لقد ثبت الرب يسوع المسيح رباط الزيجة وباركه بحضوره العرس في قانا الجليل(يوحنا2:1-11). ورفع الزيجة إلي درجة السر عندما أجاب علي سؤال الفريسيين عما إذا كان مسموحا للإنسان أن يطلق امرأته لكل علة. قال له المجد:أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكرا وأنثي. وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا. إذا ليس بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان (مت19:4-6). وهكذا لما أدرك القديس بولس أهمية هذا السر المقدس وأن الرب يسوع ثبته ورفع شأنه وسر أن يجعله سرا مقدسا في كنيسته قال:إن هذا السر عظيم, وأقول هذا عن المسيح والكنيسة(أف 5:31, 32). فالزواج إذن هو سر مقدس به يرتبط ويتحد الرجل والمرأ اتحادا مقدسا بنعمة الروح القدس للحصول علي ولادة البنين, وتربيتهم التربية المسيحية.
ولذلك فإن طقوس خدمة سر الزواج تمثل عنصرا مهما في ليتورجية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية, وهي كبقية طقوس الأسرار يجب أن يتوفر عند إتمامها ثلاثة شروط هي:
أ- مادة ملائمة للسر.
ب-كاهن مشرطن قانونيا بوضع اليد.
جـ – استدعاء الروح القدس من الكاهن بالعبارات المعينة لتقديس السر لحلول الروح القدس.
في هذا البحث سوف نتناول بالشرح موضوعين مهمين يتعلقان بطقوس سر الزواج المقدس وهما:
1-البركة الكهنوتية لزواج(يرولوجيا).
2-خدمة سر الزواج وعلاقتها بالليتورجيا المقدسة في تقليد الكنيسة القبطية.
(1) البركة الكهنوتية للزواج (يرولوجيا)
وإن كانت هناك تفصيلات وافية في العهد القديم عن مراسم الزفاف مثل الحديث عن ثياب العريس والعروس(إش61:10, مز45:13, 14, تك24:65, أف5:27, رؤ19:8, رؤ21:2). وموكب الزفاف(تك29:22, قض14). وتغطية العروس بثياب العريس(راعوث 3:9,حزقيال16:18). والعهد بين العروسين بالوفاء والأمانة(أمثال 2:17, حزقيال16:18, ملاخي2:14). إلا أن أهم التفصيلات هي بركة الوالدين والأصدقاء للعروسين(تك24:60, راعوث4:11) مع الوضع في عين الاعتبار أن أب الأسرة كان غالبا هو كاهنها.
البركة الكهنوتية للزواج في العهد الجديد:
أولا:المؤمنون الأوائل كانت لديهم حياة روحانية وليتورجية قوية, يشكرون الله علي كل حال(اتس5:18), يصلون في أوقات مختلفة الصلوات الليلية والنهارية حسب عاداتهم اليهودية(مز54:18), (أع3), (أع10:9), وبحسب أمر الرب اسهروا إذا وصلوا في كل حين(لو21:36) يصلونبلا انقطاع(1تس5:17).كما يدعون قسوس الكنيسة (يع14:5) يصلون للمرضي. إذا كان المؤمنون الأوائل بالضرورة سيفعلون شيئا مشابها بخصوص الزواج.
ثانيا:لدينا في أحداث سفر الرؤيا عنصر ليتورجي قوي هو أن الكنيسة-فيما هي تعلن ملكوت الله تظهره في داخل إطار ليتورجي إفخاريستي واضح, يعلن سر الكنيسة كعروس لمسيحها الذي اختارها,فصورة الكنيسة في سفر الرؤياأورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مهيأة كعروس مزينة لرجلها(رؤ21:2) هي بمثابة أساس قوي من العادات اليهودية لإتمام الزواج, يبني عليه شهادة كيف كان لدي المسيحيين الأوائل شيئ مقابل لذلك الزواج.
