دعا حقوقيون ونشطاء في العمل المدني إلي أهمية مواجهة الاحتقان الطائفي في المجتمع, وضرورة تعاون أجهزة الدولة مع الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية في تقديم حلول فورية وعاجلة لإنقاذ المجتمع من شبح الطائفية, خاصة وأن استمرار اندلاع جرائم العنف الطائفي بدون رادع ينذر بكوارث عديدة لن يتمكن المجتمع من التعامل معها بعد ذلك, كما طالبوا بتقديم الجناة في الجرائم الطائفية إلي المحاكمة العاجلة وتغليظ العقوبة لمنع تكرار مثل هذه الجرائم التي تهدد المجتمع..
جاء ذلك في الندوة التي نظمها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان تحت عنوان## بعد الجريمة الطائفية في نجع حمادي… ما الذي يجب عمله لمنع مذبحة جديدة؟##.
في البداية قال بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن تصريحات الرئيس مبارك الأخيرة بشأن تطوير الخطاب الديني وتقديم خطاب مستنير عقب جريمة نجع حمادي, تعد من التوصيات التي سبق أن قدمها جمال العطيفي في تقريره الشهير في سبعينيات القرن الماضي, ولو كانت هناك استجابة حقيقية لهذا التقرير الذي صدر عن لجنة برلمانية بعد حادث الخانكة عام 1971, لما شهدت مصر كل هذا الاحتقان الطائفي, ولا هذا العدد من الجرائم الطائفية التي شهدها المجتمع في الـ 39 سنة الأخيرة, مشيرا إلي أن معظم أفكار العنف والتشدد يصدر الكثير منها من مؤسسات تابعة للدولة, ويمكن لرئيس الجمهورية محاسبة المسئولين عن هذه المؤسسات , فعلي سبيل المثال أصدرت وزارة الأوقاف كتابا أساء للمسيحية, ثم وزعت مشيخة الأزهر مع مجلتها التي تصدر شهريا كتاب أساء للمسيحية أيضا قبل أن يتم سحبه من الأسواق بعد أن نفدت الكمية المطبوعة, وهي كلها تصريحات بعض من كل, فلا يزال هناك العديد من التوصيات التي بحاجة إلي أن تخرج للنور.
أبدي حسن دهشته من عدم محاكمة أي فرد في جرائم الاعتداء علي الأقباط خلال 2009, ولم يتم إلقاء القبض علي المجرمين, وهو ما دعا البعض إلي استمرار ما يقومون به لعدم وجود من يردعهم ويمنعهم من القيام بهذه الجرائم, وبالتالي هناك حاجة مهمة وملحة لتطبيق القانون علي الجناة, وتغليظ العقوبات لعدم تكرار مثل هذه الجرائم, مطالبا بأهمية البحث عن حلول فورية وعاجلة لمواجهة الاحتقان الطائفي المنتشر في المجتمع, وأن تتقدم الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بحلول قابلة للتطبيق علي أرض الواقع, وأن تقوم الحكومة بتنفيذها بشكل عاجل.
من جانبه أكد جورج إسحق منسق حركة كفاية الأسبق أن الوضع في قنا خطير, وأن مصر ##مش بخير##, فما حدث في نجع حمادي لا يستطيع الإنسان وصفه, والأهالي هناك وخاصة الأقباط منهم يعيشون في حالة رعب, ومنازلهم أبوابها مغلقة بالسلاسل الحديدية, ومع ذلك يشعرون بالخوف والقلق, وعلي الرغم من الانتشار الأمني الملحوظ, إلا إنه غير كاف لإعادة الأمور إلي هدوئها, مشددا علي أهمية حل المشكلة من جذورها, والتعامل مع جريمة نجع حمادي بحزم, ليس من أجل الأقباط وحدهم, وإنما من أجل مصر ومستقبلها.
جريمة حكومية
وفي هذا الإطار أوضح الدكتور وليم ويصا الكاتب والناشط الحقوقي أهمية الاستفادة من جريمة نجع حمادي في وضع خطة عمل تنفذها كل الجهات المعنية, سواء أجهزة الدولة أو الإعلام أو مؤسسات المجتمع المدني, خاصة وأن الحكومة لو كانت أحسنت التعامل مع جريمة الكشح التي وصفها بأنها ##جريمة حكومية## وليست جريمة أفراد , لما شهد المجتمع كل هذه الجرائم, وإنما التعامل السلبي معها ساعد علي تكرارها, ولو كان الإعلام تعامل جيدا مع جريمة نجع حمادي لكان هناك رأي واع ومستنير في المجتمع يمنع حدوث أي جرائم ضد الأقباط.
أبدي د. ويصا دهشته من عدم زيارة الرئيس مبارك لموقع الجريمة في نجع حمادي, رغم إنه سبق أن زار موقع جريمة الأقصر عام 1997, وأقال حينها وزير الداخلية وقيادات الأمن في الأقصر لتقصيرهم في القيام بدورهم ,وتساءل بقوله: هل دم المصريين أرخص من دم الأجانب؟ ولماذا لم يتم إقالة المقصرين في نجع حمادي؟
الحل في الشارع
وشدد الدكتور محمد منير مجاهد منسق جماعة##مصريون ضد التمييز الديني## علي أهمية البدء بخطوات عاجلة لتوكيد المواطنة عمليا, وأن يتم مواجهة الاحتقان الطائفي من خلال الشارع وعدم الاكتفاء بعقد الندوات والمؤتمرات وإصدار الكتب والدراسات, وإنما تزايد وتيرة حوادث العنف الطائفي يعجل من ضرورة دمج الشارع في حركات التغيير والإصلاح, وأن يتم تعديل خطاب الشارع في التعامل مع القضايا الوطنية, وأن تقوم الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني بلعب دور إيجابي خلال الفترة المقبلة, لأن الأمور تتفاقم بشكل ملحوظ.
