هو فنان هادئ ومتأمل للجمال والبساطة من حوله فانعسكت بساطته علي أعماله مما يجعل المتلقي غير المتخصص سريع التجاوب معها… وفي معرضه السنوي بقاعة الفنون التشكيلية المقام حاليا بدار الأوبرا المصرية حتي نهاية الشهر الحالي بعنوان بين عشق مصر والجنون بها والذي يقدم فيه 60 لوحة من إنتاجه الفني عن مصر في عيون الغرباء وعيون عاشقها, مصر غير المرتبطة بوقت بعينه… مصر الفرعونية… ومصر القرن الـ…19 مصر التي عشقها الفنان وعبر عنها في لوحاته عبر ثلاثة عقود… إنه يرصد طبيعة مصر الساحرة فيقدم لوحات لريف مصر وسواقيها… إنه يؤرخ لملامح المصري عبر العصور فيقدم لوحات تبين عدم تغيير ملامح المصريين عبر العصور… معارضة دعوة للاستجمام وفسحة نفسية وراحة ذهنية… هو الفنان التشكيلي طبيب العيون فريد فاضل حنا مرقس عضو نقابة الفنانين التشكيليين… التقت وطني به وجاء الحوار علي النحو التالي:
* ماذا تقول في بطاقة تعارف لقارئ وطني؟
* * ولدت في مدينة أسيوط عام 1958 لعائلة تعشق الموسيقي الكلاسيكية وتمتهن الطب والمحاماة,عشت بالقاهرة والريف المصري بالصعيد والدلتا,أقمت معرضي الأول للتصوير بالألوان المائية عام 1971 ووقتها بدأت الموهبة تبدأ الطريق,ثم تخرجت في كلية الطب والجراحة جامعة القاهرة عام 1981 وحصلت علي الماجستير في الطب وجراحة العيون عام 1987 والدكتوراه بعنوان (الكيمياء المناعية لرقعة القرنية المرفوضة) جامعة القاهرة 1998,أعمل حاليا إخصائي طب وجراحة العيون بمعهد الرمد التذكاري بالجيزة,أقمت 42معرضا بالنسبة للمعارض الفردية حتي الآن. أهوي الموسيقي فالتحقت بمعهد الكونسرفتوار عام 1965 وتتلمذت علي يد الأستاذ (أدولف منشة) لعزف الكمان بالإضافة إلي آلة البيانو والغناء فمارست عزف البيانو والكمان والغناء الكلاسيكي من طبقة الباريتون واشتركت في عدة حفلات كونسير جماعية مع جماعة كورال القاهرة.
* ما سبب تسمية المعرض باسم بين عشق مصر والجنون بها؟
* * أقمت أكثر من معرض تحت عنوان الحياة في مصر وروح مصر في التسعينيات وحب مصر أو إيجيبتو فيليا بأمريكا في إحدي ضواحي نيويورك ولاقوا نجاحا كبيرا لأنهم أبرزوا وجهة نظري ومشاعري تجاه بلدي والمعرض الحالي يناقش ناحية فلسفية تبحث عن العواطف والأحاسيس الداخلية التي تؤثر في المحصلة النهائية للعمل الفني,ومن هنا جاءت التسمية بين عشق مصر والجنون بها أو Egyptophilia – Egyptomania.
* كيف تولدت فكرة هذا المعرض بداخلك؟
* * جاءت فكرة هذا المعرض وهو عبارة عن مقارنة بين مصر في عيوننا وفي عيون الغرباء فكان اهتمامي بأعمال المستشرقين وبكتاب وصف مصر كمصدر من أهم مصادر البحث الذي يوضح لنا كيف رأي الأوربيون مصر عندما أعادوا اكتشافها أيام الحملة الفرنسية ومن خلال اكتشاف الهيروغليفية ومعانيها ولاحظت ثورة وإعجاب عام بالمصريات في منتصف القرن الـ19 أو ظاهرة الهوس بمصر إيجيبتومانيا وأردت تتبعها في المتاحف المصرية بأوربا فزرت معظمها بميونخ وبرلين ولندن وباريس وتورينتو.