إن البركة الكهنوتية للزواج في الكنيسة بدأت بالحضور المعجزي للرب في عرس قانا الجليل, ومع هذا الحضور وهذه البركة تأسس سر الزواج وصار له شأن في الكنيسة, كما أن تحويل الماء إلي خمر كإعلان رمزي(طقسي) للإفخارستيا الإلهية أوجد سببا قويا فيما بعد لصياغة البركة الكهنوتية للزواج وعلاقة سر الزيجة بالليتورجية المقدسة.
البركة الكهنوتية للزواج منذ العصر الرسولي وحتي القرن السابع:
بحسب القديس أغناطيوس الأنطاكي(+110م) يجب أن يتم الزواجبعلم الأسقف حتي يكون بحسب الرب وليس بحسب الشهوة(الجسد) وهذا يوضح أنه ليس فقط شرط الرضا(الموافقة) ضروري في الزواج, ولكن عنصر البركة(الكهنوتية) أيضا.ومكانة هذه الشهادة حول موافقة الأسقف هي أقدم شهادة لمباركة الزواج المسيحي. وتوضح بطريق غير مباشر بالطبع أن الزواج كعمل سرائري له أصل رسولي.وكما يذكر ستافرينوس أن:الزواج يتم ويتبارك بواسطة الصلوات التي تتممها الكنيسة.
ننت ميلوسيفيتش يفسر قول أغناطيوس بعلم الأسقف في إطار كنائسي, وذلك لدور الأسقف في الاجتماع الإفخارستي, وهذا يؤكد كثيرا صحة أن هذه العبارة لا تتعلق فقط بمنح تصريح أو صلاة خاصة للأسقف بقدر ما أن الاتحاد(الزوجي) لابد أن يتم بعلم الكنيسة, ومع هذا فقط يتواصل الزواج الإلهي, ووفقا لهذه الشروط يكونبحسب الرب وليس بحسب الشهوة (الجسد) فالزواج إذن كان دائما موضع اهتمام الكنيسة ويتم متصلا بليتورجية الإفخارستيا الإلهية.
يزعم المعترضون أن الزواج في السنوات الأولي للمسيحية كان لديه علاقة مدنية دون أي علاقة مع الكنيسة. ويشددون علي نفس النصوص ونفس العمل الليتورجي عندما يتكلمون عن إتمام الزواج أوالخدمة الخاصة التي بواسطتها يأخذ الزواج بركته واستمراريته بواسطة صلوات كهنوتية وأعمال رمزية مختلفة بحسب المكان, ولكن لدينا صورة مختلفة للشواهد نأخذها بالطبع من المعلومات المسيحية المختلفة التي يصورها لنا العروسان الجدد ساعة مباركة زواجهما ومنها:
أ-كليمندس الإسكندري(+220م) فيما هو يشرح لماذا يرفض أن تضع العروس شعرا مستعارا(باروكا) علي رأسها يوم زفاقها يقول:لأنه علي أي شئ سيضع الكاهن يده؟ ولمن سوف يعطي البركة؟ ليس لتلك المرأة المتزينة المتبرجة بل إلي أخري ورأس آخر.
وهنا إشارة قوية إلي وضع يد الكاهن علي رأس العروسين ليمنحهما البركة.
قديما زعم قائلا:كيف نعرف من هذه الشهادة(السابقة) شكل الطقس القديم لإتمام الزواج, بينما دمتريو مورايتيس يشدد علي أنه لا يمكننا أن نتكلم بتأكيدات تعود علي الطقوس الخاصة بمباركة الكهنة للزواج, كانت تتم دائما ومازالت حتي اليومبكل دقة وتأكيد في الكنيسة القبطية.
ب- ترتليان(+240) لديه نفس الروح الكنيسة التي تتفق مع القديس أغناطيوس. حيث يؤكد علي أن الزواج السعيد هو الذي:تعقده الكنيسة, ويثبته القربان(oblation), وتختمه البركة(benedictio), وتعلنه الملائكة ويصدق عليه الآب السماوي. فترتليان إذن هو أول من ربط بوضوح الزواج بالإفخارستيا الإلهية, أما الزيجات السرية التي لم تتبارك من قبل الكنيسة فيراها ترتليان فسق وزنا.
