برية وحرية ونصرة
+ برية: ثم أصعد يسوع إلي البرية من الروح ليجرب من إبليس. فبعدما صام أربعين نهارا وأربعين ليلة جاع أخيرا (مت 4: 1-2) ذهب السيد له المجد إلي البرية مملكة أبينا آدم الأول التي تتوج عليها ملكا علي كل الكائنات وسلطانا علي كل شيء كما يقول الكتاب فدعا آدم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية وأما لنفسه فلم يجد معينا نظيره (تك 2: 20) لقد باتت البرية بعد طرد آدم الأول منها خربة وخالية وسكنها إبليس وجنوده لذلك ذهب المخلص إليها بعد المعمودية ليواجه إبليس الذي انتصر في البرية القديمة علي آدم الأول ولكي تكون موقعا لمعركة حاسمة يستعيد بها آدم مملكته وسلطانه مرة أخري وتتحول الأرض التي كان يمشي عليها إبليس متعجبا بذاته مخربا كل ما كان فيها من جمال إلي برية يخرج إليها كل طالب للخلوة الروحية والحياة مع الله ولتصبح مسكنا لله ويتحقق ما تنبأ به الكتاب قائلا: فيسكن في البرية الحق والعدل في البستان يقيم (إش 32: 16) حقا ما أجملها برية شهدت المعني الحقيقي للحرية والقوة الروحية الجبارة التي هزمت أقوي عدو للبشرية.
+ وحرية: فتقدم إليه المجرب وقال له إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزا.. ثم أخذه إبليس إلي المدينة المقدسة وأوقفه علي جناح الهيكل.. وقال له إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلي أسفل لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك فعلي أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك.. ثم أخذه أيضا إبليس إلي جبل عال جدا وأراه جميع ممالك العالم ومجدها.. حينئذ قال له يسوع اذهب يا شيطان لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد (مت 4: 3-10) مع أن الرب له المجد يعرف أن الذي يتحدث إليه بعد الصوم والجوع وفي البرية هو إبليس إنما أعطاه حرية الحديث والتعبير والتجربة والاختبار والعرض والطلب ولكن لم يستغل إبليس الحرية حسنا إنما استمر مع الحرية يغوص في بحار التعنت والإغراء والتعظم حتي إنه كان يريد أن يغري بشريتنا مرة أخري لتسبح في بحار الظلمات وتطير بأجنحة السقوط فوق أشواك الهوي كما حدث قديما وهكذا دخل إبليس بحرية كاملة إلي الأركان الرئيسية في حياتنا مجربا السيد في ثلاثة معارك رئيسية عبودية البطن والعمل من أجل المجد الباطل والخضوع لجنون الغني كما يقول ذهبي الفم.
+ ونصرة: ثم تركه إبليس وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه (مت 4: 11) ترك إبليس المخلص بعد أن انكشفت تجاربه وبعد أن فضحه السيد قائلا له بسلطان اذهب يا شيطان ففر من أمام الرب وهو يجر أذيال الخيبة والانكسار مفضوحا بفعلته منكسرا أمام آدم الآخر في موقعة البرية التي استخدم فيها أسلحته المختلفة كشهوة البطن وشهوة العيون وتعظم المعيشة حقا لقد تنبأ المزمور قائلا الرب نوري وخلاصي ممن أخاف الرب حصن حياتي ممن أرتعب. عندما اقترب إلي الأشرار ليأكلوا لحمي مضايقي وأعدائي عثروا وسقطوا. إن نزل علي جيش لا يخاف قلبي إن قامت علي حرب ففي ذلك أنا مطمئن. لك قال قلبي قلت اطلبوا وجهي وجهك يارب أطلب… لا تحجب وجهك عني لا تخيب بسخط عبدك قد كنت عوني فلا ترفضني ولا تتركني يا إله خلاصي (مز 27: 1-9) ما أجملها لحظات تتهلل فيها الملائكة وتهتز أمامها المشاعر والأحاسيس تلك التي تنهزم فيها قوات الشر وينتصر فيها الخير وتفرغ الساحة من الشر وقواته وتحل قوات الملائكة والخير فرحة مهللة مع البشرية قائلة يعظم انتصارنا بالذي أحبنا (رو 8: 37) وأعطانا حرية في برية هذا العالم وإلي اللقاء في عظة الأحد المقبل مع ابن وريث وعدو خبيث وعهد حديث.
للقمص روفائيل سامي
طامية – فيوم
[email protected]