في 5 يناير 2011 خاطب كل من بيتر نيومان وماجد نواز وماثيو ليفيت منتدي سياسي خاص علي مأدبة غداء في معهد واشنطن. والدكتور نيومان هو مدير ##المركز الدولي لدراسة التطرف## في ##كلية لندن الملكية##, وأستاذ زائر في ##مركز دراسات السلام والأمن## في ##جامعة جورج تاون## الأمريكية. والسيد نواز عضو سابق في الجماعة الإسلامية ##حزب التحرير## ومؤسس مشارك ومدير تنفيذي لـ ##مؤسسة كويليام##, وهو مركز أبحاث بريطاني يكرس جهوده لتفنيد التصورات المتطرفة المنتشرة بين المجتمعات الإسلامية في الغرب. والدكتور ليفيت هو مدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن. وفيما يلي هو موجز المقرر لملاحظاتهم.
بيتر نيومان
في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة صعوبات في التعامل مع الظاهرة الأخيرة من الإرهاب الإسلاموي الذي ينمو في الداخل, من المهم أن يفهم صناع السياسة المبادئ الأساسية والمكونات الجوهرية للتحول إلي الراديكالية. ففي حين تطورت نماذج متنوعة لوصف العملية التي يقوم بموجبها أفراد بتطوير رؤي عالمية متطرفة, هناك ثلاثة عناصر مشتركة بين كل نموذج وهي: المظالم والأيديولوجية والتعبئة.
فالمظالم سواء كانت حقيقية أم متصورة تكمن في صميم عملية التحول إلي الراديكالية مما يوفر ثغرة معرفية — كما يصفها علماء الاجتماع. فالمهاجرون من الجيل الأول أو الثاني في الغرب هم المرشحون الرئيسيون لاستطلاع هذه الثغرة, حيث ربما قد عانوا بسبب الإقصاء أو التمييز بالإضافة إلي عدم التماهي مع ثقافات آبائهم أو أجدادهم, وبالتالي يمكن للتصورات المتطرفة أن تتجذر في فراغ الهوية الناتج عن ذلك. لكن الشعور بالظلم وحده لا يمكن أن يفسر كيف يصبح الأفراد راديكاليين; فلا بد أنهم قد تعرضوا أيضا لمنهجية يمكن من خلالها توجيه الإحباط أو الغضب. ويتطلب الأمر أيضا قيام هدف يمكن للمتطرفين الناشئين مهاجمته.
إن إحدي وظائف الأيديولوجية هي تحويل المظلمة الشخصية إلي مخطط تفصيلي لمستقبل أكثر ايجابية مع عملية تعتمد علي تحديد أولئك المسئولين عن هذا الإحساس المتصور بالظلم. وعموما فإن الأيديولوجيات هي بني فكرية معقدة, غير أنه يمكن الحد من الأنجح من بين هذه الأيديولوجيات وغالبا الأخطر منها وتحويلها إلي عدة معتقدات رئيسية. وبالنسبة لأنصار الإسلاموية, تؤكد الحجة أن الغرب في حالة حرب مع الإسلام, والإسلام هو الحل لجميع العلل الفردية والمجتمعية, ويلتزم علي كل مسلم الانخراط في جهاد مسلح دعما للإسلام. ومعظم الإسلامويين الذين يعتمدون علي العنف لا يقضون سنوات في دراسة الأدب الإسلامي والمعتقد الديني, بل ببساطة يقبلون المفاهيم الأساسية للأيديولوجية كتبرير لأعمال العنف.
وبينما بإمكان المتطرفين إيجاد دوافع قوية من خلال الترابط بين المظلمة والأيديولوجية, إلا أن اتخاذ الخطوة [في العبور] من مجرد الراديكالية إلي التطرف القائم علي العنف هو أصعب بكثير بدون مساعدة الجماعات والهياكل الاجتماعية. وبالمثل, فحتي عندما أصبح التحول الذاتي إلي التطرف والهجمات الفردية مواضيع للمناقشة علي نحو متزايد, يكشف الفحص الأكثر شمولا أن الكثيرين من هؤلاء الأفراد منتمون في الواقع إلي شبكات اجتماعية — وإن كانت عبر الإنترنت — في غرف الدردشة وعلي المواقع الإسلاموية الإلكترونية.
