قانون موحد للمسيحيين..هل ينهي معاناة المرأة المسيحية؟ هذا العنوان لندوة لم تطرح داخل كنيسة وإنما طرحته مؤسسة مصرية هي مؤسسة مركز قضايا المرأة المصرية انطلاقا من مبدأ سعت إليه منذ أكثر من عام وهو عدالة أكثر للنساء مسلمات ومسيحيات..ورأت عزة سليمان مديرة المؤسسة أن الاهتمام بمناقشة هذا الموضوع ينطلق من مبدأ المواطنة الذي يهدف إلي المشاركة الواعية لكل شخص دون وصاية في بناء الإطار الاجتماعي والسياسي والثقافي للدولة.
وتباينت آراء المشاركين ــ وأغلبهم ممثلون للطوائف المسيحية ــ في ردود أفعالهم تجاه اهتمام مؤسسة عامة بشأن خاص بالمرأة المسيحية تحديدا,فبينما غلب شعور الامتنان بأن تطرح قضايا الأقباط كجزء من قضايا المصريين جميعا تسلل إلي البعض شعور بالمؤامرة من طرح خصوصيات الأحوال الشخصية للمرأة المسيحية علي مائدة حوار عامة ورأوا أنه بدلا من طرح فكرة قانون موحد للأحوال الشخصية للمصريين جميعا ــ وهي فكرة سبق للمؤسسة طرحها- أن تطرح قانونا موحدا لبناء دور العبادة برهانا علي سلامة النية,وعلي كل الأحوال فقد نجحت عزة سليمان وكريمة كمال في إقصاء نظرية المؤامرة عن الندوة.
إشكاليات
أوضحت الصحفية كريمة كمال أن إشكاليات الأحوال الشخصية تمس الأمن القومي فالبعض ممن تغلق الأبواب أمامهن الحصول علي تصريح زواج من الكنيسة بعد مسيرة طويلة لطلب الطلاق في المحاكم الشرعية قد يلجأ إلي تغيير دينه,وهو أمر مرفوض لنا جميعا وفيه خداع للديانتين, لأنه لا يغير دينه عن اقتناع وإنما لحل مشكلته المتأزمة..وفي ذلك تهديد لأمن الوطن وكلنا يعرف ذلك…ومن هنا دعت إلي إقرار الزواج المدني ليعد مخرجا قانونيا إذا ما تأزمت الأمور واستحال حلها علي اعتبار أنه أفضل بكثير من الوقوع في براثن تغيير الدين مؤكدة أن النسبة الأغلب من ذوي المشاكل في الأحوال الشخصية يحرصون علي مباركة الكنيسة وهذه القاعدة العامة…ولكن ماذا لوتأزمت الأمور ولم يحتملها البشر؟
الكنيسة أساس
ومن هنا أثارت فكرة الزواج المدني جدلا كثيرا بين الحضور ولكن لم تتعد سخونته الحد المقبول للحوار وطرح الآراء المختلفة,وطرح الجدل الدائر حول لائحة 38 التي تطبقها المحاكم الآن ومشروع القانون الموحد للأحوال الشخصية.
وكان هناك شبه إجماع من المشاركين الأقباط برفض فكرة القانون المدني للزواج علي اعتبار أن الصلوات الكنسية ومباركة الكنيسة للزواج هي جزء أساسي وجوهري في الزواج المسيحي وأنه ليس مجرد شكل يمكن الاستغناء عنه ودونه لا تعتبر العلاقة زواجا وإنما معاشرة فقط وكان هناك شبه إجماع علي أن الزواج المسيحي له خصوصياته وفلسفته الخاصة التي لايمكن أن يحكمها قانون مدني عام للأحوال الشخصية ,وأعرب الجميع عن رفض المجتمع أقباطا ومسلمين للزواج المدني.
