أشواك الروتين الحكومي تعترض جمال الزهور
ملك الأوركيد.. جراح كبير للمخ والأعصاب
افتتح أمين أباظة وزير الزراعة واستصلاح الأراضي معرض زهور الربيع الأحد الماضي, وسيستمر المعرض لمدة شهر. بعيدا عن المبالغات لن تشبع عيناك من جمال ما ستشاهده, وستتمني أن يصبح هذا الجمال في شوارعنا وحياتنا طوال العام.. جمال التنسيق فاق جمال وألوان الزهور.
دعوة مفتوحة لصفاء النفس بعيدا عن أخبار الصراعات والحروب والزلازل وتسونامي هنا وهناك وتلوث البيئة وتغير المناخ.. ولكن لا يمكن أن تخلو الورود من الأشواك فالروتين الحكومي وعدم الخدمات يلقي بظلاله الكئيبة علي هذا الجمال.. فماذا يحدث في معرض زهور الربيع هذا العام؟
تطوير وتحايل
كان لنا في البداية لقاء مع د. عادل محمد عقيل مدير حديقة الأورمان والمشرف علي معرض زهور الربيع ليتحدث عن الجديد في معرض هذا العام وأيضا المعوقات والمشاكل.. فتحدث قائلا:
حديقة الأورمان تابعة للإدارة المركزية للتشجير بوزارة الزراعة وليست لها ميزانية, وتعتمد علي التمويل الذاتي وتذاكر الدخول والدخل العائد من معرض زهور الربيع.
تذكرة دخول الأورمان محددة بقرار جمهوري صادر في السبعينيات بألا يتجاوز سعرها 200 مليم ولكنها وصلت حاليا إلي 500 مليم أي 50 قرشا حيث يوجد بالحديثة ثلاث حدائق متخصصة الورد, الصبار, الأطفال فأضفنا عشرة قروش لكل حديقة لتصبح 30 قرشا وبالتالي التذكرة أصبحت 50 قرشا. الخسائر التي تحدث من زوار الحديقة خاصة في الأعياد والعطلات مثل شم النسيم مثلا تحتاج إلي مبالغ كبيرة لإصلاحها, ولذلك الاتهام بقلة الخدمات أو العناية بالحديقة راجع لضعف الميزانية.
ومع ذلك استطعنا الحفاظ علي الثروة النباتية فيوجد 1000 نوع نباتي بالإضافة إلي معشبة نباتية يتم فيها الاحتفاظ بالأصول النباتية بالحديقة, وتوجد أنواع نادرة بحديقة الصبار بالأورمان.
أما ما يخص معرض زهور الربيع فهو يضم أكبر عدد من منتجي النباتات والزهور علي مستوي الجمهورية, وأيضا جميع مستلزمات الزراعة والإكسسوارات الخاصة بزراعة النباتات وتنسيقها في الحدائق الخاصة بالقري السياحية والفنادق من إضاءة وكباري صناعية ومجاري مائية وما يسمي لاند اسكيب أي فن تنسيق الحدائق والفيللات والمسطحات الخضراء.
أهم ما يميز المعرض عروض القطاع الخاص وأيضا العروض الحكومية ممثلة علي سبيل المثال في الإدارة المركزية للتشجير, ومركز البحوث الزراعية, وحديقة القبة النباتية, وحديقة الزهرية, وأيضا التعليم العام والزراعي.
وهذا يؤدي إلي منافسة في الأسعار لصالح الجمهور, ويستطيع كل مواطن أن يأخذ احتياجه من النباتات والزهور مهما كان مستواه الاجتماعي من أعلي المستويات إلي أقلها, ويوجد في المعرض 175 عارضا.
والتقدم المستمر في علم الجينات الوراثية في مجال الزراعة ومعاملاتها وأيضا الظروف البيئية وكيفية التكيف معها جعل هناك الجديد كل عام في أنواع النباتات وألوانها وحتي أحجامها.
بالإضافة إلي أن عشق النبات اجتذب العديد من غير المتخصصين ليصبحوا من أشهر المنتجين, وأيضا المصممين للمساحات الخضراء.
وسألناه للمزيد من المعلومات:
* هل هناك اهتمام بالزهور المصرية ومحاولة إكثارها أم توارت وراء التهجين والهندسة الوراثية وأقصد تحديدا الورد البلدي والقرنفل واللوتس والإيريس؟
** مازالت الوردة البلدي موجودة ولأن عمرها قصير أصبح الإقبال أكثر علي الورود التي تم هندستها وراثيا لتصبح أطول عمرا.. فهناك زهور قطف تظل في إناء الزينة لمدة شهر مثل الأوركيد والتيوليب وغيرها.. وكان ضريبة ذلك فقدان الزهور لرائحتها مقابل روعة منظرها وطول عمرها.