ولسوء الحظ, غالبا ما يركز النقاش حول التحول إلي الراديكالية علي عامل رئيسي واحد — المظلمة أو الأيديولوجية أو هياكل الدعم — بدلا من الربط بين العوامل الثلاثة. وخلاصة القول أنه بدون مظلمة لن تجد الأيديولوجية صدي, بينما بدون أيديولوجية لا يتم التصرف وفقا للمظالم. ينبغي علي الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة التحول الراديكالي أن تركز في العام القادم علي معالجة المظالم المتصورة داخل المجتمع الإسلامي, وتعزيز تصور مضاد للإسلاموية واستخدام آليات إنفاذ القانون والاستخبارات الحالية لتعطيل الشبكات الاجتماعية التي يمكن أن تؤدي إلي أعمال عنف.
ماجد نواز
لكي نفهم بصورة صحيحة كيفية اعتناق الأفراد للأيديولوجية الإسلاموية الراديكالية من الضروري أن يتم فهم المصطلح نفسه بصورة كاملة. فالإسلاموية هي أيديولوجية سياسية حديثة طورتها ##جماعة الإخوان المسلمين## المصرية في العشرينيات من القرن الماضي, وهي منفصلة عن العقيدة الإسلامية. ويتمثل هدفها الرئيسي بفرض دولة إسلامية مرتكزة علي تفسير انتقائي للإسلام. وعلاوة علي ذلك, ينظر إلي العنف — أو الجهادية — علي أنه الوسيلة الضرورية لخلق مثل هذه الدولة التي تصورها الإسلامويون.
وكثيرا ما يدعي الإسلامويون وغيرهم أن الطريقة الأكثر فعالية لمنع العنف هو تمكين الإسلامويين الذين لا يعتمدون علي العنف. غير أن مصطلح ##إسلاموي معتدل## إنما هو محض خداع; فحتي أكثر الإسلامويين اعتدالا يلتزم بأيديولوجية تتعارض تماما مع القيم الغربية مثل تلك المنصوص عليها في الدستور الأمريكي. وعلاوة علي ذلك, علي الرغم من أن ليس جميع الإسلامويين جهاديين إلا أن كل الجهاديين إسلامويون. بل إن حتي أكثر الإسلامويين اعتدالا يعززون بيئة فكرية توجد فيها حكومات غير إسلامية أو حكومات إسلامية بصورة غير كافية تكون هي ومواطنيها في انتهاك للقانون الإسلامي ويجب معارضتهم. وعلي هذا النحو, يجب عدم خلط ##الإسلاموي## بــ ##المحافظ## أو ##المتدين##. فالتدين الشخصي لا يساوي اعتناق الأيديولوجية السياسية التي ينبغي – وفقا لها – أن تعتمد جميع الحكومات علي تفسير أحادي للشريعة الإسلامية.
وبينما تتخذ الحكومات تدابير لمكافحة التحول الراديكالي, يوجد نفس القدر من الأهمية لتعبئة الوكالات غير الأمنية كفهم الإسلاموية كأيديولوجية. فاستراتيجية ##المنع## البريطانية قد فشلت بشكل أساسي بسبب توظيف الهيئات الأمنية في المملكة المتحدة كمحاورة رئيسية بين المجتمعات المسلمة والحكومة البريطانية. إن هذا – جنبا إلي جنب مع مشكلات الاندماج القائمة – قد أعطي انطباعا بأن الحكومة البريطانية كانت مهتمة بالمجتمعات المسلمة فقط لأنه كان ينظر إليها كونها تشكل تهديدا أمنيا.
وللأسف, غالبا ما تتسم الاستراتيجيات الحالية لمكافحة التحول الراديكالي بسوء فهم الفروق القائمة داخل المجتمع الإسلامي الأكبر, وبالتالي يمكن أن تحقق في كثير من الأحيان ضررا أكثر من نفع. وهناك منهج يتم تعزيزه بصورة مشتركة وهو تأييد الصوفية كبديل عن الوهابية المتطرفة. ولكن تأييد طائفة واحدة معينة من الإسلام يجعل الحكومات الغربية في الواقع تنحاز إلي إحدي الطوائف في نقاش ديني, وبالتالي تضرب مبدأ حرية الدين عرض الحائط, وتشجع الانقسامات الطائفية. وعلاوة علي ذلك, ينبغي علي أي مناصر للصوفية كسبيل لمواجهة الإسلاموية المتطرفة أن يتذكر الموافقة التي عبر عنها قادة الحركة ##الصوفية البريلوية## في باكستان من اغتيال حاكم إقليم البنجاب سلمان تسيير مؤخرا حيث عارض قوانين التكفير الوحشية للبلاد.
