رغم رحيل الدكتور نصر حامد أبو زيد عن عمر 67 عاما, إلا أن أفكاره لم تمت, هكذا قال عدد كبير من المثقفين والحقوقيين ونشطاء المجتمع المدني, وطالبوا بتخليد ذكري رحيل الدكتور أبو زيد الذي وافته المنية يوم 5 يوليو الجاري من خلال إعادة إنتاج كتبه ومؤلفاته بأسعار مناسبة, وإجراء مزيد من الحلقات النقاشية حول أفكاره, والتي دفع بسببها ثمنا غاليا بعد أن كفرته بعض القوي, وحاولت التفريق بينه وبين زوجته.
دعا عدد كبير من المهتمين بمعالجة قضايا المجتمع بإعادة طرح أفكاره, وإجراء مزيد من الحوارات حولها, خاصة وأنه يعد من أبرز المفكرين في تاريخ مصر المعاصر, واحترمه الغرب وقدره واحتضنه, في حين عاني كثيرا وسط أهله.
في هذه السطور يقدم بعض المثقفين ونشطاء حقوق الإنسان روشتة للتعامل مع أفكار الدكتور أبو زيد.
واجه الفكر السلفي
قال الدكتور منير مجاهد رئيس جماعة مصريون ضد التمييز الديني: شرفت بمقابلة الدكتور نصر حامد أبو زيد, وفي إحدي المرات قال إنه يحزنه أن أغلب الناس المعارضه له, وأغلب الناس المؤيدة له لم تقرأ كتبه, وأنه تم استخدامه في المواجهة بين السلفيين وأصحاب الفكر التقدمي, والمهم هنا هو إعادة مناقشة هذه الكتب التي ستقوم بتخليد ذكراه بشكل دائم لأنه يعد من أبرز المفكرين في تاريخ مصر المعاصر.
أوضح د. مجاهد: ما قاله الدكتور نصر حامد يعد فهما للنص للتكيف مع الواقع, كما عمل علي إصدار العديد من الكتب المهمة التي تعالج بعض المشكلات في المجتمع, ويوضح العديد من الأمور, حتي يكون الفرد علي بينة من الحقيقة, وساهم بجهد كبير في مواجهة الفكر السلفي, وكان يؤمن بحرية الرأي والتعبير, ورغم الحرب التي أثيرت ضده إلا أنه لم ييأس أو يتراجع, ومضي في المطالبة بهذه الأفكار ولم يكن يخشي أحدا.
أضاف: أدعو المفكرين والمثقفين إلي إعادة طرح الأفكار التي نادي بها الدكتور نصر أبو زيد, وعليهم أن يعيدوا مناقشتها, خاصة وأن الأسلوب الذي كتب به الدكتور أبو زيد ليس سهلا, وبالتالي لا يمكن لكل الفئات أن تأخذ ما كتبه بزاوية واحدة, ومن ثم من المهم أن يقوم المفكرون والمثقفون بعملية التنوير, حتي يكون المجتمع مؤهلا للتعرف علي هذه الأفكار والحفاظ عليها.
وعن قضايا الحسبة وما تحمله الدكتور أبو زيد, قال الدكتور مجاهد: قضايا الحسبة أسلوب غير مقبول لإرهاب المفكرين, فليس كل فكر مخالف هو كافر, ولابد من نشر حرية الرأي والتعبير في المجتمع, كي يتم طرح كل الآراء والأفكار, والفكر لا يتم الرد عليه إلا بالفكر, والكتاب لا يجب مصادرته أو منعه من التداول, وإنما لابد أن يكون الرد بإصدار كتاب آخر, حتي تكون كل الأفكار متداولة, وعلي الفرد اختيار ما يتفق مع أفكاره ومبادئه, ومنذ قضية الدكتور أبو زيد, والنيابة العامة هي التي تحرك قضايا الحسبة, بعد أن كان ينفرد بها أشخاص ليس لديهم مصلحة سوي الشهرة فقط.
ومن المهم أن يتقدم المؤمنون بحرية الرأي والتعبير الصفوف, وتحمل أي نتائج لهذا الأمر, فالتغيير لن يحدث في لحظة, ولابد أن يكون هناك إيمان بما يقومون به, حتي ينعكس ذلك علي المجتمع بصورة إيجابية, والعمل علي مواجهة الأفكار الظلامية.
نقد الخطاب المديني
من جانبه قال حمدي الأسيوطي المحامي وأمين الحريات بحزب التجمع: الدكتور نصر أبو زيد علامة فارقة في الفكر التنويري, وما قدمه من أفكار ومؤلفات يسخلدها التاريخ لما جاء بها من أفكار تقدمية سبقت عصره, وعبرت عن المشكلات الموجودة, وطرح طرق العلاج, ولم يكن يخشي أحدا, فالمهم هو الحفاظ علي سلامة المجتمع ونشر الأفكار الإصلاحية ومحاصرة الأفكار الظلامية, حتي دفع ثمن ذلك عبر حكم قضائي يفرق بينه وبين زوجته, واضطر أن يعيش خارج مصر لسنوات قبل أن يعود, ومع ذلك لم يتراجع عن أفكاره إطلاقا.