ولكن زهرة مثل اللوتس تحتاج إلي بركة مائية ومعاملة خاصة لإنباتها حيث إن بذرتها تشبه حبة الزيتون ولها غلاف خشبي صلب لذلك لابد أن تنقع في الماء مع بعض الأحماض بتركيز خفيف لتسهيل خروج جنين الساق والجذور من البذرة ويلقي في تربة البركة المائية ليبدأ النبات في الظهور في مارس, وتظهر الزهور فوق سطح الماء في شهري يونية ويوليو, ويمكن إكثارها في المزارع الموجودة في الطريق الصحراوي حيث توجد مزارع وبرك صناعية وأيضا في القري السياحية.
أيضا شجرة المورينجا هي شجرة مصرية جميلة ويوجد منها نوعان أولفيرا, بريجرينا ويمكن استخلاص مادة فعالة منها تستخدم كمنشط قوي لجهاز المناعة والجهاز الهضمي.
* يوجد العديد من النباتات لها فوائد طبية ولكن يتم التحدث عنها بشكل عشوائي, وهناك آراء مختلفة ولا نعرف أين الحقيقة.. فما رأيك العلمي؟
** يوجد العديد من النباتات تستخلص منها مواد فعالة لعلاج العديد من الأمراض ولكنني كزراعي لا يمكن أن أفتي في هذا الأمر ولابد أن يتحدث فيه المتخصصون مثل أساتذة علم العقاقير في كليات الصيدلة والأطباء, ولابد من غلق أبواب الاجتهاد فليس صحيحا أنه لا توجد آثار جانبية لأي نبات يؤخذ بصورته الطبيعية فلابد من تحديد وتركيز المادة الفعالة وأيضا تحديد الجرعة وهذه مهمة المتخصصين. علي سبيل المثال نبات الجينكو يزرع في اليابان وهو نبات لم يتأثر بالحرارة العالية أو الإشعاع الذي صدر من قنبلتي هيروشيما وناجازاكي, وتم لذلك استخلاص مادة فعالة منه لتنشيط الدورة الدموية الدماغية وتباع في صورة عقار, ولا يمكن أن تؤخذ بشكل عشوائي. وهذه الشجرة موجودة بحديقة الأورمان ويطلق عليها شجرة الحياة.
وهناك اهتمام في معرض هذا العام بالأشجار ونخيل الزينة وخاصة النوعيات التي تتحمل درجات الحرارة العالية والبرودة أيضا مثل نخيل الزينة من نوع الليكوالا ويمكن زراعتها في أسوان وتوشكي, وهناك نخيل الكنتيا, وأيضا توجد أشجار مزهرة مثل شجرة كاسيا وأجزورا صفراء, كما توجد الأبصال الراقية مثل التيوليب وتوضع في بهو الفنادق لأنها تعيش فترات طويلة وأجري لها تهجين أخرج منها أنواعا وألوانا في منتهي الروعة.
* هل زاد حب المصريين للنبات الآن علي الماضي أم العكس؟
** رغم أنني أحد المستفيدين من إنجازات الثورة إلا أن الطفرة الهائلة في الحدائق والنباتات والاهتمام بها كان أكثر في العهد الملكي.. فمعظم الحدائق التاريخية القيمة لدينا أنشئت في العصور الملكية فكان هناك اهتمام أكثر بالطبيعة, وللأسف الأجيال الجديدة طغت علي اهتماماتها التكنولوجيا الحديثة وأصبحوا يعشقون الجدران المغلقة ومعظم أوقاتهم أمام النت وألعاب الفيديو جيم ومكالمات المحمول.
ومن وجهة نظري أن هذا مؤسف لأنه مع تغير المناخ وارتفاع معدلات التلوث في الهواء وكثرة العوادم وأصبح الأمل الوحيد لإنقاذ الصحة التنفسية للإنسان هو النبات ولم تعد المسألة رفاهية ويجب أن تزداد الأشجار والنباتات في جميع شوارعنا.. والاهتمام الوحيد أن المواطن البسيط يحرص الآن علي وجود نباتات في شرفات المنازل حتي ولو بأحجام صغيرة.
