في استفتائها السنوي اختارت مجلة التايم تايم رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي بن بيرنانك شخصية العام في 2009, نظرا للجهود الكبيرة التي بذلها لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي من الانهيار بسبب الأزمة المالية التي ضربت الاقتصاد العالمي مؤخرا.
وفي بداية تعريفها لـ##بيرنانك## أكدت أن مظهره وسلوكياته البسيطة لا تنم عن الذكاء الكبير الذي يتمتع به, فهو لا يتبع سلوكيات _ التي تنم عن الفخامة والثراء – الموظفين الكبار ذاتها في العاصمة الأمريكية, وليس له ذلك الحضور الكاريزمي الذي يتمتع به كثير من السياسيين علي الساحة السياسية الأمريكية.
الشخص الأكثر تأثيرا ونفوذا
وصفه مدير تحرير المجلة ريتشارد ستينجل بأنه الرجل الأكثر قوة والأكثر تأثيرا في حياة المواطنين الأمريكيين خلال العام الحالي. وأكد أنه أحد الدارسين العظام للكساد الكبير. وبخبرته المهنية والأكاديمية رأي أن هناك كسادا كبيرا _ في إشارة إلي الأزمة المالية التي ضربت الاقتصاد العالمي مؤخرا – آخر يهدد الاقتصاد العالمي; لذلك بذل قصاري جهده من أجل مواجهة هذه الكارثة, ومنعها من إتيان الآثار المدمرة, كتلك التي شهدها العالم عندما حدث الكساد الأول في ثلاثينيات القرن الماضي, وأضاف ستينجل أن بيرنانك شخصية مثيرة للجدل, فهو شخص جمهوري تم تعيينه في منصبه من جانب الرئيس الديمقراطي.
ويتمتع بن بيرنانك علي حد قول الصحيفة – بحجة ومنطق ليس قائما علي توجهات حزبية أو أيديولوجية, وإنما هي حجج منهجية قائمة علي البيانات والحقائق والأرقام القائمة, لذلك نجد أنه عندما يدرك عدم إلمامه بموضوع ما أو نقطة معينة لا يحاول التظاهر بمعرفتها والاسترسال فيها, وإنما يعترف بعدم إلمامه بها, فهو أستاذ جامعي أمضي جزءا كبيرا من حياته المهنية في مهنة التدريس لذلك ليس غريبا عليه أن يتعامل بهذا المنطق.
وأشارت المقالة التي أعدها مايكل جرونوالد لمجلة التايم إلي أن بنك الاحتياط الفيدرالي هو أكثر المؤسسات أهمية في إطار عملية إدارة الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية. مضيفا أن بنك الاحتياط هو المسئول عن تحديد مستوي عرض النقود في الاقتصاد الأمريكي, وهو بمثابة وكالة حكومية مستقلة تتولي إدارة السياسية المالية الأمريكية, فهو المسئول عن تحديد معدل الفائدة علي المدي القصير, ومن ثم فإن هذه المسئوليات تعني أن البنك له اليد العليا والتأثير الأكبر علي مستويات التضخم ومعدل البطالة, ومدي قوة الدولار في مواجهة العملات الأخري.
سيرة ذاتية حافلة
ولد بيرنانك في ديسمبر عام 1953 في مدينة أوجستا بولاية جورجيا , وتربي في مدينة ديلون في ولاية ثاوث كارولينا, وحصل علي بكالوريوس الاقتصاد من جامعة هارفارد في عام 1975, ونال درجة الدكتوراه في الاقتصاد عام 1979 من معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا.
وتم تعيين بيرنانك في منصبة الحالي في الأول من فبراير عام 2006, كما شغل منصب رئيس اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة. وقبل أن يشغل منصبه الحالي كان رئيسا لمجلس المستشارين الاقتصاديين التابع للرئيس الأمريكي من يونيو 2005 حتي يناير .2006
ولم تكن رئاسة بنك الاحتياط الفيدرالي أول مهمة يشغلها بيرنانك في أفرع وأجهزة البنك المختلفة, حيث شغل بيرنانك قبل ذلك عددا من المناصب المهمة فيه, فشغل عضوية مجلس الحكماء في الفترة من 2002 إلي 2005, وتم تعيينه أستاذا زائرا في عدد من فروع بنك الاحتياط الفيدرالي في كل من فيلادلفيا في الفترة من 1987- 1989, وبوسطن 1989-1990, ونيويورك 1990-1991, وشغل أيضا منصب العضوية في اللجنة الاستشارية الأكاديمية للبنك في نيويورك 1990-.2002
أما بالنسبة لخبرته في المجال الأكاديمي والتدريس, فكانت حافلة بكثير من النجاحات والمناصب الكبيرة التي شغلها في هذا الحقل, فقبل أن يلتحق بجامعة برنستون, عمل أستاذا لتدريس الاقتصاد في جامعة ستانفورد, كما عمل أيضا أستاذا زائرا في جامعة نيويورك, ثم التحق بالتدريس في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا, ثم عمل أستاذا للاقتصاد والشئون العامة في جامعة برنستون منذ عام .1985 ونشر عددا كبيرا من المقالات في كثير من الموضوعات الاقتصادية المهمة, مثل السياسات المالية, والاقتصاد الكلي, كما ألف عددا من الكتب الأكاديمية المهمة في هذه الموضوعات.
