مع نهضة الحياة البرلمانية في مصر,اتجهت الأنظار إلي الوزير بإمكانياته السياسية وسلطاته المهنية التي يستطيع بهما تحقيق أحلام البسطاء والتي سرعان ما تتحطم أمام ورقة تحمل عنوان استقالة..!! ويدور السؤال لماذا وكيف يستقيل الوزراء؟؟.. هذا ما كان في الزمن الماضي.
أوضحت مجلة آخر ساعة المصورة في العدد 55 أنه في عهد الخديوي إسماعيل لم يجسر وزير واحد أن يقدم استقالته.وأول وزير استقال من تلقاء نفسه هو رياض باشا من وزارة الداخلية في وزارة شريف باشا,وكانت استقالته الرسمية بسبب المرض,أما السبب الحقيقي فكان لخلافه مع رئيس الوزراء.ثم جرت العادة بعد ذلك أن يستقيل الوزراء بسبب المرض,وحدث مرة أن كتب ناظر (وزير) الداخلية ثابت باشا في وزارة نوبار باشا الثانية في استقالته أنه يستقيل بسبب إصابته بمرض الإمساك!..وأرفق مع الاستقالة شهادة من طبيبين يؤيدان ما قاله من أن الإمساك يمنعه من القيام بأعمال وزارة الداخلية والإشراف علي النظام والأمن العام.
وأول وزير دون السبب الحقيقي لاستقالته هو الزعيم سعد زغلول وكان نص استقالته أنه يتشرف بتقديم استقالته لأنه لم يستطع أن يوفق بين ما يطلبه ضميره وما تطلبه السلطة غير الشرعية وهي سلطة الاحتلال.وكان ذلك في 31مارس سنة 1912 عندما كان سعد باشا وزيرا للحقانية (العدل) في وزارة محمد سعيد باشا,وظلت استقالته معلقة عدة أيام,والرسل يتوافدون علي داره يطلبون منه أن يغير الصيغة وينسب سبب الاستقالة إلي المرض,ولكن سعد أبي أن يكذب في وثيقة رسمية.
وفي سنة 1915 استقال إسماعيل باشا صدقي ولم يرد ذكر السبب الحقيقي واكتفي بالإشارة إليه من بعيد فكتب في استقالته التي قدمها لحسين رشدي باشا:
حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء
شعرت بأنني لست حائزا للرعاية التي تعودتها من عظمة السلطان وقد حاولت نفي المزاعم الفاسدة التي وجهت إلي فلم أمكن من ذلك…لهذا رأيت مع الأسف أن أقدم لدولتكم استقالتي من منصب وزير الأوقاف سائلا المولي عز وجل أن يديم عظمة مولانا السلطان,وإني لأذكر علي الدوام لدولتكم ما كنت ألقاه منكم من حسن الثقة وجميل المعاملة.
وعدم الرعاية التي أشار إليها,بسبب رفض السلطان حسين أن يجلس صدقي بجانبه في العربة عند الذهاب لصلاة الجمعة!! ويقال إن السلطان حسين جري يومها وراء صدقي باشا في سراي عابدين يحاول ضربه!!!..
ومن الاستقالات الطريفة,استقالة أحمد باشا علي وزير الحقانية من وزارة يحيي باشا إبراهيم وذلك بسبب سيارة,فقد اعتادت الحكومة منح الوزراء سيارات لاستعمالهم وأبطلت تلك العادة وزارة سعد باشا,وحدث أن مصلحة النقل سحبت سيارة أحمد باشا وأعطته أخري قديمة بدلا منها,فوقف أحمد باشا في مجلس الوزراء يخطب طالبا إعادة السيارة الجديدة لأن في استبدالها إهانة لا تغسلها إلا الدماء.
فقال أحمد زيور باشا وزير المواصلات إن سعادة أحمد باشا علي هو وزير الأوقاف ويجب أن يعطي قدوة حسنة للناس فيركب حمارا.
وقهقه مجلس الوزراء فخرج أحمد باشا علي ليقدم استقالته!
أما محمد محمود باشا فقدم استقالته في وزارة النحاس باشا مع أحد السعاة,مخالفا بذلك التقاليد التي تنص بأن ترسل مع السكرتارية.وكتب فيها:
نظرا لضعف صحتي ووجوب تفرغي للعلاج والراحة من عناء الأعمال,أتشرف بأن أرفع لدولتكم استقالتي من الوزارة راجيا لكم ولحضرات الزملاء التوفيق في مهمتكم,كما أني أرجو أن يظل العمل موجها لتوثيق عري الائتلاف.
وتعد أطول استقالة لتوفيق نسيم باشا من رئاسة الوزارة,وكانت قطعة من الأدب القديم,وبعض ما جاء بها
لما رأي مولاي ورأيه الموفق علي الدوام أن يعهد إلي خادمه المطيع بتأليف حكومة وفي وقت لم تكن سكنت فيه عاصفة الكون صدعت للأمر وقمت وزملائي بخدمة الأمة بصدور ضمت هموم العمل.
وبدأت هذه الحكومة عهدها,قبدأت معه المفاوضات غير الرسمية بشأن أماني الأمة ومصالح الغير بين رؤؤس مدبرة وعقول مفكرة فكانت خاتمة للماضي وبشير فاتحة للمستقبل.
وقد طلب اللورد اللنبي من القصر ترجمة حرفية بالفرنسية لاستقالة نسيم باشا وبالرغم من أن قلم الترجمة بالقصر كان يجمع أكفأ المتخصصين في الترجمة إلا أنهم لم يستطيعوا ترجمة تلك الاستقالة حرفيا نظرا لما تحويه من مفردات شعرية وأدبية,ولما ضاق الأمر بهم أبلغوا الملك,والذي أمر بإرسال صورة من استقالة نسيم باشا باللغة العربية للورد اللنبي.