عندما انخرط باراك أوباما في السباق الرئاسي كمرشح ديموقراطي, أصبحت المنافسة رحلة من هذا النوع. فهم يشكون في أنه, خلف المظهر الخارجي المسيحي للمرشح, ينبض قلب مسلم. لقد بذل أوباما أقصي جهوده كي يصد هذه الشكوك, ولكنها تبدو اليوم أقوي من أي وقت مضي. بين شهري مارس ويوليو, بحسب تقارير مركز بيو للأبحاث, ارتفعت نسبة الأشخاص الذين يعتقدون أن أوباما مسلم من 10 إلي 12 بالمائة.
بالتأكيد, حتي لو كان مسلما, ينبغي ألا يطرح ذلك مشكلة كبيرة. ففي بلد يفصل رسميا الكنيسة عن الدولة, المعتقدات الدينية لرجل ما هي شأنه الخاص. ومع ذلك, بعدما أصبح جون أف كنيدي قبل نصف قرن تقريبا أول رئيس كاثوليكي (وحتي الآن, الرئيس الوحيد) لأمريكا, لم نتقبل تمام القبول فكرة أن كل الديانات ينبغي أن تتمتع بفرص متساوية لدخول المكتب البيضاوي.
ففي بداية الموسم السياسي, حين بدا أن ميت رومني يملك حظوظا ليرشحه الجمهوريون, سعي مستطلعو الآراء ليحددوا هل يمكن أن يسيء إليه انتماؤه إلي الطائفة المورمونية. لقد اكتشفوا أن ثلث الناخبين تقريبا كانوا أقل ميلا إلي تأييد مورموني. لكن نحو 45 بالمائة كانوا حذرين من المرشحين المسلمين. بالنسبة إلي أوباما, هذه مشكلة محتملة, ولاسيما في منافسة تظهر يوما بعد يوم مؤشرات تقارب شديد.
لقد اتهم أوباما خصومه بتزكية المخاوف. أما مدير حملة جون ماكين, وخلال تعبيره عن الاستياء, اتهم أوباما بأنه يلعب ##الورقة العرقية##. من غير الواضح أن أوباما كان يلعب ورقة من هذا النوع, وحتما ليس إلي الحد الذي حاول به المسئولون عن حملة ماكين أن يحولوا إلي مسألة عرقية ما لم يكن, جدلا, مسألة من هذا النوع. عوضا عن ذلك, بدأ أوباما يعبر عن خيبة وإحباط حيال ظاهرة حقيقية وهي: المحاولة التي يقوم بها أعداء ـــ ليس بالضرورة ماكين نفسه ـــ لتحويله إلي شخص مخيف. وما الشيء الأشد إثارة للخوف, في عصر ما بعد أحداث 11 سبتمبر, من وجه مسلم متشدد؟
لأوباما بعض الجذور الإسلامية. فقد كان والده فيما مضي مسلما متدينا, ثم أصبح علي ما يبدو متحررا من هذه الديانة. إلا أن أصل المفهوم الخاطئ الحالي لا يكمن في ماضي أوباما بقدر ما يكمن, في الواقع, في حملة تضليل. فمنذ دخوله المنافسة, راحت رسالة إلكترونية سريعة الانتشار (وخاطئة) تصور أوباما بأنه منتج للفرع المتشدد من التفسيرات الإسلامية ##التي ولدت الإرهابيين المسلمين الذين يخوضون حاليا الجهاد ضد العالم المتحضر##. بالنسبة إلي الكثير من الناخبين, أصول أوباما الأجنبية التي لا يمكن إنكارها تجعل هذه المزاعم قابلة للتصديق.
