الجدل حول قناة البحرين يطفو علي السطح مجددا مع ظهور تحذيرات من مغبة إسراع إسرائيل في تنفيذ المشروع الذي يربط بين البحرين الأحمر والميت وما قد يجلبه من كوارث بيئية علي بعض الدول العربية وخاصة الأردن ومصر والضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة, فرغم أن المخاوف كانت تقتصر في البداية علي احتمال أن يكون هدف هذا المشروع بالأساس هو إيجاد قناة بديلة تضرب قناة السويس وتستأثر بالنقل البحري في منطقة تعتبر ملتقي لقارات العالم,إلا أن الجديد أن له أيضا مخاطر بيئية قد تعرض المنطقة لزلازل مدمرة لا حصر لها,بالإضافة إلي أنه يشكل خطرا كبيرا علي التربة وقد يؤدي إلي تلوث طبقة المياه الجوفية عن طريق تسرب مياه البحر إليها.
فكرة المشروع
وتعود فكرة إنشاء قناة البحرين إلي بدايات القرن التاسع عشر حين طرحها تيودر هيرتزل مؤسس الحركة الصهيونية الذي تحمس لها وعرضها في كتابهأرض الميعاد الصادر عام1902.
وكانت البداية العلنية لتلك الفكرة خلال مؤتمر قمة الأرض للتنمية المستدامة والذي عقد منذ سنوات في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا,حيث تقدم وزير المياه الأردني بمشروع أردني إسرائيلي لربط البحر الميت بالأحمر إنقاذا للأول من الجفاف.. ومنذ ذلك الحين,بذل الأردن جهودا كبيرة لإقناع كافة الأطراف لاسيما العربية منها,بأهمية المشروع وفوائده علي المدي البعيد والقريب,ويقول الأردن إن مشروع قناة البحرين سوف يوفر حوالي850 مليون متر مكعب من المياه العذبة المحلاة,تبلغ حصة الأردن منها حوالي570 مليون متر مكعب,في حين سيتم توزيع 380 مليون متر مكعب علي إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية.
ووفقا لمصادر حكومية أردنية فإن تنفيذ مشروعقناة البحرينبين البحر الأحمر والبحر الميت من شأنه أن يحمي البحر الميت من خطر موتحقيقي حيث أن مد أنبوب مغلق من البحر الأحمر سينقذ البحر الميت بعد تدني مستوي سطحه بمعدل 90 سم سنويا كما سيساعد علي تأمين مياه الشرب للعاصمة عمان التي تواجه الحكومة صعوبة في تأمينها سنويا بسبب انحسار معدلات سقوط الأمطار كما أن هناك سببا جوهريا آخر من وجهة نظر الأردن وهو أن هذا المشروع سيحميه من الابتزاز الإسرائيلي عن طريق تغذية العاصمة عمان بمياه الشرب من دون الحاجة إلي المياه من بحيرة طبريا التي تتزود بها المملكة حاليا بموجب اتفاقية وادي عربة.
ويقوم المشروع الذي سيستغرق تنفيذه من6إلي 10سنوات علي ثلاث مراحل,الأولي هي مد أنبوب أو أنابيب لنقل المياه من عمق البحر الأحمر إلي البحر الميت لجلب حوالي 1900 مليون متر مكعب من المياه لتعويض المياه المفقودة الرافدة للبحر وبكلفة تصل إلي حوالي 710 ملايين دينار لإنقاذ البحر الميت.
وبالنسبة للمرحلة الثانية,فإنه عبر استغلال قوة ضغط الماء وضخها إلي ارتفاع 125 مترا فوق سطح البحر الأحمر عبر أنابيب لتجري مسافة 180 كيلومترا انخفاضا إلي ناقص 400 متر وهو موقع البحر الميت,يمكن توليد طاقة عند نزول المياه واستغلالها في تحليه الماء للشرب علما أن الضغط يوفر فرزا للمياه المحلاة.
وتتضمن المرحلة الثالثة نقل المياه المحلاة من جنوب البحر الميت إلي المدن في الأردن وفلسطين وإسرائيل ستحدد كلفتها بعد وضع مسار الخطوط الناقلة ومحطات الضخ.
ويبقي التساؤل الجوهريما هو حجم المخاطر التي قد تتعرض لها مصر من تنفيذ هذه القناة؟
تباينت الآراء داخل مصر,فقد حذر البعض من خطورة المشروع الإسرائيلي لحفر قناة بين البحرين الأحمر والميت علي النواحي البيئية الجيولوجية في منطقة الشرق الأوسط.
