إنشاء هيئة وطنية للحد من القرصنة.. وتفعيل قوانين حماية الملكية الفكرية ضرورة وطنية لإنقاذ صناعة حيوية ولها تاريخ
تواجه صناعة السينما في مصر تحديات عاتية, تأتي علي رأسها عمليات القرصنة وسرقة الأفلام وبثها علي شبكة الإنترنت مما ينتج عنه خسائر فادحة للمنتجين وبالتالي لكل العاملين في هذه الصناعة والتي تعد مصدرا مهما من مصادر الدخل القومي, وبالرغم من كل التقنيات الحديثة المتاحة فإنها لم تحل دون تزايد أعمال القرصنة علي الأعمال السينمائية, ليصبح بذلك القانون هو الحل الوحيد للتصدي لتلك التحديات, وذلك في ظل مطالبات من القائمين علي تلك الصناعة بضرورة إنشاء هيئة تعمل علي الحد من أعمال القرصنة وضرورة إنقاذ قوانين حماية الملكية الفكرية.
في البداية أوضحت الفنانة إسعاد يونس رئيسة مجلس إدارة إحدي الشركات الكبري في الإنتاج السينمائي مدي تأثر صناعة السينما سلبا لإجراء عوامل عديدة أهمها سرقة الأفلام من دور العرض وأعمال القرصنة عبر الإنترنت, وأن الإنترنت أصبح وسيلة تشتغل بالخطأ في الترويج لمنتجات ليست شرعية مثل الأفلام التي تسرق من دور السينما بعد عرضها بأيام قليلة, الأمر الذي يكبد شركات الإنتاج خسائر لا يمكن تعويضها.
وأشارت إسعاد يونس إلي أحد أفلام الموسم الحالي الذي تمت سرقته أول يوم عرضه وتم وضعه علي الإنترنت وتحميله 500 ألف مرة خلال 24 ساعة فقط, مشيرة إلي أن فيس بوك أصبح إحدي الوسائل للقرصنة علي الأفلام, إذ يقوم بعض المستخدمين بوضع روابط مباشرة لتحميل الأفلام علي صفحاتهم علي فيس بوك وهذا يعد من أقوي الوسائل الترويجية للأعمال المسروقة بعد الأسطوانات والمنتديات!!.
وأضافت إسعاد يونس قائلة: إننا قد نتمكن من معرفة السارق ولكننا لا نتمكن من ضبطه لعدم وجود أية مساعدات من قبل الجهات الأخري سواء كانت حكومية أو خاصة, مشيرة إلي أن أحدث الأعمال السينمائية التي لاتزال معروضة في دور السينما أصبحت متاحة علي الأرصفة ومحطات البنزين, وأن هناك بعض النوادي الاجتماعية في الأقاليم والمحافظات تبث الأفلام المسروقة لروادها دون الشعور بأي ذنب أو خطأ حيال تلك الأعمال, وانتقدت الدور الرقابي والأمني الذي تلعبه الدولة حيال تلك الصناعة.
وأضافت يونس أنه لايزال هناك أفكار قديمة معتنقة تعرقل مسيرة الإبداع الفني والسينمائي وتحجم القائمين علي هذه الصناعة وتلك العوامل مجتمعة سوف تؤدي إلي انحدار صناعة السينما المصرية بلا شك لو لم تتغير تلك الأفكار وتسير حسب متطلبات المشاهدين.
ووجهت إسعاد يونس نداء للشعب المصري لمواجهة هذه القرصنة, إذ يملك دافعا وطنيا كبيرا ظهر خلال المباريات الأخيرة في مصر, مؤكدة أن هذا الدافع لابد أن يبقي متواجدا لتوعية المصريين بمشاكلهم, ومثل هذا الأمر حدث في إنجلترا وقامت حكومتها بمخاطبة الشعب وتوعيته بأن عمليات القرصنة ستقضي علي معالم وطبيعة أفلامه وسط الصناعة الأمريكية, ونجحت في ذلك, إذ أكدت الإحصاءات الأخيرة أن القرصنة من جانب الإنجليز علي الأفلام الإنجليزية تراجعت بنسبة كبيرة.
من جانبه أكد د. حسين أمين أستاذ الصحافة والإعلام بالجامعة الأمريكية أن نسبة القرصنة علي الأعمال السمعية والبصرية في مصر تزيد علي 40%, وأن نسبة القرصنة علي منتجات مايكروسوفت العالمية في مصر تزيد علي 63% مما يدل علي مدي استباحة أعمال القرصنة في مصر وأنه لابد من سرعة إنفاذ للقانون الذي لا يعمل به في مصر والذي ينص علي معاقبة منتهكي حقوق الملكية الفكرية حتي تتمكن الملكية الفكرية من القيام بدورها الرئيسي في التنمية, موضحا أن الحقوق كلما رجعت لأصحابها المبدعين ستساعدهم أكثر علي الإبداع, بالإضافة إلي ضرورة وجود تعاون إقليمي عربي بين مكاتب حماية الملكية الفكرية لتمكينهم من القيام بدورهم هذا في ظل وجود شفافية وثقافية مجتمعية تحث المشاهدين علي دعم هذه الصناعة.
وأضاف د. أمين بقوله إن الأعمال السينمائية قد تبدو مربحة جدا ولكنها الأكثر تضررا في مجال الإعلام وهذا هو الخطر الأكبر المحيط بها لأنها توثر علي صناعة السينما بشكل كبير, مما يؤدي إلي وجود أزمات مالية متكررة فيها, موضحا أن صناعة السينما ليست منتج ملموس ولكنها مثل صناعة الإعلام التي تمثل مردودا فكريا عاليا لدي الجمهور وأصبحت الصناعة الآن تخسر مقامها ومكانتها!!.