* هل كل أعمال المستشرقين الفنية عبرت بالفعل عن روح وأصالة مصر,وكيف تعاملت مع هذه الإشكالية؟
* * في الحقيقة وقفت حائرا بين مجموعتين من المستشرقين الأولي أري فيها حب وعشق لمصر منبعه الارتباط الحقيقي بين الإنسان وأرضه كما يستريح الطفل علي صدر أمه, أنها علاقة حميمية حقيقية غير مصطنعة,أري إنتاجهم مفعما بالمشاعر الدافئة التي تعبر عن إبداعات من عرف مصر وعاش بها حياة ابن البلد ومن غير اسمه بأسماء مصرية ومن شرب من نيلها فجاءت أعمالهم خالية من الصبغة الأوربية.. أما المجموعة الثانية فأصحابها ممن سمعوا عن مصر وشدهم إليها حب الاستطلاع والولع بكل ما هو مختلف وغريب فجاءوا إليها بأفكار مسبقة وانطباعات شخصية يبحثون عنها في الخارج حتي تتطابق مع الداخل فتخرج أعمالهم مبهرة للعين وذات فنيات عالية ولكنها تفتقر إلي روح المكان وشخصيته المميزة مثل أعمال جون فريدريك لويس المستشرق الإنجليزي الذي عاش بمصر ولكنه كان يرسم موديلز أوربيين بخلفيات مصرية كالمشربيات مثلا.
الحقيقة أن الأعمال الفنية التي تستلهم مصر المكان والزمان تقع في إحدي هاتين المجموعتين ولذا رأيت أن أعرض أمثلة منها في معرضي هذا تمثل عشق مصر الحقيقي وما يتولد عنه من إبداعات تحمل روح مصر وشخصيتها المميزة,كما أعرض قليلا مما اعتبره رؤي استلهمت من مصر الشكل فقط وليس الروح وذلك كله من خلال 60 لوحة بداية من التاريخ الفرعوني مرورا بالمستشرقين وصولا إلي مصر القرن الـ.19
* من أين تبدأ عندما تنوي رسم لوحة؟ وما الذي يجول بخاطرك قبل قيامك بالعمل الفني؟
* * عندماتتملكني فكرة ما فإني أبحث في كل مكان عما يتعلق بها فقمت بزيارات متعددة للمتحف المصري في ربيع 2006 كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت ولعي واهتمامي بالمصريات ثم صقلت تلك الثقافة بعدد من الزيارات المكثفة التي أعدت فيها اكتشاف كنوز تل العمارنة وطيبة وأبيدوس وارتحلت جنوبا إلي جزيرة ومعبد أبي سمبل في أقصي جنوب البلاد,وانطلقت باحثا عن الكنوز المصرية المنتشرة في جميع أنحاء العالم… فزرت المتحف المصري ببرلين في ربيع 2008 بالتنسيق مع صديقي برند إربل السفير الألماني لمقابلة نفرتيتي الجميلة التي حلم من زمن التوحيد ذات الرأس الملون والرقبة الممشوقة وملامحها التي تنطق بالذكاء والدماء الملكية ونلت فرصة الانفراد بها كي أرسمها من الواقع بعيدا عن صورها ومستنسخاتها المختلفة,وزرت المتحف البريطاني في لندن بصيف 2009 لرسم رأس رمسيس الثاني (الشهير بممنون الصغير) رسم بالأقلام الملونة والجواش.
* ما أهم الأدوات والخامات المستخدمة وما تأثيرها علي روح العمل الفني؟
* * ألوان الزيت والجواش علي خامة القماش كما أستخدم تقنية الخلفيات المذهبة كما في الأيقونات القبطية وتجدها في لوحة الفرعون الصغير بالإضافة إلي الإطارات المصنوعة من خشب الأرابيسك في اللوحات الخاصة بمصر قبل الحملة الفرنسية وبعدها ومصر الفاطمية كما في لوحة السقا,وأري أن هذه الأدوات تثري العمق الزمني للعمل وتقدم أبعادا جمالية مألوفة ومنسجمة مع روح العمل هذا فضلا عن بعض القصاصات الأدبية كشروحات عن بيئة العمل وفكرته أو كالقصة القصيرة والتي اعتدت تعليقها جوار أعمالي منذ أكثر من معرض سابق.
