تزايدت في الفترة الأخيرة حدة الانتقادات الدولية لدول الشرق الأوسط لعدم توفير الحماية اللازمة للمسيحيين, وتزايدت هذه الانتقادات بعد حادثتي كنيسة سيدة النجاة في العراق وكنيسة القديسين بسيدي بشر بالإسكندرية, وهي الانتقادات التي لم تتقبلها الدول العربية بالارتياح, وشنت هذه الدول حملة دبلوماسية للتنديد بالتدخل الأجنبي مؤكدة قدرتها في حماية مواطنيها دون الحاجة لتدخلات أو وصاية من أحد.
ومؤخرا قامت مصر بسحب السفيرة المصرية بالفاتيكان للتشاور اعتراضا علي انتقادات بابا الفاتيكان علي أوضاع المسيحيين العرب, واعتبرت الخارجية المصرية أن الحديث عن توفير حماية للمسيحيين في مصر هو شأن داخلي لا يحق لأحد التدخل فيه, وأعلنت الخارجية المصرية عدم عودة السفيرة إلا بعد انتفاء الأسباب التي أدت إلي سحبها للتشاور وهو ما يعني دعوة صريحة لاعتذار الفاتيكان عن هذه التصريحات أو إعادة صياغتها بشكل لا يحمل للحكومة المصرية أية انتقادات, كما قدمت مصر اقتراحا للقمة العربية الاقتصادية في شرم الشيخ وهو إضافة بند حول رفض التدخل الخارجي والغربي وتحديدا في الشأن العربي من خلال ما يتم الترويج له من مساعدة مسيحيي الشرق أو حمايتهم.
##وطني## حاولت التعرف علي رؤية بعض الخبراء العرب في التوتر الديني الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط , ومستقبل المسيحيين العرب, خاصة بعد اتجاه عدد كبير منهم للهجرة خارج المنطقة, في الوقت الذي يقوم فيه الاتحاد الأوربي بمناقشة أوضاع المسيحيين العرب وكيفية توفير حماية لهم أو السماح لبعضهم باللجوء السياسي لبلدان أوربية, وهو ما حاولنا رصده عبر السطور التالية.
من جانبه جدد البابا بنديكت السادس عشر بابا الفاتيكان دعوته لحماية المسيحيين في مصر والعراق والشرق الأوسط بصفة عامة, وخصص خطابه مع سفراء ومبعوثي نحو 179 دولة لديها علاقات دبلوماسية مع الفاتيكان بشكل كامل تقريبا, لقضية الحريات الدينية.
وأشار بابا الفاتيكان إلي العراق والهجمات التي وقعت هناك, وقال :إلي سلطات ذلك البلد وقادة الدين الإسلامي أجدد مناشدتي القلبية أن يتسني لمواطنيهم المسيحيين العيش في أمان, ومواصلة المساهمة في المجتمع الذي يعدون أعضاء بشكل كامل فيه.
من جانبه حذر الدكتور رياض جرجور أمين عام الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي من اتساع التوتر الطائفي في المنطقة العربية وهجرة المسيحيين العرب وما تسببه من استنزاف للمجتمعات, مبديا قلقه من الوضع في عدد من الدول العربية وما تشهده من خطابات تحريض متبادلة تهدد الوحدة الوطنية وتنذر بالخطر علي العلاقات الإسلامية والمسيحية, مؤكدا أن ما يواجهه المسيحيون العرب من قلق حول المستقبل والمصير, وأعرب د.جرجور عن قلقه مما يجري في عدد من البلدان العربية وخاصة العراق ومصر ولبنان والأراضي الفلسطينية والسودان.
وأشار إلي أن المسيحيين في العراق يواجهون صعوبات تحملهم علي هجرة وطنهم, كما توقف أمام ما يجري في مصر وأعرب عن الألم والأسف لما يتردد من خطابات وما يجري من أعمال تهدد الوحدة الوطنية وتنذر بالخطر علي العلاقات الإسلامية والمسيحية.
واوضح أن أعضاء الفريق العربي يرفض خطابات التحريض والاستفزاز ودعوات المقاطعة وأهاب بالعقلاء والحكماء المسلمين والمسيحيين للمبادرة إلي وأد الفتنة وصدها حتي تبقي مصر كما كانت علي مدي تاريخها نموذجا ومثلا يحتذي للعيش الوطني الواحد بين المسلمين والمسيحيين, مشيرا إلي أن الفريق العربي الذي يضم نخبة من المفكرين والكتاب ورجال الدين العرب سارع بإصدار عدة بيانات للتضامن مع ضحايا كنييستي سيدة النجاة بالعراق والقديسين بالإسكندرية عملا بالمسئولية المشتركة في مواجهة الأوضاع المقلقة الراهنة بما تتسم به من ارتفاع في نبرة التوتر والعصبية الدينية, التي تغذيها ظروف سياسية واجتماعية وثقافية غير مواتية.
