تشهد مصر هذه الأيام ظهور بعض التيارات الدينية المتشددة علي الساحة السياسية منها تيارات كانت موجودة كجماعة الإخوان المسلمين التي تحولت من جماعة محظورة إلي جماعة محظوظة بشهادة الخبراء وبدأت في جني ثمار ثورة 25 يناير. هذا إضافة إلي الجماعة الإسلامية والتيار السلفي الذي أصبح حديث المصريين بعد عدد من الأحداث المفزعة التي شهدتها مصر الأيام الماضية. وعدم حدوث وقفة تجاه هذه الجرائم.. مما يدعو للتساؤل: هل نحن مقبلون علي الدولة الدينية أم الدولة المدنية التي رفع شعارها شباب الثورة.
يقول الدكتور عماد جاد الخبير بمركز الأهرام الاستراتيجي إن الدولة الآن في حالة سيولة, وهذا عادة ما يحدث عقب الثورات, نحن في منتصف الطريق وتجارب الشعوب تقول إن هذه الحالة يمكن أن تأخذ شهور أو سنوات وتظهر خلال هذه الفترة جماعات وتيارات وشخصيات لها انتماءات مختلفة ويغيب دور الدولة ونحن في حالة من حالات اضطراب السلطة القائمة لأنها جزء من النظام القديم.
وطالب الدكتور عماد الأقباط بعدم الرضوخ لأي تهديدات, فالحق لا يأتي دون ثمن ولن يأتي ونحن خائفون بل بالتصدي حتي وإن دفعنا الثمن.
وأضاف الكاتب الصحفي نبيل شرف الدين أنه ليس في استطاعة أحد أن يعرف إلي أي اتجاه نحن ذاهبون, فمن كان يعرف أن هناك ثورة ستحدث بكل ما ترتب عليها يمكن أن يعرف هل نحن متجهون إلي المدنية أم إلي الدولة الدينية لكن الأمر يتوقف بالدرجة الأولي علي اللعبة السياسية والرهان الآن علي الجيش وهو آخر ما تبقي لنا وهو الضامن لعدم تمزق مصر علي المستوي المادي أو المعنوي وعليه الانتباه جيدا بما لديه من خبرة ووطنية لمصلحة هذا الوطن فكل المصريين لديهم خوف حقيقي ومبرر, فمن غير المفهوم أن يخرج قانون لمنع الاعتصامات لم يصدر في ظل نظام مبارك.
وأكد شرف الدين أن ما يحدث من التيارات الدينية هذه الأيام يؤكد ما نعرفه عنها علي مدار تاريخها الطويل في مصر منذ عام 1928 وهي تعمل تحت الأرض في تنظيمات سرية, وهي تحتاج لوقت طويل حتي تستطيع العمل في الظاهر, وعندما يتم مواجهتها بالأحداث التي تنسب إليها تنكر علي الفور وتصدر البيانات النافية.
ويشير الدكتور سامح عباس الباحث في الشئون الإسلامية إلي أنه يجب تحديد تعريف الدولة الدينية أنها التي تطبق الشريعة الدينية التي جاء بها الوحي الإلهي أيا كانت تلك الشريعة, وليس القانون الوضعي الذي وضعه العقل البشري كما أن الدولة الدينية هي التي يحكمها رجال الدين وتنشأ لتجميع أبناء الدين الواحد من كل عرق وجنس ومكان.
ونموذج الدولة الدينية التي تقوم علي أساس ثيوقراطي – وهو نموذج الدولة الدينية في الغرب – هو نموذج غير معروف في العالم العربي والإسلامي, والدولة الوحيدة القريبة من هذا النوع في العالم الإسلامي هي إيران.
أما مفهوم الدولة المدنية – فهي التي يحكم فيها ويمسك بزمام أمورها في السياسة والاقتصاد وكل المناحي من أهم أهل اختصاص وفهم, وليسوا علماء دين أو رجال دين, وتقام الدولة علي أكتاف مواطنيها الأصليين وهم غالبا من عرق واحد داخل المجتمع وإن تعددت واختلفت دياناتهم وتوجهاتهم الدينية.
وأضاف عباس أنه أمامنا ملامح سيناريو مرتقب لهوية مصر المقبلة, مرشح أن يشهد صداما عنيفا بين المؤيدين والمعارضين لكل هوية, ولعل مؤشرات هذا الصراع قد ظهرت خلال الاستفتاء الأخير علي التعديلات الدستورية, والتي تم تغيير نتيجتها في سياق ديني.
والسؤال الشائك المطروح في المرحلة الراهنة: هل سيحسم التوجه الديموقراطي الذي تعيشه مصر حاليا بعد إسقاط النظام الديكتاتوري برئاسة حسني مبارك مسألة الصراع علي هوية مصر, خاصة مع تشديد بعض التيارات الدينية الإسلامية؟ وهل يستسلم مؤيدو الهوية العلمانية لإمكانية أن تصبح مصر ذات هوية دينية إسلامية, خاصة علي ضوء رفع الثورة المصرية لشعار الدولة المدنية, ضمن شعاراتها الأساسية في مرحلة ما بعد سقوط مبارك؟
واستطرد عباس قائلا إن المعركة الكبري حول الهوية الجديدة لمصر ستظهر بلا محالة في الانتخابات البرلمانية, التي ستكون الحد الفاصل بين معسكري مؤيدي الدولة الدينية ذات الطابع الإسلامي, ومؤيدي الدولة المدنية ذات الطابع العلماني, حيث من المتوقع أن يتحكم البرلمان المقبل في رسم صورة مصر السياسية وتوجهاتها, خاصة في ظل التعديلات الدستورية الجديدة التي تهدف للحد من سلطات رئيس الجمهورية, علي الرغم من أنه هو المنوط بوضع دستور جديد للبلاد.