إن هذه الخمر التي نستخدمها في سر القربان ليست من نوع ما يسمونه بالمشروبات الروحية أو المسكرات,وهذه الأخيرة يصنعونها بالتقطير,ويستخلصون(روح) المادة لا
إن هذه الخمر التي نستخدمها في سر القربان ليست من نوع ما يسمونه بالمشروبات الروحية أو المسكرات,وهذه الأخيرة يصنعونها بالتقطير,ويستخلصون(روح) المادة لا المادة نفسها,ومن هنا كلمة المشروبات(الروحية) و(الروح) في المسكرات هي ما يسمونه (السيبرتو) وهو الكحول.والسيبرتو هو النطق الطلياني لكلمة(روح) SPIRTO بمعني الكحول.
أما الخمر المستخدمة في سر القربان فيصنعونها بشئ قليل من التخمير وذلك بتبليل العنب الجاف بالماء وتركه بعض الوقت,فتأتي الخميرة من الهواء وتحط علي العنب المبلل بالماء,وتفرز عليه إفرازها لتحلله وتغتذي عليه,فتصير له الرائحة الخاصة بالخمر.وأمر تخمير العنب هو بعينه الأمر في تخمير الخبز ليكون سهل الهضم إذا تناوله الإنسان.وأمر تخمير العنب شبيه بما تقوم به المعدة عندما ينزل إليها الطعام الممضوغ في الفم,فتفرز عليه الخمائر التي تساعد علي تحطيمه,فيسهل هضمه.
فهذا التخمير إذن نافع ومفيد وضروري لصحة البدن,ولذلك فإن الأطباء يركبون هذا الخمر في الدواء لمن أصابهم في المعدة داء أعجزها عن هضم الطعام.ولهذا السبب نصح القديس بولس الرسول تلميذه الأسقف تيموثيئوس-الذي كان مريضا بالاستسقاء وهو مايعرف اليوم بتليف الكبد,فيشرب الماء كثيرا ولكن الماء يتجمع في بطنه بطريقة غير سوية,فيضخمها-نصحه قائلا:لاتقتصر بعد اليوم علي شرب الماء,بل اشرب قليلا من الخمر,من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة(1.تيموثيئوس5:23).
أما الخمرة المسكرة وما يسمونه بالمشروبات الروحية أو الكحولية بأنواعها,فقد نهتنا الكتب المقدسة عن شربها,وهي ضارة بالصحة العقلية والبدنية,صدقوا إذ قالوا عنهاالخمر في المعدة كالرمل في العدة.
قال الكتاب المقدس:
بالخمر الدعارة,وبالمسكر الجلبة,ومن يترنح بهما فليس بحكيم(الأمثال20:1) لاتكن بين شريبي الخمر,بين المتلفين أجسادهم.لأن السكير والمسرف يفتقران(الأمثال23:20, 21).
لمن الويل,لمن الشفاء,لمن المنازعات,لمن الكرب,لمن الجراحات عن غير علة,لمن ازمهرار العينين,للذين يدمنون الخمر,الذين يدخلون في طلب الشراب الممزوج.لا تنظر إلي الخمر إذا احمرت حين تظهر حبابها في الكأس,وساغت مرقرقة.لكنها في الآخر تلسع كالحية,وتلدغ كالأفعوان(الأمثال23:29-32).
ويل للمبكرين صباحا يتبعون المسكر,للمتأخرين في العتمة تلهبهم الخمر…ويل للذين هم جبابرة في شرب الخمر,ذوو بأس في مزج المسكر(إشعياء 5:11, 22).
إن الخمر غادرة…ويل لمن يسقي صاحبه,ويسفح له مرارته,ويسكره لينظر إلي سوءاتهم(حيقوق2:5, 15).
العبد الشرير…يأكل ويشرب مع السكاري,فإن سيد ذلك العبد يأتي في يوم لم يكن يظنه,وفي ساعة لم يكن يعرفها,فيشطره نصفين ويجعل نصيبه مع المرائين.هناك يكون البكاء والصرير علي الأسنان(متي24:49-51).
