بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين
نقرأ من الفصل الثالث من رسالة القديس بولس الرسول إلي كنيسة كولوسي, خصوصا ونحن في فترة الخمسين المقدسة ودائما نركز علي النظر إلي قيامة المسيح.
فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله, اهتموا بما فوق لا بما علي الأرض, لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله, متي أظهر المسيح حياتنا فحينئذ تظهرون أنتم أيضا معه في المجد, فأميتوا أعضاءكم التي علي الأرض. (هنا فعل الإماتة الإرادية,أميتوا كما نقول في قطع الصلواتآمنت حواسنا الجسمانية, الإماتة هنا فعل إرادي لا بمعني أن الإنسان يقتل نفسه فأميتوا أعضاءكم التي علي الأرض, الزنا, النجاسة, الهوي, الشهوة الرديئة, الطمع الذي هو عبادة الأوثان, الأمور التي من أجلها يأتي غضب الله علي أبناء المعصية, الذين بينهم أنتم أيضا سلكتم قبلا حين كنتم تعيشون فيها, وأما الآن فاطرحوا عنكم أنتم أيضا الكل(ما هو الكل؟) الغضب , السخط, الخبث, التجديف, الكلام القبيح من أفواهكم, لا تكذبوا بعضكم علي بعض,إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه,حيث ليس يوناني ويهودي, ختان وغرلة, بربري, سكيثي, عبد حر بل المسيح الكل في الكل, فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين, أحشاء رأفات ولطفا وتواضعا ووداعة وطول أناة, محتملين بعضكم بعضا,ومسامحين بعضكم بعضا, إن كان لأحد علي أحد شكوي,كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضا, وعلي جميع هذه, البسوا المحبة التي هي رباط الكمال, وليملك في قلوبكم سلام الله الذي إليه دعيتم في جسد واحد,وكونوا شاكرين.لتسكن فيكم كلمة المسيح بغني وأنتم بكل حكمة معلمون ومنذرون بعضكم بعضا بمزامير وتسابيح وأغان روحية بنعمة مترنمين في قلوبكم للرب,وكل ما عملتم بقول أو بفعل فاعملوا الكل باسم الرب يسوع شاكرين الله والآب بهنعمة الله الآب فلتحل علي أرواحنا جميعا.
في الحقيقة أنا في مثل هذا اليوم, تزدحم فينا المشاعر والإحساسات والأفكار. إنما مهما يكن من أمر فإننا نخضع كل هذه المشاعر والإحساسات والوجدانات لروح التسليم والتوكل علي الله, الذي أقنعنا بأن الدعوة كانت منه. وأنه علي الرغم من المحاولات الإنسانية للاعتذار عن قبول هذه الدعوة, فإن اليد العليا كانت أقوي من كل منطق, ومن كل الحسابات ومن كل الهندسيات ومن كل الأفكار.
ولذلك يبقي دائما عندنا الإحساس كما قال النبي داودوضعت يدي علي فمي لأنك أنت فعلت وهذا التعبير صادق,للإنسان الذي يتعامل مع الله,وضعت يدي علي فمي, لأن الفم هو الذي يعبر به الإنسان عما يجيش في نفسه, لكن في بعض الأحيان يكون الموقف أصعب من أن يستطيع اللسان أن يعبر, وربما يكون الإنسان بالتعبير سيقول كلاما, ولكن هناك وسائل فيها نوع آخر من المنطق الذي يعلو علي كل فكر,فيضطر الإنسان في مثل هذه الحالات أنه يخرس لسانه ويوقف تعبيره ويترك الله أن يعمل.
ولله وسائله خصوصا للنفس البشرية التي سلمت له الحياة,الله له طرائقه التي تعلو علي أفكار البشر التي يبرهن بها علي إرادته وعلي مشيئته, خصوصا فيما يتصل بدعوة الكهنوت, هناك تعبير يقول الرسول:لا يأخذ هذه أحد الكرامة لنفسه بل المدعو من الله كما هرون أيضا.يكتبونها أحيانا هذه الوظيفة إنما في الهامش يكتبونالكرامة لأن الكلمة اليونانية(تيمي) وتيمي معناها الكرامة, الكهنوت ليس وظيفة مثل الوظائف الأخري,وإذا كانت وظيفة فهي وظيفة إلهية, لا يأخذ أحد هذه الكرامة لنفسه أي ممنوع في بيت الله أن الإنسان يدعو نفسه, مهما كان اقتناعه بنفسه لا يقحم نفسه. واحد من القديسين يصوغ هذا التعبير الإنجيلي بأسلوب آخر فيقول:إن من تجاسر وصار كاهنا من غير أن يدعوه الله يهلك.
