مضي عام علي الثورة.. كان عاما صعبا علي المصريين جميعا, ففيه سالت دماء غزيرة, وسقط أكثر من ألف شهيد.. ومع أنني ضد التمييز والتفريق إلا أنني مضطر هنا أن أرصد أنه كان من بينهم عشرات الشهداء الأقباط في التحرير, وفي إمبابة سبعة, وفي موقعة المقطم تسعة, وفي ماسبيرو ثلاثة وعشرين شهيدا.. أرصد هذا لأضع مقدما إجابة لسؤال: أين الأقباط من ثورة 25يناير؟..
الأقباط كانوا وبأرقام الشهداء وسط شباب الثورة منذ اللحظة الأولي رغم توجه الكنيسة ونصائحها في البداية بعدم المشاركة.. ولم يكن خروج الشباب القبطي وانخراطهم هذه المرة من منطلق طائفي قبطي, ولكن كان من منطلق عام مصري.. فقبل الثورة بأيام خرج الشباب القبطي من دوران شبرا في مظاهرة يطالبون بإقالة وزير الداخلية لموقفه المفضوح من حادث الإسكندرية.. ويعد هذا أول خروج للشباب القبطي من أسوار الكنيسة وعباءة رجالها, ولم تطل بعدها الأيام وانخرط الشباب القبطي مع شباب ثورة 25يناير, واختفت الاختلافات والثنائيات البغيضة التي سادت علاقاتنا لسنين طويلة, وهكذا تجاوزنا مشاهد القبلات المزيفة إلي الجوهر الإنساني العميق للإنسان المصري, وفي الميدان ترسخت المواطنة التي كنا نحلم بها.
لهذا.. ومع الثورة.. اعتقدنا أن مصر انتقلت من حال إلي حال.. ولكن هذا الانتقال كان قصيرا للغاية فما حدث في استفتاء 19مارس والانتخابات البرلمانية كشف عن أن المحرك الديني هو الأكثر تأثيرا..
وحتي لا نضيع الوقت في البكاء علي اللبن المسكوب, ولم يعد باقيا إلا خمسة أيام وينقضي عام كامل علي الثورة, أري أنه لا طريق ولا حل إلا عودة الثقة بين جميع أطراف وشركاء الثورة.. وهنا تظهر حكمة بابا الأقباط عندما دعا كل التيارات السياسية والدينية لحضور قداس عيد الميلاد المجيد, ورأينا قيادات الإخوان المسلمين في صحن الكاتدرائية.. وهذه الصورة للتآلف التي رأيناها في الكاتدرائية ليلة العيد, ورأيناها في ميدان التحرير, لابد أن تبقي وأن تستمر ونراها أيضا تحت قبة البرلمان.. أقول هذا ليس إغراقا في التفاؤل ولكن إيمانا بقول السيد المسيح من فوق الجبل: أنتم ملح الأرض (مت5:13).