أشياء قليلـة فـي الحياة هـي بالأسـود والأبيض, إلا أنه بالنسبة لوسام البدري, فإن الأمور التي تتعلق بحقوق الإنسان, وخاصة تلك التي تتعلق بالمرأة والطفل, لا تترك مجالا للتفاوض.
أشياء قليلـة فـي الحياة هـي بالأسـود والأبيض, إلا أنه بالنسبة لوسام البدري, فإن الأمور التي تتعلق بحقوق الإنسان, وخاصة تلك التي تتعلق بالمرأة والطفل, لا تترك مجالا للتفاوض.
المصور الصحفي العراقي المولد البالغ من العمر 28 عاما, يعتبر ولاية نبراسكا موطنه. ولقد ساعدت تجارب طفولة وسام علي تشكيل وجهات نظره التي لا تلين, وتركت نضالات حياته التي لا يمكن محو أثرها علي فنه في التصوير الفوتوغرافي, الذي يشكل إشادة وثناء علي قوة النساء ومرونتهن.
كان وسام البدري في السابعة من عمره عندما أجبرت حرب الخليج الأولي أسرته علي الهروب من وطنه العراق عام 1991, والبحث عن ملاذ آمن في أحد مخيمات اللجوء. وما زال يتذكر كيف قادته أمه مع إخوته الأربعة عبر طين يصل إلي ركبته إلي أن وجدوا الأمان.
أقام ##وسام## من عام 1991 وحتي 1994 في المخيم حيث عاش في خيمة مع عائلته. ورغم أن ذكرياته عن تلك الفترة محزنة ومحبطة, وهو أمر مفهوم, فإنها رغم ذلك تدعمها ذكريات المصورين الصحفيين الذين حضروا لتصوير اليأس وانعدام الأمل في المخيم عبر عدسات الكاميرا.
##انتابني وأنا أكبر في مخيم اللاجئين شعور متجدد بلطف وشفقة بني البشر عندما شاهدت المصورين الصحفيين يلتقطون صورا تأتي بالمعونة والمساعدة لسكان المخيم اليائسين##, يستذكر وسام البدري. ##بالنسبة لي, كانوا أبطالا عظاما يمثلون الحرية والأمل والإلهام##.
ومثله مثل معظم الأطفال الذين يمجدون أبطالهم, تمني ##وسام البدري لأن يكون مثل المصورين الصحفيين الذين مجدهم.
يقول وسام: ##حصلت علي أول كاميرا وأنا في مخيم اللاجئين, وبدأت ألتقط الصور##, يتذكر وسام البدري. ##كان عمري حوالي تسع سنوات, واستبدلت كيسا من الكرات الزجاجية وثلاثة أشرطة أفلام وقميص جديد بكاميرا 35 ملليمتر بدون أفلام وزوج من حذاء كرة السلة من نوع ريبوك, مع طفل آخر في مخيم اللاجئين##.
انتقلت عائلة البدري عام 1994 إلي مركز لتجميع اللاجئين في مدينة لينكولن بولاية نبراسكا. بعد ذلك بفترة قصيرة, هجر والد ##وسام## العائلة تاركا أمه لتهتم بخمسة أطفال في بلد جديد.
##كنت أكبر إخوتي في الرابعة عشر من عمري, وكان من المفهوم أنه بعد أن غادرنا والدي, أصبحت ##رجل المنزل##, يصف وسام الوضع مفكرا. ##شاهدت كفاح والدتي والضغوطات التي تعرضت لها. شهدت كيف تعلمت كيف تصبح امرأة مستقلة, فحصلت علي رخصة قيادة السيارة وفتحت حسابا بالبنك واستأجرت منزلا##.
يكرس وسام البدري اليوم نفسه لعائلته ولفنه التصويري. يقول وسام متحدثا عن معرض لصوره الفوتوغرافية عن النساء العراقيات اللاجئات, افتتح في شهر أغسطس الماضي: ##أريد أن أظهر أن هؤلاء النساء لسن ضعيفات ومظلومات كما يظهرن في التصوير النمطي من قبل المجتمع, فقد تغلبن علي الصعوبات والحروب والصدمة الثقافية لتنشئة أطفالهن في دول جديدة. تركهن أزواجهن أحيانا, أو قتلوا في العراق, تاركين النساء ليتصرفن كأرباب للعائلات. فقدت النساء الكثير, ولكنهن تمكن من البقاء. سمحت لي شجاعة أمي ومثابرتها ومرونتها أن أبقي وأن أصبح الرجل الذي أنا هو اليوم##.
حصل معرض وسام البدري لصور النساء العراقيات بالأبيض والأسود علي استقبال دافئ واجتذب دعم مجموعات معتبرة مثل منظمة العفو الدولية, واتحاد الحريات المدنية الأمريكي, وهو مجموعة وطنية تدافع عن حقوق الأفراد. وقد أقرت هذه المنظمات عمل وسام البدري وتشاركت بالمعلومات عن معارضه وتبرعت بالأموال لدعم مشروع اللاجئين.
ويضيف وسام البدري: ##استخدمت أفلام الأبيض والأسود كأسلوب رمزي لإظهار أن قضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة وإغاثة اللاجئين هي بالأبيض والأسود, أي أنه يتوجب علي الإنسانية أن تدخل في الموضوع مباشرة وأن تساعد الآخرين المحتاجين##. ورغم أن النساء هن نقطة تركيز الجزء الأول من مشروعه, يركز الجزء الثاني علي المعاناة المستمرة للأطفال العراقيين الذين أصبحوا أيتاما نتيجة للحرب.
##شهدت كطفل يعيش في مخيم للاجئين العديد من الأعمال الوحشية, وهي أمور يمكن أن يصاب بها هؤلاء الأطفال. خضت تجربة الشعور بالفقدان والثوران, والشعور بالضياع والشك, وهي مشاعر كانت سائدة, إلا أن ما أتذكره بشكل كبير هو الشعور القوي بمحاولة البقاء يوما إضافيا واحدا فقط##, يقول وسام البدري حول رغبته بإيصال المأساة اليائسة لهؤلاء الأطفال.
يأمل البدري في نهاية المطاف أن يساعد فنه علي تحدي الصور النمطية وتثقيف المجتمع الدولي حول هذا الواقع. وهو يأمل أيضا أن ييسر فنه الحوار الضروري بين الدول والثقافات ليحركنا قدما نحو تفاهم أكبر وقبولا لبعضنا البعض.
##أعيش أملا في أن أري بني البشر يعاملون بعضهم بعضا كبشر بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الدين##, يقول وسام البدري. لا توجد أطياف رمادية بين الأسود والأبيض هنا.
* زميلة في القانون بمعهد السياسة الاجتماعية والتفاهم – واشنطن
معهد السياسة والتفاهم