جـ-القديس باسيليوس الكبير(+379م) يؤكد علي أن الزواجيجمع بواسطة البركة أي أن الزواج المقرون بالبركة الكهنوتية يجمع المتباعدين.
والقديس غريغوريوس النيزينزي يطلب من أولمبيادا أن تغفر له غيابه عن عرسها, ويؤكد علي أن حضوره غير المنظور(من خلال الكاهن الذي يمثله)هو الذي يقرن أيدي العروسان الجدد.
أما ذهبي الفم فيوصي والد العروس قائلا:ينبغي أن…تدعو الكهنة وتعقد اتحاد الأزواج بالصلوات والبركات,لكي ينمو شوق العريس وتزداد عفة العروس ويدخل عمل الفضيلة فيما بينهما بكل وجه.
د-سينيسيوس -أسقف بيتوليمايس المتزوج في القرن الخامس(+413م) يشير إلي أن زوجته تسلمها من يد ثيؤفيلوس أسقف الإسكندرية.
والكاهن خريسوستوموس(+471) كتب مقالا عن الصلوات والبركات التي بواسطتها يتبارك ويتقدس الزواج, كذلك هو أول من مسح الأكاليل(أي أعطي الصفة المسيحية للأكاليل).
هـ-القديس تيموثاوس الإسكندري(+385) يعطينا شهادة قانونية حول ارتباط الزواج بالإفخاريستية الإلهية. وفي القانون الحادي عشر يتكلم عن الكاهن(الإكليريكوس) الذي يدعي ليتممعقد الزواج, كما يؤكد علي أن الزواج يتوثق ويتقوي عندمايحول الكاهن القرابين.
و-في الغرب القديس أغسطينوس يسمي الزواجSacramenti Nuptiarum رباط سري ويعلن وينادي بأن الزواج ليس فقط رباط زوجي ولكن أيضاسر لا ينحل(لا ينفك).
ويقول القديس أمبروسيوس(+397):من الواجب أن يعقد الزواج بحلة كهنوتية وبركة الكاهن.
ز-لدينا أيضا شواهد تؤكد أن البطاركة هم الذين كانوا يباركون زواج الملوك, فزواج هيراكليوس علي سبيل المثال تبارك بواسطة البطريرك سرجيوس الأول سنة610م.
(2) خدمة سر الزواج وعلاقتها بالليتورجية المقدسة
في تقليد الكنيسة القبطية منذ القرن الثامن وحتي مطلع القرن الحادي والعشرين
منذ الانشقاق الذي حدث في مجمع خلقيدونية سنة451م وما تبعه من أحداث تاريخيه معروفة ولاسيما دخول العرب مصر في القرن السابع, بدأت الحياة الليتورجية تدخل فترة مهمة في تاريخها, خاصة حركة الترجمة التي بدأت لنقل النصوص الليتورجية من اليونانية إلي القبطية في مختلف لهجاتها ولاسيما اللهجة الصعيدية ثم فيما بعد تم ترجمة تلك النصوص إلي اللغة العربية في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي.
مع قاعدة تسجيل العمل الليتورجي الإسكندري القبطي سوف نعرض علي التوالي ما يأتي:
أ- شكل خدمة الزواج كطقس سرائري في تقليد خولاجي الدير الأبيض(القرن الثامن).
ب-إتمام خدمة الزواج متصلة مع الليتورجية الإلهية كاملة.
جـ -إتمام خدمة الزواج مساء, وانفصالها عن الليتورجية.
أولا:خدمة الزواج كطقس سرائري في تقليد خولاجي الدير الأبيض (القرن الثامن):
سبق أن ذكرنا أنه منذ وقت مبكر في الكنيسة الأرثوذكسية عامة ظهرت بوضوح بركة الكهنوت للزواج ووضع الأكاليل علي رأس العروسين بيد الكاهن.
هذا إلي جانب أنه منذ القرن الرابع في مصر كان حق تسليم العروس للعريس وضم أيديهما (طقس التسليم) محفوظا للأسقف أو الكاهن.
