هكذا رفع عميد الأدب الدرامي وسيد الكتابة التليفزيونية بلا منازع السينارست أسامة أنور عكاشة الراية البيضاء ورحل بعد أن أثري الوجدان بأعمال خالدة لا يمكن أن تنسي في تاريخ الفن, أسامة جعل المسلسل التليفزيوني عملا فكريا بعد أن كان مجرد مسلسل ينتمي اسمه للتسلية وتضييع الوقت والترويح عن المشاهدين بقصص أغلبها فارغة لذلك رأي الكثير من النقاد أن مسلسلاته تنتمي إلي الأدب الدرامي,حيث الحبكة الفنية المدهشة والشخصيات المنحوتة من الواقع المصري والحوار الراقي والأفكار المثيرة للجدل.
وهكذا ناقش ببراعة عكاشة الهوية المصرية في مسلسله البديعأرابيسك الذي نجح من خلاله أن يجعل هذه القضية الفكرية الشائكة قضية الشارع الذي استمتع بأحداث الحارة الشعبية وشخصية النجار الفنان المهزوم حسن أرابيسك وحذر المسلسل من خطورة الفكر الوهابي القادم من السعودية والذي خطف عقل المصريين كما خطف ابن حسن أرابيسك وناقش بجرأة مشكلة الزيادة السكانية وفشل أساليب تنظيم الأسرة في مسلسله العميق ومازال النيل يجري ولا يمكن ألا نشير إلي درة التاج في عقده وأقصد ليالي الحلمية التي قدم فيها قراءة حية لتاريخ مصر الحديث وكانت جديدة من كل المستويات فقدم شخصيات حية عاشت في كل بيت عربي بكل ما تحمله من خير وشر وطموح وصراع نفسي وكوميديا راقية وبقدرته الهائلة علي الخلق والابتكار واستطاع أن يدخل الشخصية القبطية لأول مرة في الدراما المصرية كجزء من نسيج الحياة اليومية وبلا اصطناع أو افتعال وأقصد شخصية كمال خله التي قدمها الفنان الراحل شوقي شامخ وهو أيضا الذي قام بشخصية نسيم القبطي في مسلسلزيزينيا وعلي الرغم من كون شخصية نسيم هذه كانت انتهازية إلا أنها لم تثر غضب أحد من الأقباط لمهارة الكاتب الشديدة في رسم شخصيات كل أبطاله من لحم ودم, فلم يكن الأمر مقحما أو محشورا كما يفعل العديد من كتاب السيناريو لمجرد وجود شخص قبطي والسلام في المسلسل.
تنبأ في الجزء الأخير من الحلمية عن خطورة دخول رجال الأعمال العمل السياسي وكأنه يقرأ واقعنا الآن.
عزف أسامة أنور عكاشة علي نغم الشخصية المثالية في عالم مضطرب حيث كرر استخدام هذه التيمة بأشكال مختلفة في عدد من المسلسلات منها رحلة السيد أبو العلا البشري وضمير أبلة حكمت وأبو العلا90 وامرأة من زمن الحب وأميرة في عابدين وأحلام في البوابة, أما المسلسل الذي ابتكر فيه أسلوب جديد في المعالجة الدرامية هو مسلسلأنا وأنت وبابا في المشمش والذي عالج فيه قضايا الفساد وأدهشنا بكتابته الأغاني الداخلية التي كانت بديلا للحوار بشكل مكثف وجديد.
نحت أسامة أنور عكاشة شخصيات لن تنسي في تاريخ الدراما العربية منهاأبو العلا البشري قدمها النجم محمود مرسي, وأبلة حكمت قدمتها النجمة فاتن حمامة, الدكتور أبو الغار النجم جميل راتب وفضة المعداوي النجمة ثناء جميل, حسن أرابيسك والعمدة سليمان غانم وقدمها النجم صلاح السعدني وسليم البدري وبشر اللذان قدمهما يحيي الفخراني ونازك السلحدار صفية العمري وعلي مستوي الشخصيات الثانوية التي كان يرسمها بحرفية عالية نذكرسامبو محمد شرف ومصطفي بطاطا وقدمها محمد متولي نو فو قدمها سيد زيان وغيرهم الكثير.
إنها شخصيات لن تموت في وجداننا لذلك لن يموت عكاشة الذي جعل اسم المؤلف يسبق اسم النجم, ففي البدء كانت الكلمة وفي النهاية أيضا.
ولا يمكن أن نتجاهل مقالاته وآراءه الجريئة التي تصدي فيها لكل أفكار التطرف وكل محاولات إهالة التراب علي الفن المصري,إنني أدعو بالرحمة للعظيم بين الكتبة أسامة أنور عكاشة وأري أيضا أننا سوف نحتاج للرحمة من بعده في ظل الانهيار الدرامي الذي نعيش فيه.
Em:[email protected]