هو روح باحثة عن العلاقة بين الفلسفة والمادة.. بين الدين والحضارة.
هو صاحب الصوت الهادئ, والقلب المطمئن الذي أثر أن يحل لغز الحياة والموت.
هو مصطفي كمال محمود حسين آل محفوظ, من الأشراف, ولد عام 1921, وعاش في مدينة طنطا, درس الطب, وتخرج عام 1953 ولكنه تفرغ للكتابة والبحث عام .1960
وألف محمود 89 كتابا تتراوح بين الرواية والقصة القصيرة والكتب العلمية, والفلسفية, والاجتماعية, والسياسية, إضافة إلي الفكر الديني, والتصوف, مرورا بأدب الرحلات.
بين العلم والأدب
علي الرغم من احترافه الطب, فإنه كان نابغا في الأدب, منذ أن كان طالبا, ونشرت له مجلة روز اليوسف عددا من القصص القصيرة, وقد عمل بها لفترة عقب تخرجه, مما دفعه لاحتراف الكتابة, وعندما أصدر الرئيس جمال عبدالناصر قرارا بمنع الجمع بين وظيفتين, كان مصطفي محمود, وقتها, يجمع بين عضوية نقابتي الأطباء والصحفيين ولكنه قرر الاستغناء عن عضوية نقابة الأطباء, ومن الجوانب المهمة التي يجدر التنويه بها أنه كان من أوائل من اتخذوا في كتابتهم للرواية منحي تجريبيا, بارتياده طريق تيار الوعي, وهو الذي لا يتخذ في كتابة الرواية الشكل التقليدي الكلاسيكي, وإنما يعتمد علي التداعي الحر, والمناجاة الذاتية, والحلم مثله في ذلك مثل محمد عوض عبدالعال, وعبد الفتاح رزق, ومجيد طوبيا, وغيرهم ممن سلكوا هذا الطريق من جيل الستينيات, ومن تلاهم.
كذلك يعد مصطفي محمود من كتاب الرواية, وبالأخص رواية الخيال العلمي التي ساهم بالكتابة فيها بأعمال مميزة, نذكر منها رواياته الشهيرة رجل تحت الصفر, المستحيل, الأفيون, وتعد علامات في رواية الخيال العلمي المكتوبة باللغة العربية, شأنه في ذلك شأن أعظم كتاب رواية الخيال العلمي في مصر, مثل نهاد شريف, صبري موسي, ورؤوف وصفي.
أما عن أدب الرحلات, فيكفي أن نشير إلي أنه من المعدودين من كتاب أدب الرحلات في مصر والعالم العربي, ووضع اسمه ضمن البارزين في هذا الفن مع محمود تيمور, وحسين فوزي, وأنيس منصور, وعبدالله الطوخي, وعبدالفتاح رزق, وخيري شلبي, وغيرهم.. وقد نال جائزة الدولة التشجيعية في أدب الرحلات عام 1975 عن كتابه مغامرة في الصحراء.
وتميز أسلوب مصطفي محمود بالبساطة والسلاسة المتناهية, التي تشد القارئ, وتجعله منجذبا لموضوعه الذي يقرؤه, هذا بالإضافة إلي قدرته الخارقة علي تطويع اللغة تطويعا عجيبا بحيث تكون في النهاية سلسلة ولينة.
وعن موقف مصطفي محمود من المادية نراه يقول في أحد كتبه: احتاج الأمر إلي ثلاثين سنة من الغرق في الكتب, وآلاف الليالي من الخلوة والتأمل مع النفس, وتقليب الفكر علي كل وجه لأقطع الطرق من الشك إلي اليقين, من الله والإنسان إلي لغز الحياة والموت, إلي أن وقفت علي درب اليقين. لاشك أن هذه التجربة صهرته بقوة وصنعت منه مفكرا دينيا خلاقا, لم يكن مصطفي محمود هو أول من دخل في هذه التجربة, دخلها قلبه الجاحظ, وديكارت, الذي شك في أصل الوجود ولم ينقذه من هذا الفكر إلا اعتماده علي الفطرة, حيث الله فطر في كل كائن بشري وعيا كونيا بوجود الخالق, بعدها جاءته فكرة برنامجه الشهير العلم والإيمان الذي عرض علي التليفزيون المصري لعدة سنوات.