* ما سر إعجابك بالناس والطبيعة الصامتة كيف استطعت أن تقدم البساطة والعمق في آن واحد؟
* * عندما أحب أن أرسم الوجوه المصرية أفضل أن يكون وجها معبرا جدا من أن يكون مجرد انفعال فلا أكتفي بأن يكون جميلا ولكن شرطا أن يكون معبرا,بالإضافة إلي أهمية الإضاءة واتجاه سقوطها علي الوجه ولون البشرة ووضع ولون الخلفية فمثلا لوحة رجل من كومومبو فلو لم تكن الخلفية داكنة لم أستطع إبراز جماليات ملامحه, ولوحة وقت الشاي أنظر اتجاه الضوء وكيف أكد ملامح الشخصية المصرية وهكذا لوحة نفوسة وهناء.
* قال الفنان جورج البهجوري في أحد تصريحاته أنه بقي عليك أن تقدم بحثا جديدا في الفن التشكيلي. فما الجديد الذي تود تقديمه مستقبلا؟
* * لست من هواة البحث عما سيقدم من جديد كما يفعل البعض,فعصر النفس لتقديم جديد وعمل نوع من الأسلبة القرصية يؤدي إلي فن غير صادق المراد به الفرقعة الإعلامية أو لمجرد البحث عن الاختلاف,وهذا بعيد تماما عن منهج وفلسفة فريد فاضل,ويوجد فنانين اعترفوا بأنهم فعلوا ذلك كالفنان صلاح طاهر عندما فرض علي نفسه في أعماله الأخيرة تيمة معينة فتعمق في جماليات الخط العربي وأعتقد أن أعماله الأولي كانت صادقة لأنها مادة خصبة ومنوعة أو غير محدودة عن الأعمال الأخيرة,فهذه ليست طريقتي أبدا وإنما أقدم ما هو بداخلي بالفعل وما يعبر عني وما أحبه وما يسعدني فيخرج للناس بمنتهي البساطة فتحقق السعادة لهم ويشعرون بالصدق.
* ما المهام الفنية التي كلفت بها أو أهم الإسهامات العامة؟
* * كلفت بتنفيذ رسوم توضيحية للكتاب المقدس من هيئة International Bible Society تصوير قصص الكتاب المقدس, وطبع ثلاثة أجزاء من هذا الكتاب.
* ماذا عن التكريم والجوائز المحلية والدولية؟
* * تم إدراج اسمي وإسهاماتي بموسوعة باسم International Who##s who of intellectuals عام 1987,وحصلت علي الميدالية الذهبية للبابا بولس السادس في مسابقة الفاتيكان (الكتاب المقدس) 1973, وحصلت علي الجائزة الأولي لمسابقة الطبيب الفنان بولاية أوهايو بأمريكا 1997 بالإضافة إلي حصولي علي العديد من الجوائز في مجال التصوير والحفر,أما عن الجوائز المحلية فحصلت علي المركز الأول في الحفر علي مستوي الجامعات المصرية .1980 وحصلت علي المركز الثاني في التصوير علي مستوي الجامعات المصرية 1981.
* هل تعتبر أنك نلت حقك من التكريم والجوائز المحلية والدولية؟
* * لي نظرة خاصة في هذا الأمر فأعتبر أن التكريم الحقيقي لأي فنان سيتم من الجمهور وإقباله عليه بعد وفاته لأن أثناء الحياة يوجد نوع من المجاملات فلا تستطيع الحكم علي الشخص,ومعظم الفنانين الذين كرموا بالفعل مثل فان جوخ الذي مات معدما بل تقدر الآن بملايين الجنيهات وبغض النظر عن المادة ففنه يصل للناس وهذا ما يجب جعله نصب أعيننا فتقدير المجتمع هو المقياس الحقيقي لقيمة الفنان وأعتبره تقييما أبقي وأرفع من تقدير البلاد والحكومات بكثير. والفنان الحقيقي هو الذي تصبح لوحاته أيقونات في الذاكرة البصرية لمشاهديه مثل الموناليزا الرمز والملهمة رغم صمتها وسكونها.