أريد أن أقول إن الإنسان لابد أن يطمئن,إلي أن الله هو الذي دعاه, وفي بعض الأحيان تحدث وقائع فيها يستعفي الإنسان من أن يأخذ هذه المسئولية, ولكن يلتفت يمينا أو شمالا ويجد أحداثا تلزمه إلزاما بصورة يقتنع معها القلب بعد حين, أن يد الله هي التي كانت ممدوة لهذه الدعوة المقدسة حينئذ يبتدي الإنسان أن يقتنع وأن يرضي وأن يسلم الأمر لله, ولكن يبقي له دالة لأنه لم يدع نفسه, إنما لأن الله هو الذي دعاه فكلما تضيق نفسه بالألم,وكلما تضغط عليه الظروف فيرجع إلي الله الذي دعاه, وحينئذ تكون له الدالة أن الله الذي دعاه هو القادر أن يهيئ له الأمور بصورة ترفع الإيمان وتزيد اليقين ويحس الإنسان بعد ذلك أنه حقا يعيش مع الله, وفي حضرته وفي بيته, وأنه لم يقتحم الأبواب وإنما دخل الأبواب بدعوة من صاحبها.
وهنا يحضرني موقف موسي النبي,موسي دعاه الله وقد كان هاربا ومع ذلك اعتذر بأنه ألدغ وأنه غير قادر علي أن يقوم بهذه المهمة,ولم يكن هذا مجرد اعتذار ولكن حقيقة كان موسي له ظروف حسب المنطق البشري تمنعه من أن يقبل هذه الدعوة, ولكن حدث حوار نقرأه في سفر الخروج, فيه موسي يعتذر والله يشدد عليه بأن يقبل, ويصر موسي علي الاعتذار حتي يقول الكتاب فحمي غضب الرب علي موسي.وقال له من الذي يعطي الإنسان لسانا؟ وأقنعه بصورة لم يملك موسي إلا أن يسلم, بعد ذلك عاش موسي في هذه الحضرة الإلهية, وحمل أثقال الشعب كله, ولكن كان عندما نفسه تتمرمر بأعباء الخدمة ومضايقات الناس, يلجأ إلي الله وكان الله الذي دعاه هو الذي يتدخل بإصبعه ليؤكد معونته لموسي لأنه هو الذي دعاه, هذا الأمر في هذه الواقعة مشجع للذين يعتذرون عن الخدمة وعن قبول الدعوة في مبدأ الأمر, ومع ذلك يقتنع الإنسان أن الدعوة هي من الله فعلا بوسائل ضاغطة, ما كان للإنسان بعقله ومنطقه يملك أن يقبلها لكن هي دعوة مقدسة تتبرهن بأدلة تالية مقنعة مشجعة للإنسان الباطن, بأسلوب يراه الإنسان بقلبه وروحه ونفسه,وحينئذ يطمئن تمام الطمأنينة أنه حقا مدعو لهذه الخدمة ولم يدع نفسه إليها,فإذا تضايق أو تألم يجد دالة عند الله حينما يطرح هذه الضيقة وهذا الألم, ويكتشف بأسلوب غير عادي أن يتدخل ويحول الأمور إلي الخير بأسلوب يعلو علي كل منطق وعلي كل معرفة بشرية.
وحينئذ ماذا أقول؟ أقول إن هذه سعادة وهذا نعيم لا يعرفه إلا من اجتاز مرحلة كهذه, وطوبي للإنسان الذي يعيش في هذا النعيم, ويحس بعقله وقلبه وفكره وباطنه أنه مع الله وأن الله معه.وأنه لا يعامل الناس وإنما الله, وفي علاقته مع الله تختفي الوجوه ولايري في كل الوجوه إلا وجه الله وحده.