ماثيو ليفيت
يتعين أن يكون تحديد الأيديولوجية الإسلاموية المتشددة في أعلي قائمة مهام الحكومة الأمريكية لمكافحة التحول إلي الراديكالية, وذلك كون هذه الأيديولوجية المحرك الذي يؤطر ويحفز ويبرر الإرهاب والتطرف المستلهم للإسلاموية. ويقدم التصور الراديكالي الذي تروجه الأيديولوجية الإسلاموية الأساس الفكري للعنف الذي يحدث تحت مسمي الإسلام. ويجب أن تكون هذه الأيديولوجية — وليس فقط الأفراد الذين يتصرفون وفقا لمعتقداتها — محور تركيز سياسات الولايات المتحدة وأفعالها. وعلاوة علي ذلك, ينبغي أن تركز جهود مكافحة التحول إلي الراديكالية ليس علي منع الأشخاص الذين تحولوا بالفعل إلي الراديكالية من الاحتشاد لتنفيذ عمل من أعمال العنف — وهو المهمة الواضحة لهيئات إنفاذ القانون ووكالات الاستخبارات — وإنما علي تفنيد الأيديولوجيات الراديكالية, ومنع الناس من التحول إلي الراديكالية في المقام الأول. وفي حين تقوم العديد من الوكالات الحكومية بدراسة التطرف إلا أنه ما يزال من غير الواضح ما إذا كان يتم طرح الأسئلة الصحيحة, ويتم تعلم الدروس الصحيحة, وعلاوة علي ذلك أي منها يؤثر علي السياسات والبرامج.
وفي أذهان العديد من المسئولين الأمريكيين المشاركين في مكافحة التطرف القائم علي العنف, لا تزال البرامج ذات الصلة تعاني من نقص التمويل ونقص الموظفين, وعدم وضعها ضمن أولويات الجهاز الإداري للحكومة. وتتطلب المكافحة الفعالة للتحول الراديكالي قيام الحكومة الأمريكية باتباع نهج شامل يعتمد علي رؤية طويلة الأمد بدلا من ردود فعل علي الأحداث. ولكي تتحقق هذه الرؤية يجب تطوير استراتيجية شاملة لتوجيه كافة الوزارات والوكالات حول الكيفية التي يمكن أن تساهم بها في مكافحة التطرف العنيف بدلا من ترك جهود مكافحة التحول الراديكالي لهيئات إنفاذ القانون بشكل افتراضي. إن ترك جهود مكافحة التحول الراديكالي وإشراك المجتمع في أيدي وكالات الأمن وحدها أمر غير حكيم ويأتي بنتائج عكسية علي حد سواء. وفي الواقع, ستكون الحكومة الفيدرالية في بعض الأحيان أكثر فاعلية في هذه الناحية من خلال مشاركة القطاع الخاص وحكومات الولايات والحكومات المحلية بدلا من أخذ زمام المبادرة بنفسها.
وتتضمن مكافحة التحول الراديكالي جزءين متساويين: معالجة المظالم المحلية من خلال جهود دمج المجتمعات المهاجرة, وتفنيد الأيديولوجيات الراديكالية. وفي كلا الجانبين, كانت جهود الاندماج ومكافحة التحول الراديكالي ناجحة إلي حد كبير, مع وجود أفكار كثيرة حول كيفية زيادة تحسين فعاليتها. بيد, تثير مفاهيم إشراك المجتمع ومكافحة التحول الراديكالي ارتباكا علي المستوي البيروقراطي, حيث أن الوكالات التي تسند إليها مهمة إشراك المجتمع تركز حصرا علي جهود الاندماج, وتولي اهتماما قليلا لتفنيد التصور المتطرف, بينما تركز الوكالات الأمنية علي منع وقوع الهجوم المقبل. وبذلك, ينتهي المطاف بمكافحة التحول الراديكالي إلي السقوط بين هذين القطبين دون أن يلاحظها أحد.
معهد واشنطن