في بداية الخمسينيات,ونحن ندرس في الجامعة كان لابد من أن نتدرب علي العمل الصحفي.ومن ضمن الأماكن التي تدربت فيها مجلة التحرير.وهي مجلة أنشأتها ثورة يوليو وأشرف عليها أستاذنا محمد صبيح-رحمه الله- وفي هذه المجلة قمت بعمل تحقيق صحفي عن حالة ما يدور في وزارة العدل والتي كان يرأسها الوزير أحمد حسني,رافقني مصور كبير أخفي الكاميرا بين ملابسه وذهبنا إلي إحدي المحاكم وتسللنا بين أروقتها من حجرة إلي حجرة وفوق السطوح,ورأينا العجب بالصورمجلدات مربوطة تحوي مئات القضايا ملقاة فوق السطح في العراء تحت حر الشمس والمطر,وحجرات صغيرة يتكدس فيها موظفون وعاملون.حتي دورات المياه يشغل أجزاء منها أفراد يعملون,وعلي سلالم المحكمة وأمامها يجلس كتبة العرائض وعدد من المحضرين وأفراد من الشعب يستغيثون بالمحضرين لأن إعلانات القضايا المرفوعة ضدهم أو منهم ضد آخرين لم تصلهم.والمحضرون يؤكدون عكس ذلك.وبجوار هؤلاء المحضرين وقفت استمع لأنواع من الشكاوي,وأدركت أن هناك بعضهم للأسف لا يؤدون عملهم بشكل صحيح وأمين وأن هناك مافيا تعمل لحسابها الخاص وتتكسب.إن عشرات القضايا تنتقل في أروقة المحاكم لسنوات طويلة دون البت فيها بسبب ما يفعله بعض المحضرين.
كتبت كل ذلك ونشرته مجلة التحرير,وهي مجلة الثورة,وكان رئيس تحريرها في ذلك الوقت لواء من رجال الثورة,وعنوان الموضوع الذي كتبته بحماس شديدمطلوب من وزير العدل أن يتكلمولكن رئيس التحرير غير العنوان إليهل هذا يرضيك يا وزير العدل؟!.وحصلت علي مكافأة مجزية,بينما ثار المحضرون علي الاتهامات التي وجهت لهم وهددوا باللجوء إلي القضاء.
عاد ذلك إلي ذاكرتي وأنا أقرأ بشكل دائم الشكوي المرة مما يفعله بعض المحضرين بإعلانات القضايا,وما يتسببون بذلك من تعطيل مصالح المواطنين.
إذن كل شئ مازال علي حاله منذ أكثر من خمسين عاما.مازالت الأمور كما كانت ومازالت الشكوي قائمة.والسلوك مستمر.لم نتقدم خطوة.ولم تتغير الطرق الملتوية أو نقضي عليها.ومازال المواطن يعاني ويحأر بالشكوي ولا مغيث.