق وحرقها وبهذا انتهت ثورة القاهرة الثانية بعد مقاومة ظلت قائمة بإمكانيات ضعيفة وكشفت عن قدرات المصريين في حماية أنفسهم.وبإبرام شروط التسليم انتهت ثورة القاهرة بعد قتال دام ثلاثة وثلاثين يوما بقوة السيف والنار واخمدت ثورة القاهرة بعد أن وضعت الحرب العالمية أوزارها وتم الاتفاق علي عقد مؤتمر الصلح الدولي, وفي مصر بدأت الجمعية التشريعية ووكيلها المنتخب ##سعد باشا زغلول##وأعضاؤها ## علي شعراوي## و## أحمد لطفي السيد## و ## عبد العزيز فهمي## و## حمد الباسل##وأخذ سعد يعمل علي تأليف هيئة تطالب بحقوق مصر, واتفق الأعضاء في 13 نوفمبر علي خروج وفد منهم لمقابلة اللورد## ونجت## وهو سعد و شعراوي وعبد العزيز فهمي, ويذكر الأستاذ ##لطفي السيد## أن الاختيار جاء لكبر السن فقط وسمي هذا اليوم بيوم الجهاد وطلب سعد ورفاقه من السير ##ونجت## إلغاء الأحكام العرفية واستقلال السيادة المصرية وإلغاء الرقابة علي الصحف والسماح لهم بالسفر إلي مؤتمر الصلح في لندن, لكن السير##ونجت## رفض هذا كله وفي نفس اليوم قابل المندوب السامي البريطاني رئيس الوزراء ## رشدي باشا ## وعبر عن دهشته من سعد ورفاقه يتحدثون عن أمر أمة دون أن يكون لهم صفة التحدث فاعترض رشدي باشا علي كلام السير ونجت وبين أن هذا الوفد متمع بهذه الصفة بل طلب رشدي باشا منه السماح لهم بالسفر مع وزير المعارف ##عدلي يكن## للعمل علي تحقيق الأماني القومية فجاء الرد من
الحكومة البريطانية بعدم الترخيص لوفد سعد باشا بالسفر إطلاقا وبتأجيل حضور رشدي وعدلي باشا إلي لندن بحجة أن اللورد## بلفور## وزير الخارجية غاب عن لندن ومشغول بمفاوضات الصلح ولما رأي رشدي باشا أن نية الإنجليز سيئة بادر بتقديم استقالته إلي السلطان فؤاد غير أن السلطان لم يقبل استقالته من أول مرة حتي كتب رشدي باشا له ثلاث مرات أوضح فيها موقفه وإصراره علي أن تسمح الحكومة البريطانية بسفر سعد ورفاقه إلي أوربا كشرط لسحب استقالته وفعلا سمحت الحكومة البريطانية بالسفر إلي رشدي باشا غير أن رفض وأصر علي استقالته وتم قبولها في أول مارس سنة1919 وتدخل الوفد المصري بقيادة سعد وكتب في 2مارس رسالة إلي السلطان يحتج فيها علي قبول استقالة وزارة رشدي وفي يوم الخميس 6مارس استدعي الجنرال ##وطسن## قائد القوات البريطانية رئيس الوفد وأعضاءه لمقابلته بمركز القيادة بفندق سافوي بشارع ##طلعت حرب## وهناك تلا عليهم إنذارا باللغة الإنجليزية يحذرهم من القيام بأي عمل يعرقل سير الإدارة تحت الحماية. واتهامهم بأنهم يسعون في منع تشكيل وزارة جديدة واحتج سعد باشا علي ذلك وأرسله إلي رئيس الوزراء الإنجليزي مستر ##لوتد جورج## وطالب فيه بالاستقلال التام. أصدر الإنجليزي أمر باعتقال الزعماء الأربعة وساقتهم إلي ثكنات قصر النيل في 8مارس ثم تم ترحيلهم إلي بورسعيد ومنها إلي مالطة في اليوم التالي ولم يتنفس صبح اليوم التالي حتي ذاع خبر اعتقال سعد زغلول ورفاقه ##محمد محمود, إسماعيل صدقي, حمد الباسل ## إلي مالطة, واعترض باقي أعضاء الوفد برئاسة علي شعراوي _وكيله- لدي السلطان فؤاد وحظرت القيادة العسكرية البريطانية علي الصحف المصرية نشر نبأ الاعتقال ثم سمحت الرقابة بنشره يوم 10مارس 1919 فانتشر في أنحاء مصر كلها.
