وصلت درجات الحرارة إلي ذروتها أيام عديدة متتالية ودرجات الحرارة تلهب الناس. المراوح في كل مكان في البيوت وأجهزة التكييف تعمل ليل نهار وعندما تنقطع الكهرباء يذوب الناس عذابا في انتظار رحمة الله ورحمة وزارة الكهرباء. وهناك أفراد لا يتحملون شدة الحر وتنتهي حياتهم. الصغار وكبار السن والمرضي بأمراض مزمنة, ويتطلع الناس إلي الأرصاد الجوية في انتظار خبر صار عن انتهاء الموجة الحارة وانكسار درجات الحرارة.
في لحظات وأنا بجوار جهاز التكييف وجدت نفسي أتذكر أيام الطفولة في تلك القرية الصغيرة إحدي قري مدينة المنيا, في هذه القرية عشت طفولتي سنوات قبل الالتحاق بالمدرسة, كنا أنا وإخوتي الأكبر عندما نشعر بالحر يسمح لنا الأب أن ننزل من البيت ونذهب إلي شارع البحر كما كنا نسميه هو شارع مطل علي نهر النيل نتمشي بطول الشارع مرات ومرات نتنفس نسمات العصاري المعطرة برائحة الحقول من حولنا من كل جانب حول القمح والذرة والبرسيم والقطن وجناين الفواكه بأنواعها المتعددة, وعندما نقترب من بيوت كبراء القرية فنشتم رائحة الياسمين والورد والفل, ونتخيل أنفسنا في الجنة, كنا نحاول في هذه الفسحة اليومية أن نبقي أكثر وقتا ممكنا في هذا المكان الجميل. ولكننا لا نستطيع أن نتمادي إلي أن تحل الغمة ويأتي الليل. وإذا حدث ذلك كانت العقدة في الحرمان من النزول إلي الشارع والتنزه علي شاطئ النيل, والحقيقة أن هذه النزهة كانت حلمنا اليومي طوال أيام الصيف, حرمتنا الحقيقة والتي نعود بعدها لنأوي إلي فراشنا راضين. لقد حرمنا من نسمة العصاري, ومن هذه الرحلة اليومية ومن الجو الجميل وانتقلنا إلي القاهرة المدينة الخانقة بكل ما تعنيه الكلمة. الشوارع معظمها خال من الخضرة والشجر ودخان السيارات ووسائل المواصلات تقدم لنا الدخان والعادم والهواء الملوث بالتراب والروائح الكريهة مع حرارة الجو الخانقة تحت رحمة هواء المراوح والتكييفات وعدم القدرة علي التنفس والاسترخاء في النهار والليل وكل الأوقات. نتمني أن نقضي أياما في الريف المصري بعيدا عن اختناق بيوت وشوارع العاصمة.