الجني جني جنيهات
الخمسينيات وأمات ميات
نزلين فوقي بالألوفات
يا حلاو لاو ع الجنيهات
الخمسينيات وأمات ميات
كلمات مسعود الإيباري وألقاها الفنان محمود شكوكو.. هذا غيث من فيض أفاض به علينا فن المونولوج من الماضي الجميل ألحانا وكلمات.. حقا فنانو وجمهور ذلك الزمن كانوا شديدي الاختلاف والتميز والتذوق وكانوا شديدي التأثر بالسلطنة وتدوي وتمتزج صيحاتهم وتصفيقهم إعجابا وتقديرا بالمنولوجست. أطلق عليه فن النقد الساخر المرح وأيضا فن الفرفشة الذي حظي بشعبية كبيرة في الماضي سواء في السينما أو علي خشبة المسرح أو في الحفلات الغنائية. وعندما نذكر فن المونولوج نتذكر علي الفور إسماعيل ياسين, ومحمود شكوكو, وحسن فايق وثريا حلمي أشهر رموز هذا الفن حتي وقتنا هذا.
المونولوج يعني باليونانية الأداء الفردي, وقد بدأ ظهور هذا الفن من خلال المسرح الغنائي في الألحان الفردية التي كان يؤديها مطربو الفرقة, ثم انتقل مستقلا إلي التخت عندما كان يقف المغني مباشرة أمام الجمهور ثم انتقل إلي السينما بانتقال أبطاله إليها.
ويعتمد فن المونولوج علي خفة الظل وإجادة التعبير والإلقاء والاندماج في الأداء وتجسيد الشخصيات التي يستعرضها المنولوجست علي الجمهور.
وارتبط المونولوج في بدايته بالحركة الوطنية, واشتهر فيه بديع خيري بنظمه وسيد درويش بتلحينه, ففي عام 1921 ظهر من يعبر عن هذا النوع من المنولوجات أمثال عبدالله شداد وحسن فايق وعبدالفتاح القصري, وفي عام 1926 ظهرت منولوجات لا علاقة لها بالحركة الوطنية بل لمجرد الفرفشة علي أيدي حسين إبراهيم, وحسين المليجي, وسيد سليمان, ووصل فن المونولوج لذروته في عام 1930 وعرف فن المونولوج نجوما كبارا بدأوا حياتهم بأدائه ومنهم يوسف وهبي ونجيب الريحاني وحسن فايق.
ولاتزال الإذاعة المصرية تحتفظ بمنولوج سجله حسن فايق في منتصف الثلاثينيات في مكافحة الكوكايين الذي انتشر في مصر أثنآء تلك الفترة مطلعه يقول شم الكوكايين خلاني مسكين.
ثم شهد فن المونولوج مرحلة جديدة علي يدي إسماعيل ياسين ومحمود شكوكو.. فقد شاهد إسماعيل ياسين للمرة الأولي وفي كازينو بديعة ملك المونولوج وأكثرهم شهرة في ذلك الوقت سيد سليمان فأعجب به وحفظ مونولوجاته مثل بريه من الستات, وهنا مقص.. وهنا مقص فيه عرايس بتترص, وأيضا حسين المليجي وهو يلقي مونولوجاته سوسو.. حنتوسو, فبدأ يقلد هؤلاء في الحفلات والأفراح والملاهي.
اكتشفته الجماهير وعرفته بأنه منولوجست قبل أن يعرف هو نفسه, وجاء ذلك عندما دعي لإحياء إحدي حفلات الزفاف ليغني فيها, ولم يجد سمعة – وهو اسم التدليل الذي أطلقه عليه الناس – شيئايقدمه سوي أغنية أيها الراقدون تحت التراب لعبدالوهاب, فحدث هرج ومرج وثار الحاضرون عليه لسوء اختياره لهذه الأغنية في هذه المناسبة, فقد نسي سمعة هذا ليتذكر حلمه فقط في أن يكون مطربا, إلا أنه خرج من المأزق بمونولوج يقلد فيه سيد سليمان فبهر الحاضرين وأضحكهم.