ونوه إلي أن ما يعاني منه المسيحيون العرب يهم في الوقت ذاته المسلمين العرب, وأن هذه المعاناة أيا تكن أسبابها تشكل حافزا لعمل إسلامي مسيحي مشترك يحافظ علي الحضور المسيحي العربي في النسيج الاجتماعي العام, ويحافظ علي ما يتميز به من تنوع وتعدد علي أرضية مصالح الوطن ووحدته, مشددا علي أهمية الاندماج الكامل للمسيحيين العرب في إطار الحضارة العربية الإسلامية التي تدعم هويتهم وتخرجهم من حالة قلق الهوية وقلق الحضور.
ومن جانبه لفت الدكتور سيف عبد الفتاح النظر إلي أن موقف الإسلاميين الراديكاليين لا يزال مرتكزا علي مفهوم أهل الذمة في التعامل مع غير المسلمين, ونظرتهم إلي المجتمع مرتكزة علي الرابط الديني علي حساب الحريات الشخصية والحقوق الفردية, مشيرا إلي أن عقد الذمة ونظامه يؤدي إلي انقسام في الوعي الجماعي للشعب وأن خطاب الهوية الأحادي يركز علي البعد الديني لا الثفافي للإسلام, مما يستبعد الدور المسيحي الفعال وخصوصا اللاهوتي الشرقي, في تشكيل هذه الهوية. كما لفت إلي أن ملف أوضاع المسيحيين المصريين والعرب أصبح هدفا و##منطقة صيد## تغري بعض الإسلاميين الحركيين لبناء مكانتهم وسلطتهم ونفوذهم في الوسط الإسلامي..
من جانبه توقع الدكتور نبيل عبد الفتاح الخبير بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام تزايد التوترات الإسلامية – المسيحية في الأجلين القصير والمتوسط, مشددا علي أن المطلوب أن تتجه المؤسسات التربوية والتعليمية العربية في مختلف الأقطار العربية والإسلامية الي تدريس المسيحية في مراحل التعليم الأساسي.
أما ميشيل بدر ##باحث وناشط مدني## نوه إلي ضرورة غرس قيم المواطنة في التعليم وخاصة في المراحل الأولي من التعليم, خاصة وأن التلاميذ حينما يدرسون قيما معينة تكبر معهم وتنضج, ومن ثم يخرج للمجتمع مجموعة متميزة من المواطنين لديهم قدر كاف من العلاقات الجيدة مع أنباء وطنهم, وأن التعليم هو البوابة لغرس قيم العيش المشترك والانتماء للوطن الواحد وإعلاء الانتماء الوطني علي حساب الانتماء الديني, والمنطقة العربية غنية بالتعايش ولكن نظرا لوجود بعض العوامل السياسية والاقتصادية سواء علي المستوي الإقليمي أو الدولي أصبح الشرق الأوسط مليئا بالصراعات علي أساس الدين أو الطائفة, وهو ما يؤدي إلي قيام البعض بالهجرة خارج الوطن, وأخطر ما يمكن حدوثه هو تفريغ المنطقة من المسيحيين, خاصة أن المسيحيين العرب أثرو الحضارة العربية بشكل كبير وكان لهم دور مميز في حركات التحرر الوطني, وعلي الدول العربية الانتباه لمثل هذه المخاطر التي تهدد التعايش المشترك بين المسيحيين والمسلمين.
وقال ميسر الشمري الكاتب والباحث أن ما يحدث الآن ضد المسيحيين في الوطن العربي مؤامرة علي الوجود المسيحي أولا وخيانة للأمة العربية ثانيا, إنها محاولة لاستدعاء الغرب المسيحي لحماية المسيحيين العرب, وأن ما يجري ضد المسيحيين العرب جريمة لا يقرها عاقل, فتداعيات ضرب المسيحيين العرب وتهجيرهم أخطر بمرات من تداعيات 11 سبتمبر, وإنها محاولة لشق النسيج الاجتماعي العربي وإحداث فتنة ربما تقود لتقسيم بعض الأقطار العربية.