* كيف تفاعلت مع ما نعيشه في مجتمعنا من هموم وقضايا معاصرة تمر بها الشخصية المصرية؟ وهل ترصد الجماليات فقط؟
* * لا يوجد تعارض تماما بين كلاهما فالقضايا المعاصرة هي قضايا وقتية ولكن القضايا هي الفكرة العامة الإنسانية قضايا غير محدودة بوقت مثل فكرة الجمال أو الموسيقي أو الخيال فنجد أفكارا جمالية كانت عند الفراعنة ومازالت موجودة حتي الآن كالإعجاب بالحيوانات والطيور والاهتمام بتنسيق الزهور ووضعها فيوجد أشياء كثيرة تناولها الفن بغض النظر عن المكان والزمان موجودة ومتكررة تبعث روحها وهذه القضايا غير المرتبطة بعصر هي مجال اهتمامي لأني مؤمن بالمقولة الإنجليزية العقول العظيمة تتحدث عن مفاهيم وأفكار والعقول العادية تتحدث عن الأحداث,وأتناول وأبحث عن الجمال في معظم لوحاتي.
* كيف تستطيع توظيف القبح في الأحداث التاريخية بشكل إيجابي إلي دور علاجي للفن؟
* * لأني طبيب عيون في الأصل فأثق أن هناك دورا علاجيا للفن, أنه يعالج القبح ويعطينا فرصة للاستمتاع وهدوء لتذوق الجمال كما في لوحة المملوك الحائر الموجود بجوار القصة القصيرة المعلقة التي تعبر عن نفسية المملوك المخطوف من القوقاز وتم بيعه وتعليمه القرآن والفقه وتدريبه علي القتال ليتحول من طفل إلي عبد إلي مملوك إلي جندي وأخيرا إلي سلطان فاعتبرت أنه مملوك كان رافضا لمصيره ووضعت بجواره دورق ينظر إليه ويقول تمنيت أن أصبح فنانا يمكن أرسم لوحة أو أدق نحاسا مثل هذا الدورق وانتظرت أن يروي ظمأي فكان يقطر دما,وباللوحة نقطة دم تعبر عن الدسائس والمكائد الموجودة في عصر المماليك وهنا دراسة التاريخ ثم توظيفه جماليا.
* ما رسالتك للمجتمع من خلال معرضك؟
* * رسالتي للمجتمع أنه لابد من الالتفات إلي التراث المصري من وجهة نظر اقتناع وعبرت عن رسالتي بلوحة ترصد شباب مصري يجلس علي حجر ذي نقوش هيروغليفية, أنه مهموم ويشعر بمحدودية ويفكر في كيفية الاتيان بالرزق الذي أصبح شحيحا,ونسي أنه يجلس فوق حضارة عظيمة جدا لا يراها لأنها أسفله… وهنا رمزية كبيرة تشرح ما نعيشه في واقعنا,وهنا الإيجابية في التعايش مع هموم المجتمع رغم ما نراه من خطاب سلبي علي صفحات الجرائد بأفلام السينما كاللغة السوقية والمناظر المبتذلة بما يعكس سلبيات المجتمع فقط فهذا مبدأ مرفوض لأني أتبني معالجة قضايا المجتمع عن طريق تقديم النموذج الجيد المشرف.
* * * طالب الفنان فريد فاضل في ختام الحوار المسئولين بالدولة تحفيز وتنمية الحس الفني لدي الشعب وذلك بتخصيص حصة للتذوق الفني وبناء كادر من معلمين الفنون الجميلة لتعليم الطفل كيفية الحس الجمالي لينمي شخصيته فيصبح إنسانا في المقام الأول فلا يؤثر عليه أي تيارات متطرفة أو أفكار شاذة.
حوار وتصوير: أشرف شوقي