ويقرر سمعة أن يكون منولوجست ونجح في ذلك لخفة دمه وحسن أدائه وإلقائه, وقدم منولوجاته من خلال الأفراح والحفلات الخاصة, وفي عام 1935 كانت له مونولوجاته الخاصة بالإذاعة المصرية مثل يا إخواتي مراتي سبور والنونو عاوز يتجوز.
وأصبح اسمه يتردد ويعرف كمنولوجست, وأصبح يسبق اسمه في الأفيشات المنولوجست المحبوب إسماعيل ياسين. وقد تضمنت أفلامه العديد من الأغاني والمنولوجات الخاصة التي اشترك في بعض منها مع عدد من النجوم الذين قدموا هذا الفن مثل سعاد مكاوي وثريا حلمي.
ومن رواد هذا الفن محمود شكوكو شارلي شابلن الشرق كما وصفه النقاد, وشارك إسماعيل ياسين في بعض المنولوجات. وهو أول من أدخل فن الأراجوز علي المسرح, وتميز بالجلباب والطاقية بالزر المتدلي, وقد صنع له الناس تمثالا يباع بزجاجة كازوزة فارغة في الأربعينيات وينادي الباعة شكوكو بإزازة, لقد تردد أن هناك هدفا عسكريا وراء ذلك, حيث إن هذه الزجاجات, كانت تعبأ بمواد متفجرة يلقيها رجال المقاومة علي جنود الاحتلال البريطاني في مصر في تلك السنوات. وجاءت شعبية شكوكو في أنه كان يمثل الطبقات الشعبية فكانت منولوجاته تجسد ابن الحارة الشعبية والأسطي.. الذي يتسم بالرجولة والشهامة والجدعنة والفهلوة. وكان شكوكو يعرض منولوجاته التي تعدت 600 مونولوج من خلال الفرق المختلفة مثل فرقة علي الكسار, حسن المليجي, محمد الكحلاوي, واستطاع أن يكون فرقة استعراضية في عام 1936 مع سعاد مكاوي, وثريا حلمي.
ومن أشهر مونولوجاته الأراجوز يا سلام سلم.. يا سلام سلم يا سلام.. أبوالخطوط دا المتكلم.. يا سلام سلم يا سلام.. الأراجوز اللوز الموز.. الأراجوز يا سلام سلم….
وكانت من هذه الكوكبة في العصر الذهبي الفنانة ثرياحلمي ومن أشهر مونولوجاتها التي فتحت لها أبواب السينما فتح يا ابني فتح شوف مين بيكلمك. أيضا عمر الجيزاوي الذي اشتهر بمنولوجه اتفضل شاي.. أنا متشكر والذي عرف بالإذاعة المصرية. كما أبدع الفنان سيد الملاح في تقليد المطربين من خلال المونولوج فكان يقلد الفنان محمد عبدالمطلب وكان يضع في الجاكتة باقة ورد ضخمة ويبالغ في أداء أغنياته ومواويله مما جعل عبدالمطلب يلجأ للقضاء ويقيم دعاوي سب وقذف ضد سيد الملاح. أيضا لبلبلة التي اشتهرت بأداء هذا الفن منذ أن كانت طفلة تقلد كبار نجوم الغناء مثل فايزة أحمد وفريد الأطرش.. كذلك المنولوجست أحمد الحداد الذي ارتبط بشخصية الرغاية التي قدمها للإذاعة المصرية. ويؤكد المقربون من أحمد الحداد أنه ألقي نكتة عن الموظف أثناء الاحتفال بعيد الثورة في حضور عبدالناصر فأضحكت النكتة الجمهور وأغضبت عبدالناصر, والنكتة تقول إن لصا صعد الأتوبيس وهو يمسك بمطواة وطلب من كل راكب أن يذكر وظيفته ويلقي بالمحفظة علي الأرض, وأخذ اللص يجمع المحافظ من الجزار والتاجر والطبيب والمدرس والمهندس حتي جاء دور الموظف فقال له خد انت محفظة من الأرض. وترددت شائعة غير صحيحة بأنه صدر قرار بمنع إذاعة فن المونولوج في الإذاعة بعد هذه النكتة.
ويبقي هذا الفن عالقا في الأذهان والذي ألقاه أشهر فناني المونولوج في عصره الذهبي في مصر والعالم العربي لكي يخفف كثيرا عن همومنا ويتنزع الضحكات من القلوب.