لاسكيرون…يرثون ملكوت الله(1.كورنثوس6:10).
ولاتسكروا بالخمرة ففيها الخلاعة,بل دعوا الروح يملأكم(أفسس5:18).
وقد كان القديس يوحنا ذهبي الفم يسمي السكرالجنون الاختياري
وجاء في كتابمجموع القوانينللشيخ الصفي ابن العسال:
والسكر قد يكون سببا لجميع المعاصي والرذائل.وإدمان السكر علي ماشرح في الكتب الطبية قد يفضي إلي الرعشة,والبلادة,والفالج,والحميات الحارة,والسجج في الأمعاء,والأورام في الدماغ,والسكتة,والموت فجأة,والسقوط من الأماكن العالية,وفي الآبار والمواضع المحفورة(الباب الخمسون-مادة7, 8).
وعلي ذلك قال آباء الكنيسة,إن الخمر التي صنعها المسيح في عرس قانا الجليل لايمكن أن تكون خمرا مسكرة,أو خمرا ضارة,وإنما كانت كما وصفها رئيس الوليمة بـالخمر الجيدة(يوحنا2:10)…هي بالأحري خمر البركة(التكوين27:28 ,32),(التثنية7:13) أو(الأباركة) كما نسميها في المصطلح الكنسي الذي نطلقه علي الخمر المستخدمة في سر القربان المقدس.
الحقيقة الرابعة:
رأت الكنيسة في حضور المسيح له المجد عرس قانا الجليل,مباركة للزواج.وتقديسا للرابطة الزوجية.ولذلك فإنها تستند إلي هذه الحادثة كثيرا في مباركة العروسين أثناء عقد الإكليل,وتوردها مرارا في نصوص صلوات الإكليل.
من ذلك
يا من حضر في عرس قانا الجليل,بارك هذا الزواج كمثل ما باركت ذاك الزواج…
يا من حل في قانا الجليل وبارك ذاك العرس وحول الماء إلي خمر حقيقي بسلطان لاهوته,بارك هذا العرس الذي لعبديك….
يا من بارك عرس قانا الجليل,بارك عبديك….
وبركة الرب جل اسمه الحالة في بيت العرس بقانا الجليل تحل عليكما,وفي منزلكما وتوفق بينكما,وتجعل المحبة الروحانية في قلبيكما,وتدر أرزاقكما,وتعمر منزلكما,وتهبكما العمر الطويل والحياة الهنيئة,وتمنحكما أولادا مباركين…..
وبركته الحالة في بيت العرس بقانا الجليل تحل عليكما,وفي منزلكما,وتدفع الأسواء عنكما,وتبعد الشيطان من بينكما,وتحرسكما,وتغفر لكما خطاياكما…
ولهذا السبب رتبت الكنيسة أن يتلي في طقس رفع بخور عشية عيد عرس قانا الجليل (13طوبة) فصل الإنجيل من متي(متي19:1-12) وهو الفصل الذي يتلي في صلوات عقد إكليل الزواج,ويرد فيه قول المسيح له المجد:
أما قرأتم أن الذي خلقهما في البدء جعلهما ذكرا وأنثي وقال:لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويرتبط بزوجته فيصير الاثنان جسدا واحدا,فلا يكونان بعد اثنين إذن وإنما جسدا واحدا ومن ثم فما جمعه الله لاينبغي أن يفرقه الإنسان(متي19:4-6).
سؤال:هل هذه المعجزة هي أولي معجزات المسيح؟
يقول:جاء في سفر إشعياءهوذا الرب راكب علي سحابة سريعة,وقادم إلي مصر,فترتجف أوثان مصر من وجهه,ويذوب قلب مصر داخلها(إشعياء19:1).
ويذكر لنا تاريخ الكنيسة عن معجزات كثيرة تمت في مصر صنعها السيد وهو في طفولته,فكيف يقول الإنجيل للقديس يوحنا بعد أن روي معجزة تحويل الماء إلي خمر في عرس قانا الجليلوقد كانت هذه هي المعجزة الأولي التي صنعها يسوع في قانا الجليل,وأظهر مجده,فآمن به تلاميذه(يوحنا2:11)؟
الجواب:
لاشك أن السيد المسيح له المجد صنع معجزات كثيرة, في مصر وغير مصر من بلاد فلسطين,منذ بدء تجسده أو ميلاده في بيت لحم-إلي أن بلغ الثلاثين من عمر رحلته علي الأرض.