ولعل من أهم أعماله الأدبية: أكل العيش, عنبر 7, شلة الأنس, يوميات نص الليل, المستحيل, الأفيون, العنكبوت, الخروج من التابوت, رجل تحت الصفر, الإسكندر الأكبر, الإنسان والظل, الشيطان يسكن في بيتنا, مغامرة في الصحراء, الذين ضحكوا حتي البكاء.
ومن الأعمال الفكرية والتأملات الفلسفية: الله والإنسان, لغز الموت, لغز الحياة, الأحلام, رحلة من الشك إلي الإيمان.
متفرقات عن الحياة والعشق: في الحب والحياة, اعترافات العشاق, نار تحت الرماد, من أمريكا إلي الشاطئ الآخر.
مصطفي محمود.. مشروع أدبي غير مكتمل
حصل الدكتور مصطفي محمود علي جائزة الدولة التقديرية للآداب عام 1995, وعن هذه الجائزة قال دكتور صلاح السروري إن جائزة الدولة للآداب التي حصل عليها مصطفي محمود ليست معيارا علي قوة أعماله الأدبية, معطيا الحق للنقاد في تجاهل أعماله الأدبية, لأن الراحل قد نفسه للحياة الأدبية باعتباره مفكرا وداعية إسلامية أكثر منه مبدعا, ويوافقه الرأي الناقد أحمد حسن, وقال إن مصطفي محمود طرح نفسه في بداية حياته علي أنه أديب, وكان مدخله للأدب من باب الفلسفة, والعلم, خاصة أنه مفكر وعالم وطبيب أكثر من كونه أديبا يطرح أعماله بهدف المتعة الأدبية المتعارف عليها بين جمهور القراء.
أما الناقد الدكتور أحمد درويش قال: إن أسباب تجاهل النقاد لأعمال مصطفي محمود الأدبية ترجع إلي أن أعماله الأدبية لا تقع في نطاق ما يسمي بالأدب النخبوي بل تصنف علي إنها أدب جماهيري, لذلك لم تلق اهتمام النقاد الأكاديميين ولم يحظ باهتمام النخبة من المثقفين, ويطرح الناقد حاتم حافظ سببا آخر للتجاهل وهو أن مصطفي محمود بدأ الكتابة في نفس التوقيت الذي بدأ فيه نجيب محفوظ ويوسف إدريس, مما جعل نجاحه ككاتب صعبا في ظل هذين العملاقين مهما كانت موهبته.
ويخالفهم الرأي الناقد الدكتور هيثم الحاج نافيا تجاهل أعمال الدكتور مصطفي محمود, موضحا أن العديد من النقاد في فترة الخمسينيات والستينيات تحدثوا عن أعماله الروائية, ومنهم الدكتور سيد المرسال والدكتور عبدالحميد إبراهيم, إلا أن ما حدث أن مصطفي محمود توقف عن الكتابة الأدبية في فترة مبكرة وبدأ في الكتابة في مجال الفكر, وبالتالي لم يكن لديه مشروع أدبي مكتمل حتي يتجاهله النقاد.
أيده في القول الكاتب والصحفي محمد فتحي الذي أشار إلي أن مصطفي محمود كان قيمة كبيرة فهو مثال للمبدع الشامل, ومسرحيته زيارة للجنة والنار تؤكد تفرده, فهذا الرجل كتب القصة والرواية والمسرحية والمقال الصحفي, بجانب كتاباته الدينية والعلمية.