خيارات صعبة كانت أمامه
تخصص بيرنانك في دارسة الكساد العظيم الذي ضرب الاقتصاد العالمي في ثلاثينيات القرن الماضي, حيث أدرك تماما أن السلبية الكبيرة التي تعامل بها بنك الاحتياط الفيدرالي آنذاك لعبت دورا كبيرا في تفاقم آثار هذه الأزمة, من خلال الرفض التام من جانب القائمين علي إدارته في ذلك الوقت لضخ مزيد من النقود في الاقتصاد الأمريكي, وبسبب هذه السياسات فإن بيرنانك , أدرك الدروس المستفادة من خبرة الكساد العظيم, لذلك فإنه بمجرد بداية اندلاع الأزمة في سوق العقارات الأمريكية, تم وضع عدد من خطط الإنقاذ والدعم, التي هدفت إلي ضخ تريلونات الدولارات في الاقتصاد الأمريكي, كما عمل علي تخطيط كثير من عمليات الإنقاذ العام لكثير من مؤسسات القطاع الخاص, هذه العمليات منعت انهيار كثير من هذه المؤسسات الكبيرة, كما خفض معدل الفائدة ليصل إلي الصفر. واعتبرت المجلة أن بيرنانك لم يسهم فقط في إعادة صياغة السياسة المالية للولايات المتحدة, ولكنه أيضا لعب دورا حيويا في إنقاذ الاقتصاد العالمي من الآثار السلبية لهذه الأزمة.
وجدير بالذكر أن بيرنانك قبل أن يتولي منصبه الحالي في عهد إدارة الرئيس جورج بوش, لم يكن يمتلك أي خبرة سياسية أو قيادية, فالخبرة السياسية التي حظي بها كانت في مدرسته, حتي إن أصدقاءه لم يكونوا علي علم بانتمائه السياسي إلي الحزب الجمهوري, وانحصرت خبرته القيادية الوحيدة في رئاسته لقسم الاقتصاد في جامعة برنستون, وقد كان يتهكم علي هذه الخبرة القيادية البسيطة بالقول إن القرارات الرئيسة التي كان عليه اتخاذه هو اختيار نوع الحلوي والفطائر المقدمة أثناء انعقاد اجتماعات الكلية, حتي إنه بعد أن تولي مهمة إدارة السياسة المالية الأمريكية باعتباره رئيسا لبنك الاحتياط الفيدرالي, لم يكن يتوقع كل هذه الدراما, ولكن عندما حدثت الأزمة استطاع أن يتعامل معها بنجاح كبير – من وجهة نظر التايم – بمساعدة الخبرة الأكاديمية الكبيرة التي اكتسبها من دراسته لفترة الكساد العظيم.
وعلي جانب آخر استعرضت المجلة عددا من العقبات والآثار السلبية التي خلفتها الأزمة, ومجموعة الخيارات الصعبة التي كان علي بيرنانك الاختيار فيما بينها, فالأداء الاقتصادي تدهور بصورة مخيفة, ومعدل البطالة تعدي في بعض الأحيان مستوي الـ 10%, كما أن العاملين في مؤسسات وول ستريت المالية اتسموا بالجشع, وما يزالون ينفقون ببذخ رغم عدم تحقيقهم لأي تقدم يذكر, بل إن مؤسساتهم ما تزال تعاني كثيرا من الصعوبات المالية والإدارية بسبب الأزمة, وبالرغم من أن الاقتصاد نجح – إلي حد بعيد _ في الخروج من حالة الركود, إلا أن النمو الاقتصادي لايزال ضعيفا إلي حد كبير, وأدرك بيرنانك أن الأمور يمكن أن تصبح أسوأ إذا لم يسرع بنك الاحتياط بالتدخل بالشكل الملائم من أجل وقف هذه الآثار السلبية ومنع حدوث مزيد من التدهور, لذلك كان لابد من التدخل, لأن ترك عديد من المؤسسات الكبري تنهار ستكون له آثار مدمرة علي مستقبل الاقتصاد الأمريكي.
كيف تم اختيار بيرنانك؟
من جانبها قدمت قناة MSNBC تقريرا أعدته لورا تي كوفي أكدت فيه أنه مع حلول شهر سبتمبر 2008 بدأ النظام المالي الأمريكي علي وشك الانهيار; بسبب الأزمة المالية التي بدأت تبعاتها في أسواق الرهن العقاري, وكان هناك شخص واحد يصنع القرارات المتعلقة بإدارة هذه الأزمة, تلك القرارات التي أثرت بصورة كبيرة علي نمط حياة كثير من الأمريكيين.
وأشارت لورا إلي أن عملية الاختيار شهدت كثيرا من المناقشات والجدل بين محرري المجلة والعاملين فيها, وقد دارت المناقشات حول قائمة ضمت عددا من الأسماء اللامعة, التي كانت مرشحة للفوز بهذا اللقب إلي جانب بيرنانك , حيث ضمت القائمة في المرتبة الثانية _ بعد بيرنانك – الجنرال ستانلي ماك كريستال قائد القوات الأمريكية في أفغانستان, وجاء اسمه ضمن هذه القائمة لأنه كان الشخص الأكثر تأثيرا في وضع الاستراتيجية الجديدة في أفغانستان. وفي المرتبة الثالثة جاء العامل الصيني _ كرمز للطبقة العاملة في الصين – اعترافا من المجلة بالتأثير المتزايد الذي أضحي يتمتع به هذا العامل في واحدة من كبري اقتصاديات العالم. وفي المرتبة الرابعة جاءت الديمقراطية نانسي بلوسي رئيسة مجلس النواب. وفي المرتبة الخامسة جاء العداء الجامايكي أوسان بولت كما ضمت القائمة أيضا عددا من المنافسين الآخرين كان علي رأسهم الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما, والذي كان قد فاز بهذا اللقب في عام .2008
تقرير واشنطن