ولكنه في الثلاثين بدأ خدمته العلانية الجهرية,وقد ضم إليه تلاميذ دعاهم واختارهم ليكونوا معه ملازمين له,وكانت معجزة تحويل الماء إلي خمر في عرس قانا الجليل هي أول معجزة صنعها في بدء خدمته الجهرية,وبعد أن صار له تلاميذ.قال الإنجيل للقديس يوحناكان ثمة عرس في قانا الجليل,وكانت أم يسوع هناك.وكان يسوع وتلاميذه مدعوين إلي العرس(يوحنا2:1, 2)ويختم الإنجيل الفصل الخاص بمعجزة تحويل الماء إلي خمر بقولهوقد كانت هذه هي المعجزة الأولي التي صنعها يسوع في قانا الجليل,وأظهر مجده فآمن به تلاميذه(يوحنا2:11).
وإذن فهذه المعجزة هي المعجزة الأولي التي صنعها يسوع في بلدة(قانا) من مدن إقليم(الجليل) وهو الإقليم الشمالي من أقاليم بلاد فلسطين-ثم هي المعجزة الأولي التي صنعها الرب يسوع المسيح في حضور تلاميذه بعد أن دعاهم ليكونوا في معيته,مصاحبين وملازمين له,فظهر لهم بهذه المعجزة مجده,وسلطانه الإلهي,فلم يبتهل أو يصلي ليصنع المعجزة كما يفعل الأنبياء والرسل وإنما صنع المعجزة بسلطان كلمته.قال للخادمين في العرساملأوا القدرو ماء.وكانت هذه القدور من الحجر موضوعة للتطهير وفقا لسنن اليهود,وكانت فارغة.فملأ الخدم القدور الفارغة إلي أعلاها حسب أمره ثم أضاف المسيح له المجد قائلا لهم:اغترفوا الآن وقدموا إلي رئيس الوليمة فقدموا.فلما ذاق رئيس الوليمة الماء الذي تحول إلي خمر,ولم يكن يعلم من أين هو,وإن كان الخامون الذين جلبوا الماء يعرفون,دعا رئيس الوليمة العريس,وقال له:كل إنسان يقدم للمدعوين الخمر الجيدة أولا,حتي إذا سكروا قدم لهم ماهو دونها جودة.أما أنت فأبقيت الخمر الجيدة إلي الآن(يوحنا2:6-10).
نعم إن يسوع المسيح له المجد حول الماء إلي خمر حقيقي,وإلي خمر شهد رئيس الوليمة بأنهاالخمر الجيدة التي فاقت في جودتها كل ماقدمته العريس من خمر في العرس منذ بدايته.وقد حولها دون صلاة أو تضرع أو ابتهال إلي مصدر إلهي خارج عن ذاته,حولها بسلطان لاهوته.فبهر بالمعجزة جميع المدعوين بما فيهم الخدم الذين اغترفوا من الماء وقدموا إلي رئيس الوليمة كما أمرهم المسيح له المجد.أما تلاميذ السيد المسيح وكانوا لايزالون في أولي أيام تلمذتهم وتبعيتهم للمعلم الأعظم,لما رأوا المعجزة وشاهدوا بأنفسهم, ولم يكونوا قد شاهدوا معجزة للمسيح مثلها قبل تاريخ دعوتهم,فدهشوا للمعجزة, وعرفوا قدر معلمهم,وقدرته وسلطانه المطلق,فآمنوا بألوهيته,وانتقل إيمانهم به من نبي,هو النبيالذي كتب عنه موسي في الشريعة,وكذلك الأنبياء,وهو يسوع بن يوسف الذي من الناصرةإلي الإيمان به بصفتهالمسيح الله ابن الله الحي-الله الظاهر في الجسد-صورة الله الغير المنظور(كولوسي1:15).