وقد جري نقل الحملة إلي درجة أعلي. ففي كتاب صدر حديثا, يصور الكاتب جيروم كورسي, الذي شارك في تأليف كتاب Swift Boat ##القارب السريع## المناهض لجون كيري عام 2004, أوباما بأنه رجل كان في السابق مسلما واعتنق علي الأرجح الديانة المسيحية لأسباب سياسية فحسب. إن فلويد براون, الذي ينسب إلي نفسه نجاح إعلان ويلي هورتون عام 1988, وضع هو أيضا كتابا مناهضا لأوباما, وربطه فيه بـ##أشخاص معادين للسامية## وبزعيم أمة الإسلام لويس فرقان.
يقوم الافتراض علي أساس أن حظوظ أوباما في أن يصبح رئيسا ستتلاشي قياسا بمدي التمادي في تصويره مسلما. إنه افتراض مثير للاضطراب في رأي إبراهيم هوبر, مدير الاتصالات الوطنية في مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية. إنه يقول: ##من المستغرب الإقرار بأن توصيف شخص بالمسلم هو تشويه سمعة##. وقد أضاف أن مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية حث أوباما علي أن يرفع صوته جهارا ويعارض التعصب الأعمي ضد الإسلام الذي يشكل جوهر تشويه السمعة هذا.
بما أن بعض المسلمين يعتبرون أن أمريكا هي الشيطان, يجد عدد من الأمريكيين أن مناهضتهم لهؤلاء أمر مقبول تماما. وعلي الرغم من كون قواعد المواجهة الحضارية تمنع أعداء أوباما من تضخيم مسألة عرقه, يرتاح الكثيرون بربطه بديانة لا ينتمي إليها وذلك علي أمل أن يثيروا مشاعر قلق من الإسلام (ومشاعر أخري تتعلق بذلك). وهم يستطيعون عندئذ أن يزعموا, بشكل ماكر ومخادع نوعا ما, أنهم لا يستغلون التعصب أو علي الأقل التعصب العرقي.
عند سؤالها كيف يأملون أن يواجهوا الجهود الرامية إلي ربط أوباما بالإسلام, أجابت فاليري جاريت, وهي من كبار مستشاري أوباما: ##نستمر بالتحدث عن إيمانه المسيحي##. المشكلة هي أن مقاربة من هذا النوع تقبل ضمنا ضرورة إقصاء أوباما عن الإسلام, وذلك خلافا لإثبات وجهة نظر علي الطريقة التي تعتبر, جدلا, أقرب إلي النموذج الأمريكي, بأن ديانة شخص ما تعنيه هو, وبأنه ينبغي عدم إخضاع أي مرشح لاختبارات في الإيمان الديني ما دام هذا المرشح يؤمن بفصل الدين عن الحكم.
هل لجدلية أوباما والإسلام جانب مشرق؟ إن هوبر يري جانبا مشرقا لها. فقد ##طرحت مسألة كراهية الإسلام وهي تتيح الإقرار بوجود هذه الأخيرة ومناقشتها بشكل علني##. مما لا شك فيه أنه ينبغي أن يتوفر حيز لنقاش ذكي حول التعصب الديني, حول ما إذا كانت الديانة تشكل في الواقع فرقا في كيفية ممارسة الشخص للحكم, وحول ما إذا كان التنوع الديني المتزايد في أمريكا سيغير بشكل من الأشكال الطابع السياسي لهذه الأمة. لن يدور هذا النقاش في إطار حملة سياسية, حيث لا يكون الهدف التوضيح والشرح بل القضاء علي الخصم. وهو لن يولي أهمية كبيرة في اجتماع حزبي, حيث تتجسد المهمة بتقديم المرشح بالطريقة التي تستقطب أوسع جاذبية ممكنة. ولكن هذه مسائل سيتعين علي الأشخاص المفكرين أن يواجهوها بشكل مباشر في مرحلة من المراحل, بدلا من أن يخلوا الساحة لمروجي دعايات يتاجرون بالتعصب, ويحولون ببساطة تركيزهم نحو الديانة لأنهم محرومون من قدرة توجيه إهانات عرقية من دون أن يطالهم العقاب.
تايم