الدكتور نصر أبو زيد لم يكن يملك سلاحا , وإنما كان يعبر عما بداخله بالقلم والفكر, كان يواجه الأفكار الظلامية بالفكر, عمل علي نقد الخطاب الديني بشكل حاسم, لم يكن يخشي أحدا في سبيل مواجهة الأفكار المتشددة, كان ينشر فكرا, وإذا كان الدكتور نصر أبو زيد رحل بجسده, إلا أن أفكاره باقية, وأصدقاءه وتلاميذه سيعملون علي نشرها, ومواجهة أي انحسار لها, لأن ما فعله الدكتور أبو زيد يضعه في صفوف المفكرين العظماء الذين قدموا إسهاما واضحا للمجتمع, وأعمالهم لا تزال موجودة, مثل الإمام محمد عبده, والأفغاني, وطه حسين وآخرين.
أضاف الأسيوطي: أدعو لإعادة طباعة أعمال ومؤلفات الدكتور أبو زيد وبأسعار مناسبة, حتي تكون متاحة لجميع الفئات والطبقات, وأن يتم إعادة النقاش حول هذه الأفكار, وفي حال القيام بذلك سيشعر الكثيرون ممن كانوا يختلفون مع الدكتور أبو زيد أنهم فقدوا شخصا وفكرا وعلما, وأنه تم إجباره علي الحياة خارج مصر, ونظرا لمعرفة الغرب بقيمة أبو زيد احتضنه الغرب وكرمه ومنحه العديد من الجوائز والأوسمة, وهو ما يؤكد المقولة لاكرامة لنبي في وطنه.
الدولة لم تأخذ موقفا إيجابيا من الدكتور أبو زيد حتي لا تخسر من مناطحة الأصوليين والمتشددين, وبالرغم من ذلك لم يتراجع الدكتور أبو زيد حتي الموت عن هذه الأفكار, وإنما عمل علي الترويج لها في كل مكان, وهو ما ساعد علي انتشار الأفكار بشكل ملحوظ, وستظل هذه القضية مسجلة في التاريخ علي ما تم عمله في حق نصر أبو زيد لمجرد الاختلاف مع رأيه, وهذه الأفكار التقدمية يواجهها أصحاب الفكر المتخلف لعدم قدرتهم علي تحمل هذه الأفكار, ويصرون علي النظرة السلبية للمرأة واعتبارها عورة ولا ينظرون علي إنسانيتها, ولا يدركون أهمية حرية التعبير, وغيرها من الأمور التي تحدث عنها أبو زيد.
هذا وهناك ندوة لتأبين الدكتور نصر أبو زيد في حزب التجمع سوف تعقد خلال أيام, من أجل مناقشة بعض أفكاره علي يد أصدقائه وتلاميذه, والإسهام في إعادة نشر هذه الأفكار من جديد.
فتح باب الاجتهاد
وفي هذا السياق قال معتز الفجيري المدير التنفيذي لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: الدكتور نصر حامد أبو زيد قدم مساهمات غاية في الأهمية لفتح باب التفكير من جديد في التراث الإسلامي والاجتهاد في النص, خاصة وأن هناك قناعة بالفكر الموجود ولا توجد أي رغبة في التجديد, وبغض النظر عن هذه الأفكار, ولكن المهم هو إعادة طرح كل الأفكار حتي يناقشها المجتمع من جديد.
أشار الفجيري: نأسف لاهتمام الغرب بأفكار الدكتور أبو زيد وتم فتح العديد من القنوات له للتعبير عنها, في حين تم محاصرته في مصر, ولم يكن قادرا بشكل كامل عن إبداء كل ما يؤمن به, حتي اضطر للهجرة خارج مصر لفترة قبل أن يعود من جديد, واستفاد الدكتور أبو زيد من مناخ الغرب الذي يحترم حرية الرأي والتعبير, ولذلك أبدع وتمكن من إصدار العديد من المؤلفات المهمة.
إن الدكتور نصر أبو زيد مثل عبد الله النعيم وجمال البنا, يقومون بدور تنويري في الاجتهاد في النص بما يتناسب مع العصر, وهناك حرية كاملة في الاستفادة من الفكر في تجديد التراث والتكيف مع المجتمع في ظل الظروف الحالية, ولن يتم مسايرة الديموقراطية وقبول الآخر وحرية العقيدة دون تجديد التراث الديني, وعدم التمسك بالأفكار القديمة, ولابد أن يتم تغليب العصر الراهن علي الفترة التي ظهر فيها التراث.
وقال الفجيري: الدكتور أبو زيد فتح باب الاجتهاد من جديد, وساهم بشكل كبير في هذا الأمر, وله تلاميذفي مصر, وباكستان, وأندونيسيا, ومن أجل التمسك بهذه الأفكار لابد من صد كل السهام الموجهة ضدها, وأهمية فتح المجال أمام أصدقائه وتلاميذه لتغذية المجتمع بهذه الأفكار, وعدم حرمان الأجيال القادمة من النهل منها.
