سافرت أكثر من عشرين مرة إلي دول مختلفة في أوربا… وأقول لكم الصدق وكل الصدق بغير مجاملة كنت في كل رحلة أصاب بصدمة حضارية بمجرد وصولي فعند خروجي من باب الطائرة أفاجأ بنسمة هواء عطرة تدخل صدري وتكون النسمة خفيفة رقيقة… ثم تفاجئني الابتسامة علي الوجوه. وعندما أضل الطريق أسأل أقرب عسكري مرور فيستمع باهتمام ثم يخرج كتيبا من جيبه ويشرح لي كيف أصل إلي مقصدي. وكان يسعدني الفرجة علي عساكر المرور في الميادين الكبيرة فبمجرد أن يرفع يده تتجمد السيارات في أماكنها ولن تسمع كلاكس سيارة ولن تسمع للعسكري صوتا فيه احتجاج أو عصبية فكرامة السائق مقدسة حتي لو أخطأ فبينهما قانون واجب النفاذ بكل أدب واحترام.
رأيت رواد أحد البارات في لندن وقد أصابتهم عدوي المرح فأخذوا يترنمون بأغنية مشهورة بصوت جماعي, ورأيت نساء وفتيات يجلسن فرادي في مقاهي باريس علي الأرصفة ولهن نفس الاحترام والكرامة, مثل الرجل. ورأيت النساء في باريس وهن في طريقهن إلي العمل في الصباح الباكر مجردات من الماكياج وأدوات التجميل وتسير الواحدة منهن بجدية صارمة وحذاؤها يدق علي الأسفلت.
وفي كل مرة أعود فيها إلي مصر يصدمني في مطار القاهرة ملابس العساكر ونظرات الانكسار, وعيون عمال النظافة تبحث مستجدية بين الركاب.
كلما سافرت إلي الخارج أصاب بصدمة حضارية, وكلما عدت أصاب بصدمة من التخلف.
أقول الصدق وكل الصدق… ماتت الابتسامات علي وجوه المصريين, وساءت السلوكيات والكلمات العصبية… وكما يقال مصر ليست أمي ولكنها مرات أبويا.