القبضة الأمنية
ودعا الدكتور عصام العريان عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين إلي انتزاع الملف القبطي من القبضة الأمنية, وأن يقوم المجتمع بحله من خلال توزيع الأدوار بين الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني, وعلي الأغلبية المسلمة في المجتمع أن تبحث عن حقوق الأقباط, وأن تناضل كل التيارات في المجتمع من أجل ذلك, خاصة وأن حل هذا الملف من شأنه أن يساعد علي مواجهة العديد من المشكلات الأخري, فكل المصريين مواطنون يعيشون في وطن واحد, ولا يمكن التفرقة بينهم.
أشار هاني نسيرة مدير وحدة البحوث بمركز المسبار للبحوث والدراسات إلي أهمية حل الاحتقان الطائفي في المجتمع من خلال اشتراك القوي السياسية وأجهزة الدولة, ولا يمكن إلقاء عبء تعديل الأوضاع علي الدولة فقط, بل هناك أهمية مشتركة في العمل بشكل تعاوني, وعدم الانفراد بتقديم الحلول أو التنفيذ, فالأمن وحده لن يستطيع التعامل مع هذا الملف, والنخبة المصرية لها رصيد كبير من العمل الجاد, ونجحت في إنقاذ الوطن من العديد من المشكلات والفتن, وضرورة استلهام ما قامت به النخبة المصرية في علاج المشكلة الحالية حتي لا يصبح الملف غير قابل للحل.
تأسلم الشارع
وأوضح الدكتور كمال مغيث الأستاذ التربوي أن هناك أهمية لمواجهة حالات التأسلم في الشارع, وانتشاله من الفتاوي المتشددة , والعمل علي نشر قيم التسامح وقبول الآخر, والبحث عن مشروع وطني يلتف حوله المجتمع, ومعالجة الاحتقان الطائفي في المجتمع بشفافية تامة, وإنهاء القبضة الأمنية علي الملف القبطي لأنه يهم المجتمع ككل, ولا يقتصر علي الأقباط فقط.
عنف ديني
واختلف القس رفعت فكري راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف بشبرا مع من يصف الجرائم الأخيرة بأنها حوادث عنف , أو عنف طائفي, وإنما ما يحدث في مصر هو عنف ديني, ومن لا يعترف بهذا المصطلح لا يريد حل المشكلة ويتهرب منها, ومن يبحث عن مبرر لكل الجرائم الأخيرة فهو لا يريد حل المشكلة, وإنما يبحث عن الهروب, مشيرا إلي أن هناك تحريضا علي ارتكاب هذه الجرائم من عدة جهات, فهناك فتاوي تعمل علي تكريس التمييز الديني في المجتمع, ونشر التشدد والعنف ومقاومة التسامح وقبول الآخر, وبالتالي هناك حاجة للتعامل مع من ينشر الفتنة في المجتمع ويعززه.
نوه فكري إلي أن الأقباط يتم منعهم من بناء الكنائس عبر الخط الهمايوني وقرارات العزبي باشا, والآن هناك قيود جديدة تم وضعها لمنع بناء الكنائس, وهذه القيود تتمثل في الغضب الشعبي الذي يحدث حينما يصل إلي مسامع البعض بأن الأقباط يقومون ببناء كنيسة, سواء بترخيص أو بدون ترخيص, وتبرع مجموعة من المواطنين العاديين إلي القيام بدور الأجهزة الأمنية ومنع الأقباط من بناء دور عبادة لهم والاعتداء عليهم وتدمير منازل وممتلكات الأقباط وسرقتها ثم حرقها!
تواطؤ أمني
وقدم إسحق إبراهيم مسئول برنامج حرية الدين بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية شهادته حول زيارته لنجع حمادي, ولخص فيها معاناة الأقباط قبل وبعد جريمة ليلة عيد الميلاد, والتواطؤ الأمني الذي كان ملحوظا في نجع حمادي, ومع ذلك لم تستطع قوات الشرطة منع حدوث الجريمة, مشيرا إلي أن ما بعد إطلاق النار حدثت بعض الأمور الغريبة أيام7, 8 يناير,9 يناير , والعديد من الاستفزازات التي تعرض لها أهالي الضحايا, والأقباط عامة, بالإضافة إلي العديد من الشائعات, وهي الأمور التي كانت تؤدي إلي نتائج عكسية ساهمت في زيادة الاحتقان.
نوه إبراهيم إلي خطورة عدم فتح ملف تعويضات المتضررين من جرائم الاعتداءات علي الأقباط, خاصة وبعد الاعتداء علي منازل وممتلكات الأقباط في فرشوط لم تصرف الدولة أي تعويضات إلا بعد اندلاع جريمة نجع حمادي, رغم المحاولات المستمرة من جانب أطراف عديدة لحل المشكلة, خاصة وأن استمرار الأوضاع علي ما هي عليه تتسبب في زيادة الاحتقان, وتعمل علي تحفيز المجرمين علي تكرار جرائمهم, ومن ثم يعيش المجتمع في غابة ويتم تنحية القانون.