وهنا أوضح المستشار رمسيس النجار أن الزواج الكنسي يتم في الكنيسة بتصريح منها ونقر بأنه سر من أسرارها المقدسة إلا أن آثاره أو ما يترتب عليه من تنظيم علاقات بين الزوجين وبين الأبناء يخضع للقانون المدني ومشروع القانون الموحد للأحوال الشخصية هو الذي ينظم ذلك وهو ما ندعو إليه,وكان هناك شبه إجماع علي ضرورة إعداد المقبلين علي الزواج كوقاية من تأزم المشكلات الأسرية مستقبلا والفحص الطبي قبل الزواج للحيلولة دون الوقوع في قضايا بطلان الزواج.
الرصيد المتراكم
وتبلورت الأسئلة المطروحة حول أسباب رفض الكنيسة للائحة 1938 وطرحها مشروع قانون موحد للأحوال الشخصية والدور الذي يمكن أن تقوم به الكنيسة إزاء الرصيد المتراكم من قضايا الأحوال الشخصية التي لا تسمح لها بتصريح زواج.
وهنا أوضح القس سرجيوس سرجيوس وكيل المجلس الإكليركي للأحوال الشخصية أن الزواج في المسيحية سر مقدس يتم بواسطة كاهن مشرطن قانوني وأن لائحة 38 اعترض عليها قداسة البابا كيرلس السادس في عام 1955,وقدم مذكرة بذلك علي يد الأنبا شنودة أسقف التعليم آنذاك ثم تقدمت الكنيسة بمشروع قانون موحد للأحوال الشخصية وافقت عليه كل الطوائف وقدم لمجلس الشعب ولم ير النور بعد,أما اللائحة 1938 فقد تم تمريرها آنذاك من علمانيين وليس من الكهنة كما أن تطبيقها في المحاكم العامة ــ وليست الملية ــ بخلفية دينية مختلفة أثبت فشلها وبعدها عن روح الإنجيل.
وأضاف موضحا أن متوسط ما يعرض علي المجلس الإكليريكي من حالات ما بين 600 إلي 800 حالة سنويا ويصرح لحوالي 570 حالة بتصريح زواج سواء لحالات بطلان الزواج أو الزنا وما هو في حكم الزنا,وعندما تطرح علينا الحالة وندرسها ونجد أنها تستحق في حكم الكنيسة تصريحا بالزواج نشير علي صاحبها باللجوء إلي المحكمة للطلاق ثم نعطيه نحن تصريح الزواج بعد حكم المحكمة,هناك مشكلات لا تصل إلي المحاكم وتحل بجهود المشورة والإرشاد الأسري فقط.
الوقاية قبل العلاج
أما نيافة الأنبا بيسنتي أسقف حلوان والمعصرة فأشار إلي أن استقرار المجتمع يقوم علي ثبات الكيان الأسري ويحمي الأبناء من الانحراف وهو ما تسعي الكنيسة إلي التمسك به معتمدة علي أقوال الإنجيل بأن ما يجمعه الله لا يفرقه إنسان,وأن دور الكنيسة يأتي في إرشاد المخطوبين وفي الدورات التي تعقد لهم لأن فسخ ألف خطوبة أفضل من فسخ زيجة واحدة,ثم ما تقدمه الكنيسة من مشورة أسرية ومن حث الناس للسعي وراء المثالية وللتمسك بالمعونة الإلهية أمام ما يقابلها من مشكلات تبدو غر محتملة..أما الذي لا يقدر ولا تعجبه أحكام الكنيسة فليتحمل هو مسئولية نفسه…ودور الكنيسة تجاه الحالات المتأزمة ولا تستطيع الكنيسة إعطاءها تصريحا بالزواج فقد يدفع إلي البحث عن أسلوب لرعايتهم رعاية خاصة مثل الاهتمام بفئات خاصة كالمسنين أو المعاقين أو غيرهم بحيث يجدون رعاية روحية واجتماعية مكثفة تساعدهم علي السمو فوق المتاعب.
وفي النهاية أكدت عزة سليمان أن مؤسسة قضايا المرأة لا تطرح علي الإطلاق تنازل أي أحد عن شريعته بل لم تطرح بديل الزواج المدني,وأعلنت عن تفاؤلها بفتح باب الحوار مع الكنيسة,وأنها ستسعي إلي تفعيل التعاون بين 32 مكتبا لاستشارات الأسرية في المحافظات وبين المطرانيات المختلفة.