لعب وفن
كانت لنا وقفة أمام أجمل عروض معرض زهور الربيع وذلك في مدخل الحديقة علي اليمين عرض لاند سكيب وكانت المفاجأة أن مصمم وصاحب هذا العرض المبهر كابتن نادي الأهلي السابق طاهر الشيخ, وعلمنا أنه من أشهر مصممي ومنسقي المساحات الخضراء في مصر. وداخل الجناح المبهر الخاص به كان لنا حديث معه, رغم أنه كان قد أصدر تعليمات لمساعديه لمنع التصوير.. ولكنه تحدث معنا بكل حب وأمدنا بالصور الموضحة للعرض ورأيه أيضا في المعرض فقال:
بعد اعتزالي للكرة رجعت إلي رحبي وعشقي وهوايتي المفضلة وهي الرسم, فأنا أصلا من الإسكندرية ونشأت في منزل خالي بعد وفاة والدي في عمر 7 سنوات, وكان له صديق رسام طلياني اسمه رومانو وكنت أجلس معهما, وعلمني هذا الرجل كيف أرسم رسومات بسيطة ثم بورتريهات بعد ذلك.
وكنت أحصل علي الدرجة النهائية في الرسم بالمدرسة, وأنا أصلا خريج تربية رياضية ولكن استهواني الرسم, وبعد اعتزالي الكرة سافرت إلي السعودية منذ عام 1982 وعملت في مجال لاند سكيب فكنت أقوم بعمل تصميمات للحدائق والقصور هناك وأيضا التصميم والديكور داخل المنازل, وسافرت إلي العديد من الدول وكنت أطلع علي أحدث الكتالوجات في هذا المجال وعدت إلي مصر عام 1996 وقمت بشراء مزرعة في برقاش بجوار المنصورية, وبدأت في استطلاع السوق المصرية لمعرفة أسعار النباتات والإكسسوارات الخاصة بالديكور, ولأني أعشق هذا الفن فكان النجاح حليفي, وأصبحت أشارك في المعارض الخاصة بالتصميم النباتي وقمنا بتصميم حدائق العديد من الفنادق والقري السياحية والفيللات, ولدي الآن معرضان في مصر للديكورات ويعمل معي 350 شابا ما بين مهندسين زراعيين ومصممي ديكور ومحاسبين.
* هل توجد طرز معينة يطلبها المتعاملون معك في تصميماتك؟
** لا يوجد طراز معين في مصر لأن بلدنا مرت بالعديد من الحقب التاريخية والاستعمارية ما بين تركي وفرنسي وإنجليزي وأرماني وإغريقي وأندلسي وعربي أو إسلامي وفي الأصل فرعوني.. لذلك لا يمكن القول إن هناك طرازا مصريا له ملامح محددة خلاف الفرعوني, فأنا مثلا نشأت علي المعمار اليوناني الإغريقي في الإسكندرية وحديقة الشلالات وحدائق أنطونيادس, وكل مكان يتم تصميمه حسب مساحته والبيئة المناخية الموجود فيها.. فتصميم حديقة ساحلية يختلف عن حديقة في مكان صحراوي, ويختلف عن تصميم نباتي داخل المنزل.
والتصميم الموجود حاليا في المعرض والمطلوب من معظم زبائني هو المودرن والمعتمد علي نباتات مزهرة وإدخالها في حجارة صناعية مطعمة بالاستانلس فتبدو مفرغة وكأنها زجاج شفاف, وبحيرات صناعية أو حمامات سباحة داخل الفيللات فنحن نقوم بكل شيء من الألف للياء, وأيضا أقوم برسم لوحات جدارية بارزة أصممها ويقوم متخصص بتفريغها في الخشب أو الاستانلس ستيل.
ولكن المعرض ينقصه العديد من الخدمات التي تشجع الجمهور علي زيارته, ورغم أن زبائني من مستويات مرتفعة لحد كبير, إلا أنني أسعد برؤية الإعجاب لزوار المعرض من الأسر المصرية البسيطة لأن الهدف من المعرض هو الارتقاء بالذوق العام والإحساس بالجمال.