وطالبت اللجنة البرلمانية بأخذ رأي وزارات الخارجية والسياحة والبيئة في تلك القضية لاسيما مع ما يتردد حول احتمال تأثير استخدام القناة المزمع إنشاؤها علي قناة السويس..
يقول رئيس هيئة قناة السويس الفريق أحمد علي فاضل في تصريح له: نرفض إنشاء قناة بينالأحمروالميتوأن لدي مصر تأكيدات بأن البنك الدولي لن يمول مشروع قناة البحرين المقترحة للربط ما بين البحر الأحمر في خليج العقبة والبحر الميت طالما أن ذلك سيؤدي إلي ضرر لدولة أخري هي مصر.
وحول ممانعة مصر لمشروع قناة البحرين,قال الفريق فاضل,إن القناة المزمع تنفيذها بين الأردن وإسرئيل تتطلب موافقة مصر وفلسطين خاصة أن تنفيذ هذا المشروع سيهدد المنطقة بنشاط بركاني وزلزالي لقربها من الصدع الأفريقي,كما أنها ستدمر البيئة البحرية في خليج العقبة.
ويري الدكتور جودة عبد الخالق أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أن أنشاء هذه القناة مناوشة من إسرائيل…ويشير إلي طرح هذه الفكرة منذ التسعينيات وتحديدا عند بدء الحديث عن السوق الشرق أوسطية.
ويقول إن الفكرة تتلخص في توصيل البحرين الأحمر والميت بسبب انخفاض منسوب البحر الميت نتيجة البخر وبالتالي زيادة نسبة الملوحة والمقصود بها أساسا حل المشكلة البيئية للبحر الميت,واستغلال الموقف في توليد الكهرباء بعد رفع منسوب مياه البحر واستغلال هذا المنسوب في عمليات النقل.
ويؤكد الدكتور عبد الخالق أن إنشاء هذه القناة سوف يكون له تأثير مباشر علي قناة السويس فالمفترض أنه لا تتم أي عمليات للنقل من البحر الأحمر أو الأبيض إلا عن طريق قناة السويس.
ويوضح النائب د.مجدي علام أن موقف منظمات المجتمع المدني الرافض للمشروع لم يتغير منذ أن سجلت احتجاجا رسميا في مؤتمر قمة الأرض تحت رعاية الأمم المتحدة أمام أكبر تجمع بيئي في العالم وبحضور وزراء من الأردن وإسرائيل,لافتا إلي أن الوفد المصري تراجع عن تحفظه في جزئية الضرر الملاحي الواقع علي قناة السويس بعد أن أكدت الأردن وإسرائيل أنه سيتم إنشاء أنبوب بدلا من القناة وقال إن الوفد المصري خلال زيارته للأردن رحب بهذا الاقتراح فاعتبرت الحكومة الأردنية هذا الأمر تراجعا عن التحفظات حول إنشاء المشروع بشكل عام,وأكد أن مصر مازالت متحفظة علي المشروع خاصة في الأضرار البيئية الناتجة عنه, وأشار إلي أن إسرائيل هي أكبر ملوث علي خليج العقبة عن طريق مصنع للفوسفات فضلا عن ميناء إيلات الذي يصب زيوت غسيل المراكب في مياه الخليج وبالتالي فإن تحكمها في المياه بتلك المنطقة سيزيد من هذا التلوث.
القناة ليست ملاحية ولن تؤثر علي قناة السويس
يقول السفير محمد بسيوني سفير مصر السابق في إسرائيل – لجنة الشئون العربية والعلاقات الخارجية في مجلس الشوري – إن بعض أجزاء قناة البحرين ستكون من خلال أنابيب كما ستجري في مناطق وعرة للغاية مشيرا إلي أن إسرائيل لا ترغب فيها كطريق بحري ,لكنها ترغب في الاستفادة من فارق المنسوب بين البحرين400متر تقريبا لتتمكن من توليد الكهرباء وتحلية المياه ورفع منسوب البحر الميت, وانتهي إلي التأكيد علي أن القناة لا تشكل أي خطر علي الأمن القومي المصري أو علي قناة السويس,معتبرا أن التأثير الوحيد سيكون بيئيا وسياحيا فقط.
ويتفق معه السفير حسن عيسي سفير مصر السابق في إسرائيل يقول: قناة البحرين,ليست قناة ملاحية,ولا علاقة لها بقناة السويس,وإن أهداف قناة البحرين تتمثل في توليد الكهرباء,وتحلية مياه البحر,وزيادة منسوب المياه في البحر الميت وهو ما ينعكس إيجابيا علي المنشآت السياحية علي الجانب الإسرائيلي والأردني.