مع مطلع القرن الثامن نري بوضوح أن طقوس الزواج في الكنيسة القبطية, طقوس لها طابع سرائري, فلدينا ضمن نصوص خولاجي الدير الأبيض صلوات خاصة بسر الزواج المقدس, باللغة القبطية الصعيدية وواضح بها عنصر الاستدعاء.
صلاة تقديس الزيتالأولي
واضح في هذه الصلاة أن الكاهن يطلب من الله أن يرسل قوته المقدسة عليثمرة الزيتون ودهن المسحة لكيبالبركة يباركها وبالتقديس يقدسها لكي تكون هذه المسحة لكل الذين يمسحون بهاتجديدا للأجساد والأرواح والفهم, ولكي يكون هذا الزيتزيت بركة وفرح, زيت ابتهاج ومسرة, زيت قوة وغلبة, زيت شفاء ومغفرة وكل هذه بركات ومواهب روحية يمنحها الروح القدس للذين يمسحون بهذا الزيت.
ب-صلاة الإكليل :في هذه الصلاة يظهر بوضوح طقس الاستدعاء أي استدعاء الروح القدس لكي تحل نعمته علي هذه الأكاليل لكي تكون لعبديهأكاليل إيمان ومعرفة وحياة مقدسة وتمنحهما فكرا واحدا لكي يتحدا وتصير لهما حياة سالمة وحكمة.وكل هذه المواهب الروحية ينالها العروسان بحلول الروح القدس عليهما مع وضع الأكاليل علي رأسهما بيد الكاهن.
جـ-صلاة أخري لتقديس الزيت:
هذه الصلاة تشرح أصل زيت المسحة الخاصة بالزيجة, ومن الملاحظة أن هذه الصلاة تأتي في ترتيبها بعد صلاة الأكاليل, وذلك لأن الإشارة إلي الأكاليل والمسحة هي إشارة إلي صيرورة المتزوجين ملوكا في الكنيسة, وهو مدلول يعود إلي العهد القديم, وهو سبب الإشارة إلي مسحة داود.ومن الملاحظ أن التقليد الشرقي عامة يري في الزيجة استمرارا لبركة آدم كما ورد في بقية صلوات الإكاليل,وهي بركة ملك وسيادة علي الخليقة, وهي ذات البركة التي ترد الآن في المسيح(آدم الثاني)
د- صلاة الخبز:
وهذه الصلاة مستمدة من قصة ملشيصادق ملك ساليم كاهن الله العلي الذي عندما قابل إبراهيم أخرج خبزا وخمرا وباركه وقال مبارك إبرآم من الله العلي(تك14:18). وفي ذلك إشارة قوية لارتباط سر الزواج بسر الإفخارستيا المقدسة التي علي طقس ملكي صادق, لذلك في نهاية هذه الصلاة يطلب الكاهن قائلا:الآن يا سيد يا من بارك هذا الخبز أعط أن يكون الآن خبز زيجة لعبدك (……) خبز بركة وفرح ومسرة وابتهاج وقوة وشفاء ومغفرة خطايا.
وهذه الصلاة تذكرنا بعادة طقسية قديمة كانت تتم حتي وقت قريب, وشاهدناها بأعيننا عندما كان الكهنة الشيوخ في صعيد مصر يقيمون خدمة سر الزواج, كانوا يضعون رغيف خبز علي المائدة التي كان يوضع عليها الأكاليل والزيت.
هـ-الصلاة الأخيرة:(صلاة علي الكأس)
واضح أن هذه الصلاة تتبع طقس سر الزواج لأنها تأتي بعد الصلاة علي الخبز والخمر وعنوانهاوأيضا صلاة علي الكأس ومن المعروف أن الطقس البيزنطي للزواج لايزال إلي يومنا هذا يستخدم كأس شركة في سياق طقس الإكليل.