للأسف هناك قيود عديدة في المجتمع جعلت عددا كبيرا من المفكرين يعيشون خارج مصر, ودور المنظمات الحقوقية هو الدفاع عن حرية الرأي والتعبير, وكفالة مناخ حر للتفكير, ولكل صاحب فكر حرية التعبير عنه, والعمل علي إعادة العقول المهاجرة حتي يستفيد منها المجتمع, وأن تمتلئ المكتبات المصرية بهذه الأفكار والمؤلفات.
وعن قضايا الحسبة قال: الحسبة ستظل موجودة, طالما أن التشريعات تساعد علي ذلك, وأسلمة المجتمع تجعل التيار المحافظ يهيمن علي كل الأفكار ويحارب الأفكار الجديدة, ولذلك لا يمكن أن تتبني الدولة دينا معينا, ولكن المجتمع لديه الدين, والدولة عليها أن تكون علي الحياد, ولابد أن تتسع لكل العقائد والأفكار, لأنه ليس مطلوبا التحول إلي الدولة الدينية, والخطورة إنه في ضوء المادة الثانية من الدستور يمكنها أن تحول مصر إلي دولة دينية في حال ظهورر قوي متشددة تؤثر علي المجتمع تجرفه إلي ذلك.
ثقافة قبول الآخر
من ناحية أخري قال شريف هلالي رئيس المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني: الدكتور نصر أبو زيد قامة كبيرة في تاريخ مصر المعاصر, ولتخليد ذكراه لابد من الاجتهاد من جديد فيما دعا إليه, وكل من اختلف معه عليه أن يتحاور, ويمكن أيضا تخصيص جائزة تحمل اسمه, وأن تبادر جامعة القاهرة بطرح هذه الجائزة باعتبار أنه كان مدرسا بها, وكذلك يمكن تنظيم ندوة لمناقشة هذه الأفكار.
أوضح هلالي: الدكتور نصر أبو زيد ومؤلفاته لم تحظ بمناقشة واسعة, وتحولت قضيته إلي صراع فكري بين فريقين دون التمعن في الأمر, وتحولت القضية إلي أمور فرعية كثيرة, ومن ثم لابد من إعادة مناقشة هذا الأمر من جديد, ويمكن أيضا دعوة طلاب الفلسفة بعمل رسائل ماجستير أو دكتوراه عن أفكار الدكتور أبو زيد, وهذا يتطلب إرادة حتي لا يصطدم الفرد بالأفكار المانعة ويتم حرمانه من تسجيل هذه الأفكار.
ورغم تغير قانون المرافعات, إلا أن قضايا الحسبة منتشرة, ومن ثم لابد من عمل تعديل قانوني, وأن يكون هناك صاحب مصلحة, حتي لا يقوم أي فرد برفع دعاوي علي الكتب والشعر والإبداع, حق التقاضي مكفول, ولكن ليس من المقبول أن يتم رفع الدعاوي بشكل مبالغ فيه.
نوه هلالي: هناك أهمية لنشر ثقافة قبول الآخر والمساواة وعدم التمييز, ومواجهة الأفكار الظلامية, وأن يساهم الإعلام في هذا العمل التنويري من أجل مستقبل المجتمع, ولابد من دور للأحزاب بأن يكون لها موقف واضح, وعلي الأحزاب وخاصة الليبرالية منها الحفاظ علي حرية المجتمع, والدفاع عن حرية الرأي والتعبير, وأن تجذب الأحزاب الشارع للدفاع عن منظومة حرية الرأي والتعبير.
دعا هلالي: وزارة الثقافة لابد أن يكون لها دور إيجابي في نشر الأفكار التقدمية, وعدم الاكتراث بهجوم المتشددين, ولابد من نشر مؤلفات الدكتور نصر أبو زيد, وإعطاء ثقة للمجتمع بالدفاع عن الأفكار الليبرالية والمناهضة للتشدد.
نشر كل الأفكار
من جانب آخر قال الدكتور ضياء رشوان الباحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام: أنا أختلف مع بعض أفكار الدكتور نصر أبو زيد, ولكن لا مانع من إعادة طرح الأفكار التي طالب بها كما كتبها, حتي يمكن إعادة الحوار حولها, والاستفادة من النقاش الجاد حول هذه الأفكار.
وشدد د. ضياء: الدولة عليها أن تقوم بالسماح لكل الأفكار بالانتشار, وأن لا تتحمس لفكر علي حساب آخر, ووزارة الثقافة مطالبة بالسير في هذا النهج بنشر كل الأفكار وتبنيها, والمجتمع عليه الانجذاب لما يتناسب معه.
المجتمع يعاني من مشكلات عديدة, والدولة تعتبر الحراك الثقافي, أو المناقشات حول الأفكار ونوعا من الرفاهية لا يمكن الحديث عنه في المرحلة الراهنة.