وأضاف أن الخطورة الوحيد التي قد تنتج عن إنشاء قناة البحرين تتعلق بالبيئة,وأن الأجهزة المعنية في الدولة تدرس هذا الجانب.
ونفي عيسي أن يكون للقناة أي آثار سلبية علي الفلسطينيين,مشيرا إلي أن إسرائيل لا تحتاج إلي مثل هذا المشروع لتهجير المزيد من اليهود إليها,لأن هذا يتم بالفعل وباستمرار.
وأضاف أن المشروع سيفيد الفلسطينيين القاطنين في الشمال,وبالتحديد في منطقة أريحا لأنه سيعمل علي تنمية هذه المنطقة وبالتالي فإن آثار القناة إيجابية وليست سلبية علي العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية.
أما فيما يتعلق بمصر فإنها لن تتأثر إلا في حدود ضيقة بيئيا وهو أمر غير مؤكد بعد, مشيرا إلي أن الحكومة المصرية لم تقصر في هذا الصدد.
أما الدكتور حسن عمر خبير القانون الدولي فقال إن قناة يتم حفرها من خليج العقبة إلي البحر الميت أو البحر الأبيض المتوسط لا يجوز أن تتم بغير موافقة مصر وفي حالة حفر قناة بين البحرين الأحمر والميت فإن ثلاث دول متفق عليها لابد أن توافق وهي السعودية ومصر الأردن حتي لو كان الحفر يتم في الأراضي الأردنية باعتيار أن إسرائيل ليس لها أي تواجد قانوني علي خليج العقبة,كما أن ميناء إيلات المطل علي خليج العقبة هو أرض مصرية لأنه يمثل قرية أم الرشراش المصرية المحتلة.
أما الأردن فإذا رأت أن من حقها فتح قناة علي أراضيها من العقبة إلي البحر الميت فإن ذلك يتطلب موافقة مصر والسعودية لأن ذلك يتعلق بالبيئة البحرية في خليج العقبة ومضيق تيران الخاضع للسيطرة المصرية.
حول مشروع قناة البحرينلربط البحر الميت بالبحر الأحمر,ونظرة المجلس العربي للمياه لهذا المشروع يقول الدكتور محمود أبو زيد:رئيس المجلس العربي السابق ووزير الري:
هذا الموضوع كان أحد المسائل التي ناقشتها مع وزير المياه والري الأردني,وأنا كفني ليس لدي عتراض علي المشروع,ولكن الخوف كان من الجانب البيئي واحتمالات تأثير المشروع علي الحياة البحرية في منطقة منفذ القناة في البحر الأحمر,ولكن الدراسات التي تجري حاليا تظهر أن التأثير إن لم يكن معدوما فهو تأثير محدود جدا وأضاف:بلاشك أن لهذا المشروع فائدة كبيرة جدا لكل من الأردن وفلسطين وإسرائيل وأن المطلوب تحسين طبيعة البحر الميت لأنه يتدهور بشكل كبير نتيجة انخفاض كمية المياه بشكل كبير يسجل سنويا انخفاضا بما لا يقل عن متر في منسوب المياه فيه,كما أن الملوحة تزيد بشكل قد يحد من إمكانية الاستفادة منه من الناحية السياحية والاقتصادية إلي جانب أن المشروع يمكن أن يساهم في توليد الطاقة الكهربائية المطلوبة لتحلية المياه وتنفيذ عدد من المشاريع التنموية.
وأضاف الدكتور محمود أبو زيد رئيس المجلس العربي للمياه:أن مشروع قناة البحرين سيأخذ وقتا طويلا لتنفيذه قد يصل إلي ثلاثين عاما مشيرا إلي أنه حسبما أوضح وزير الري الأردني أن الاستفادة من المشروع تتم مرحليا,حيث أنه كل خمس سنوات يجري إتمام أعمال محددة بحيث يتم في السنوات الخمس الأولي إتمام أعمال تعود بحوالي 100مليون متر مكعب مياه ثم تزيد الكمية تدريجيا.. من جهة أخري أكد السفير حسام زكي أن مصر ليس لديها تخوفات بشأن مشروع قناة البحرين التي ترغب الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية في إنشائها وقال زكي إن هذه التخوفات لا أساس لها من الصحة خاصة أن هذا المشروع يفيد الإخوة في الأردن والإخوة الفلسطينيين ولا يوجد لدينا اعتراض عليه ولا تخوفات منه بعد أن استمع خبراؤنا إلي كافة الشروحات الخاصة بالمشروع.