وأمنع التصوير لأنه للأسف الجمال في التصميم هو التفرد, ويأتي الكثيرون من المتخصصين ويقومون بالتصوير وتقليد ما نعمله دون أي ابتكار من جانبهم, وتصبح التصميمات نسخا مكررة فتفقد جمال تفردها فلم أقم أبدا بتصميم يشبه الآخر, وهناك دائما الجديد في الإكسسوار والإضاءة ومزج الطبيعة بالأثاث وكل عناصر البيئة المحيطة ولكن وسط هذا الجمال…
وقطع الكابتن طاهر استرسالة الشيق وقال: للأسف إنه وسط هذا الجمال المبهر لا توجد دورات مياه لائقة لجمهور الزائرين أو حتي العارضين فلكي أدخل الحمام أذهب إلي حمام مدير الحديقة وعندما وجدته بالأمس مغلقا ذهبت إلي حمام الحديقة ففوجئت بفرقة أمن مركزي فسألتهم من أين أتوا؟ ففوجئت أنهم جاءوا من جامعة القاهرة للدخول في حمام الحديقة, فهل هذ لائق؟
طبيب الأوركيد
من بين أكثر الأجنحة تميزا في المعرض جناح يعرض زهور الأوركيد وكانت المفاجأة أن صاحب هذا العرض هو د. محمد نجيب جراح المخ والأعصاب, كان يعيش في أمريكا ثم جاء إلي مصر ليجمع بين عمله كجراح وكأحد منتجي زهور الأوركيد.
وكان لنا حديث معه ثري بالمعلومات حول هذه الزهور الراقية الجميلة وسط ألوان وأنواع من الأوركيد تخلب الألباب والأبصار فقال:
كنت أعيش في أمريكا منذ عام 1965 وأعمل جراحا للمخ والأعصاب, وكنت أزور العديد من معارض الزهور هناك وفي دول أخري واستهوتني زهرة الأوركيد ولأن تخصصي صعبة وحساس حيث إن المخ أعظم ما يمتلكه الإنسان وأيضا زهرة الأوركيد صعب في إكثارها وتحتاج إلي معمل أنسجة واستعداد علمي لإنتاج أنواع جديدة منها.
وتوجد طريقتان لإكثار الأوركيد.. إما تلقيح زهرة بزهرة أخري وفي هذه الحالة ينتج عن هذا بذور مهجنة لتخرج زهرة بأشكال وألوان جديدة, وهذا مقبول ومرغوب فيه بالنسبة للزهور, أو يحدث إكثار طبق الأصل بزراعة الأنسجة داخل برطمانات وهنا تخرج زهور متطابقة تماما مع الأصل.
في البداية أحضرت أمهات وأصول الأوركيد من الخارج ويمكن زراعة الجذور أو البراعم أيضا.
وتعد عائلة نبات الأوركيد من كبري العائلات النباتية في العالم حيث يوجد 35 ألف صنف من الأوركيد في الطبيعة, والأوركيد أساسا من العائلة السحلبية ولذلك توجد أنواع منه تنمو في جبال تركيا حيث تجفف وتطحن ويصنع منها السحلب, وتوجد أنواع في جنوب شرق آسيا, حيث تدخل عيدان النبات في الأطعمة.
وزهرة الأوركيد تعيش بعد قطفها لمدة عشرة أيام تقريبا ويمكن أن تعيش في أصيص في تربة طينية لمدة شهر أو شهرين.
وتوقف الدكتور محمد نجيب عن الاسترسال تماما كما فعل الكابتن طاهر الشيخ وقال: للأسف رغم جمال المعرض وأهميته لا توجد خدمات أو دورات مياه مناسبة للعارضين أو الجمهور.
جولة حرة
وحتي يكون هذا الموضوع دليلك في معرض زهور الربيع, هناك بعض النصائح نقدمها لك.. هناك تفاوت شديد في الأسعار في نباتات الزينة والنباتات الحولية فإذا أردت أسعارا مناسبة وغير مبالغ فيها عليك بالتوجه إلي عروض المدارس الزراعية أو المدارس العامة حيث تعرض صباريات وأنواع هائلة من النباتات بأسعار في متناول الجميع, وأيضا أجنحة مشاتل الحدائق العامة مثل الزهرية وقصر القبة وغيرها, وأيضا جناح محافظة المنيا.. حيث تجد هناك تفاوتا في أسعار أدوات الزراعة من مقصات ورشاشات مياه وهناك كتب تثقيفية لتربية جميع أنواع النباتات والزهور بأسعار رمزية.. فعليك بالتوجه إلي الإدارة العامة للثقافة الزراعية وهي قريبة من بوابة الدخول علي يمين زائر المعرض.
المعرض مدرسة حية لطلبة الفنون الجميلة والفنون التطبيقية وكليات الهندسة أقسام التصميم وخاصة تصميم الحدائق ولن تكتفي بزيارة المعرض مرة واحدة بل ستجد نفسك تتوجه إليه أكثر من مرة. وإذا كانت الخدمات قليلة فكما يقال من أجل الورد ينسقي العليق.