فهذه المعاني تتزاحم في نفوسنا كلما ذكرنا هذه المناسبة, وأريد أن أكتفي بهذا ولكني أحب أن أقول إنني فوجئت بهذا الاجتماع, الإخوة من محبتهم لأنهم يرون أن في كل مرة الحقيقة أنني لا أميل إلي مثل هذا الاجتماع فأجدهم يفاجئونني بذلك.علي كل حال أمام مشاعر المحبة وأما إحساسات المحبة,أنا أري فيها محبة الله أولا,وأريد أن أشكركم واحدا واحدا علي اهتمامكم بأن تتجمعوا في هذا المكان وفي هذه الفرصة بالذات,تعبيرا عن مشاعر الحب, إنني أري قلوبكم قبل وجودكم, وهذه تغنيني وفيها الغني وفيها السلام وفيها السعادة وفيها الفرح,وليس هناك عزاء وفرح وسرور وإكليل خير من أن يري الإنسان عمل الله واضحا في هذه المحبة التي تجمعنا جميعا.
فليبارككم المسيح الإله جميعا,ويحفظكم في اسمه المقدس,ويعيننا علي أن نكمل دعوتنا ونكمل رسالتنا بسلام متذكرين قول المسيح في سفر الرؤيا:كن أمينا حتي الممات فأعطيك إكليل الحياة الأمانة مطلوبة دائما وإلي الممات.
صلاة
نبارك صلاحك ونشكرك علي هذه الفرصة التي أعطيتنا لكي نكون معا برابطة المحبة التي تربطنا, أرجو أن تحفظ وحدتنا ومحبتنا إلي الأبد ثابته راسخة بغير تزعزع, كن معنا يارب,أرشدنا وعلمنا, قوينا وثبتنا,لنكون راسخين غير متزعزين وغير عاثرين في شئ,باركنا لكي نكون مثمرين,غير مجدبين لكي يكون لحياتنا قيمة,لكي يكون لوجودنا معني,كي تكون حياتنا موجهة نحو هدف سام متعلقة بالحياة الأبدية التي إليها دعينا.
ياربنا يسوع المسيح نرجو أن نكون في مسيرتنا,مرضين شخصك المبارك عاملين بوصاياك سائرين في طريق السماء بغير عوج ولا انحراف,في أرثوذكسية الإيمان وأرثوذكسية السيرة معا,لا تحرمنا من الميراث الأبدي المحفوظ لنا في السموات, لا تسمح أن يخطف منا الإكليل,بل أعطني هذا الإكليل, أن يكون لنا وأن نكون نحن له. بأن نكون أمناء إلي النفس الأخير حتي الممات,فنحن نعلم أنك ربنا وفادينا وأنك حامينا وحافظنا,وأنك أنت تنظر إلينا وتتطلع وتتطلب منا أن نكون لوصاياك مخلصين, وأن نعيش كما يحق لإنجيل المسيح في كل تقوي وفي كل وقار.
لتكن هذه الأمسية المباركة سعيدة, كل فكر لا يرضي صلاحك يا الله محب البشر فليبعد عنا لتكن ملائكة السماء في حراستنا, لتكن صلوات القديسين من أجلنا مقبولة عندك, ارفع غضبك عن البشرية, اذكر المرضي والحزاني والمتعبين والمبلوين والمجربين والمظلومين والمضطهدين والمتعبين بكل نوع من التعب.
ارفع يارب,ارفع الآلام لكي تكون في طاقة الناس أن يتحملوها,حتي لا يخوروا في الطريق ولا يتزعزعوا,بارك يارب عبيدك خدام الكنيسة علي مختلف درجات المسئولة,بارك الشعب رجالا ونساء,شبانا وشابات وأطفالا, بارك الخدام والخادمات, نطلب خلاص الله في الشعوب,نطلب هداية للضالين, نطلب رجوعا للبعيدين, نطلب خصوبة للذين أصيبوا بالجفاف والفتور, اذكر الحزاني ليتعزوا بتعزيات السماء, أرحمنا جميعا, أغفر لنا خطايانا, من أجل اسمك المبارك الذي دعي علينا,وبشفاعة ذات الشفاعات معدن الطهر والجود والبركات سيدتنا كلنا وفخر جنسنا العذراء البتول الزكية مريم العذراء, والشهيد الكريم مارمرقس الرسول كاروز الديار المصرية, وكافة الملائكة والآباء والأنبياء والرسل والشهداءوالقديسين, والسواح والعباد والنساك المجاهدين,الذين أرضوا الرب بأعمالهم الصالحة منذ آدم إلي آخر الدهور.
ولك نسجد أيها الثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس, واجعلنا مستحقين أن نقول بشكر أبانا الذي في السموات……….