وأكد إياد لبيب رئيس إحدي الشركات علي أهمية هذا الموضوع, معتبرا أنها قضية خطيرة جدا نظرا لأبعادها الاقتصادية خاصة علي المدي الطويل علي اقتصادنا الوطني باعتبار أن السينما فن وصناعة وتجارة مشيرا إلي أن كل من قطاع تكنولوجيا المعلومات وصناعة السينما أصبحا مترابطين ببعضهما البعض باعتبار أن التكنولوجيا باتت شريكا أساسيا لإنجاح الأعمال السينمائية.
وأشار لبيب إلي أن الجميع يشكون من القرصنة علي الأفلام السينمائية لما كبدته لشركات الإنتاج من خسائر فادحة خلال السنوات الماضية, موضحا أن السينما كانت من الأعمدة الأساسية المساهمة في الدخل القومي باعتبار مصر رائدة في هذا المجال ومنبر لكل دول الشرق الأوسط وأفريقيا, إلا أن المنتجين باتوا يتخوفون من كل عمل يرغبون في القيام به لعدم ضمان عوائد تلك الأعمال بسبب القرصنة لأنها صارت تحول دون إرجاع الحق لأصحابه, مطالبا بضرورة إرساء قواعد أساسية للحد من ظاهرة انتشار القرصنة علي الأعمال السينمائية حتي نستطيع مواكبة الدول العالمية في الصناعة التي نحن روادها علي مستوي الدول العربية.
ونوه لبيب إلي أهمية تمكين التكنولوجيا في هذا المجال بشكل أكبر من خلال وضع علامات مائية علي كل الأعمال الفنية التي ستساعد علي ضبط الأفلام المسروقة وتحديد مكان سرقتها لوضع وسائل تأمينية أكثر علي تلك الأماكن التي تتكرر فيها أعمال السرقة مثل ما يحدث في أمريكا.
وأكد سيد فتحي مدير غرفة صناعة السينما باتحاد الصناعات أن مصر رائدة في صناعة السينما علي مستوي الشرق الأوسط, وهي الدولة الوحيدة التي لديها كم كبير من الأفلام علي مدار السنوات السابقة, وبالتالي أصبح لدينا تاريخا سينمائيا, حيث بدأت الحركة السينمائية في مصر منذ زمن بعيد متزامن مع بدء ظهور السينما في فرنسا, لكن هذه الصناعة تأثرت منذ فترة وانخفض الإنتاج نتيجة للظروف الاقتصادية العالمية, وانتشار أمراض مثل إنفلونزا الطيور والخنازير, وكل هذا أثر سلبا علي إيرادات الأفلام وقلة سرعة دوران رأس المال. كما أدي الارتفاع المستمر في تكاليف الإنتاج إلي الإحجام عن الدعاية بالشكل المناسب لعدم القدرة علي ملاحقة هذه الارتفاعات وبالتالي انخفض سقف الإنتاج بصفة عامة.
كما أكد فتحي أن السينما تتأثر كثيرا بالظروف السياسية, بالإضافة لتأثرها بالأحداث العامة مثل مباريات كرة القدم وامتحانات الثانوية العامة وغيرها من الأمور التي تؤدي إلي انقطاع الجماهير عن السينما, وهذا يقلل من عدد الحفلات خلال الأسبوع, وبالتالي يضعف من الإيرادات, وبالرغم من كل تلك التحديات فإنه في المقابل لا يوجد دعم لصناعة السينما. ولكننا نطالب بأن يكون هناك دعما معنويا وإلا تكون هناك مبالغة في إيجار أماكن التصوير كالمطارات والأماكن الأثرية, لأن هذه المبالغة ترفع تكلفة المنتج السينمائي بصورة باهظة, إذ يجب أن تكون بأسعار رمزية, لأن ظهور هذه الأماكن في الأفلام السينمائية التي يتم تصدير جانب كبير منها لمختلف دول العالم, أو عرضها في مهرجانات دولية ستكون خير سفير لإظهار وجه مصر السياحي والحضاري, وتصبح وسيلة جذب مهمة للسياحة وهذا بالطبع ينعكس إيجابا علي اقتصاد الدولة.
واستطرد مدير غرفة صناعة السينما قائلا: نطالب بتنقية التشريعات التي تم تغييرها بشكل خاطئ يؤثر سلبا علي صناعة الأفلام وحقوق أصحاب الأفلام وأهمها القانون 82 لسنة 2002, كما نطالب بتشكيل مجلس أعلي لتسهيل عملية تصوير الأفلام الأجنبية في مصر, لما لها من أهمية كبري سواء في توفير عملة صعبة أو الاستفادة بالخبرة الأجنبية في هذا المجال, بالإضافة لإتاحة المزيد من فرص العمل. أما عن مسألة القرصنة فأوضح أنها موجودة في العالم كله, ونحن باعتبارنا صناع للسينما نتضرر منها بشكل كبير, حيث تؤثر سلبا علي اقتصادات الفيلم وصناعة السينما ككل, إذ ساهم في ذلك التقنيات التكنولوجية الحديثة التي تستخدم في نقل أو سرقة الأفلام بطرق مختلفة. كما ذكر أن عدد المنتجين الفاعلين لن يزيدوا علي 25 منتجا, وأننا نأمل أن تكون هناك مشاركة في الإنتاج بين المنتجين المصريين والأجانب لما في ذلك من فوائد فنية وتجارية عديدة أبسطها علي أقل تقدير فتح أبواب المهرجانات العالمية أمام هذا الإنتاج المشترك إلي جانب التأكيد علي أن مصر بلد منفتح علي مخلتف الثقافات وليس بلد منغلق كما يسعي البعض إلي إشاعة ذلك للأسف الشديد.