في البداية امتنع طلبة مدرسة الحقوق بالجيزة عن تلقي دروسهم وأعلنوا إضرابهم أمام المسئولين البريطانيين وأكدوا أنهم ##لا يدرسون القانون في بلد يداس فيه القانون##وتوجهوا في مظاهرة إلي الشارع وانضم إليهم طلبة ##المهندس خانة## والطب بقصر العيني ومدرسة التجارة واتجهوا جميعا إلي ميدان السيدة زينب وانضم لهم طلبة المدارس واختلط الجمهور بالطلبة وتم إعلان إضراب عام شارك فيه طلبة المدارس العليا والأزهر وذاب فيهم فئات الشعب وظلوا يهتفون بسقوط الاحتلال والحماية فأطلقت جماعة من جنود البريطانيين النار علي المتظاهرين وسقط أول شهيدين وأضرب عمال السكك الحديدية والترام فتوقفت جميع القطارات كما توقف قطار هليوبوليس الكهربائي في سيره عند محطة كوبري الليمون وأصبحت الوسيلة الوحيدة للنقل في البلاد هي مراكب نهر النيل وحطم بعض المتظاهرين بعض المحلات التجارية المملوكة للأجانب وبادر الطلبة بإذاعة منشور في الصحف العربية والأجنبية أعلنوا فيه أسفهم علي حوادث الاعتداء علي المرافق العامةوالممتلكات الخاصة ودعوا إلي الإقلاع عنها . وخرجت لأول مرة في تاريخ مصر مظاهرة نسائية في يوم 16مارس احتجاجا علي ومساندة للثورة وكتبت النساء احتجاجهم وقدمته إلي الدول الأجنبية بمصر, إلي أن جاءت المظاهرة الكبري التي سارت في القاهرة كلها تريد الحرية ولم تكن هذه المظاهرة مرتبة فكان الناس يتلاقون ويتجمعون دون سابق موعد وكانت نسبة الأمية بين شعب مصر في تلك الأيام تزيد عن90% بين الرجال وأكثر من 95% بين النساء وتعداد مصر آنذاك 14مليون نسمة فكيف وصلت فكرة الثورة إلي هذا الشعب الأمي واستمرت المظاهرات واهتزت بريطانيا لهول الثورة الشاملة وعزلت السير ##ونجت## فغادر مصر في 21مارس وعين الجنرال ##اللنبي## معتمدا بريطانيا ونائبا للملك فوصل إلي مصر في 25مارس وبدأ سياسة القمع والعنف ولكن استمرت الثورة غير عابئة بتلك المذابح إلي أن أعلن اللورد ##اللنبي## في 7أبريل إخفاقه أمام ثورة الشعب وصدر قرار الإفراج عن سعد ورفاقه المنفيين في مالطة. وكان ذلك أول نصر تكسبه جموع الشعب المصري في معركة الحرية. وانفجر البركان ولن يهدأ إلا بزوال النظام الفاسد وفي يناير 1977 اندلعت مظاهرات الخبز في كل أنحاء مصر ضد السادات وحكومته وتحركت القطاعات العمالية والطلابية بطريقة عفوية ولكن منظمة وبدأ العنف الجماهيري عندما أطلقت الحكومة قمعها ضد المظاهرات السلمية فاستخدمت قوات الأمن الرصاص المطاطي والحي وقنابل الغاز والركل والسحل فطلب قيادات السادات من الجيش النزول للشارع ورفض قيادات الجيش ذلك وقرر الرئيس السادات إلغاء القرارت التي أثارت الشعب ووافق مرغما ونزلت قوات الجيش الشارع وانتهت الانتفاضة يوم 19 وجرح أكثر من 600 وقتل 160 مصريا …. وكان بالإمكان أن تكون انتفاضة 1977 أن تسقط نظاما لو استمرت لعدة أيام.
سيظل الشعب المصري رافضا ثائرا ضد الظلم والقهر والفساد.