ثانيا:إتمام خدمة الزواج متصلة مع الليتورجية الإلهية:
وإن كان ترتليان(+240) هو أول من ربط بوضوح طقوس سر الزواج بالإفخارستيا الإلهية…إلا أن القديس تيموثاوس الإسكندري هو الذي أعطي شهادة قانونية قوية حول ارتباط الزواج بالإفخارستيا, وأوضح صراحة أن العروسين يصيران جسدا واحدا ويتوثق زواجهما ويتقوي عندما تتحول القرابين(بيد الكاهن), ويشتركا في الإفخارستيا. إلي جانب ذلك لدينا إشارات ليتورجية وتاريخية متنوعة منذ بداية المسيحية وحتي القرن الخامس عشر تؤكد أن خدمة سر الزواج كانت تتم مرتبطة بالليتورجية الإلهية:
أ-يوحنا ابن زكريا ابن سباع يشير في الفصل41 من كتابه الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة إلي أن خدمة الزواج تتمقدام هيكل الله تعالي وتقديسهما(أي العروسان) من فم كاهن الله العلي وحفظه الوصية المتلوة منه عليهما ومشاركتهما جسد المسيح ودمه الذي به يصيران واحدا لوحدانيته كما قال الإنجيل المقدس:ما أزوجه الله فلا يفرقه الإنسان: وقد وضع الآباء في ذلك كتاب مفرد في الكنيسة.
ونلاحظ في نص ابن سباع أن الزواج لابد أن يتم في الكنيسة مع وجود كاهن مشرطن قانوني يتمم طقس الزواج, ثم يناولهما من سر الإفخارستيا(الشركة), وهذا يعني أن طقس الزواج كان يسبق القداس الإلهي وهذا ما حددته كتب الترتيب بأن يكون بعد رفع بخور باكر.
ب- قوانين البابا كيرلس ابن لقلق في القرن الثالث عشر تمنع عمل الأكاليل في البيوت خارجا علي الكنيسة والقربان, أي أنه يلزم إتمام طقوس السر في الكنيسة وتناول العروسين من الإفخارستيا المقدسة.
جـ- شمس الرياسة ابن كبر(+1324) يؤكد علي ما سبق ذكره قائلا:عقد التزوج لا يتم ولا يكون إلا بحضرة كاهن وصلاته عليهما وتقريبه لهما القربان المقدس في وقت الإكاليل الذي به يتحدان ويصيران جسدا واحدا كما قال الله سبحانه.
د- البابا غبريال الخامس البطريرك القبطي الـ 88 (+1427) يذكر في بداية ترتيب عقد الزواج أنهجرت العادة بعد صلاة نصف الليل وصلاة باكر يحضر العريس من بيته مع معارفه وأصحابه وكهنة البيعة التي أراد التوجه إليها, فيستقبلوه مع الشمامسة من باب البيعة بالشموع والفوانيس إلي أن يصلوا إلي موضع عقد الزواج.
أما في نهاية طقس الإكليل فيقول:يقول الكاهن البركة علي رؤوس العرائس بالصليب مثلما يقول في تحليل الابن ويديه مخالفة(علي شكل صليب كما في اختيار الحمل في القداس) ثم يبارك علي العروس ويطلقها(يصرفها) تستريح. ويعطي العريس الصليب في يديه ويوقفوه في الشرق ويقولون قدامه وهم طائفون البيعة بالشموع إلي أن يصلوا إلي الهيكل. يختمون ذلك ويبتدئون بخدمة قداس السرائر…والعريس إن كان شماسا وهو مستعد للخدمة فهو الخديم ويحمل الكأس, وإذا جاء وقت مرد إنجيل القداس يقولون مرد عرس قانا الجليل.وإذا انتهي القداس يزفون العروس أولا ثم العريس إلي باب البيعة…وبعد ذلك يتوجهون إلي منازلهم بسلام.
إذن هناك إشارات تؤكد علي أن خدمة سر الزواج المقدس كانت تتم متصلة بالليتورجية الإلهية. وبالتحديد بعد رفع بخور باكر.شأنها في ذلك شأن الكثير من الخدمات الأخري التي تتم في الكنيسة, بعد رفع بخور باكر وقبل تقديم القرابين مثل خدمة سر مسحة المرضي, وخدمة تكريس الرهبان والراهبات.
ثالثا: إتمام خدمة الزواج مساء وانفصالها عن الليتورجية بعد القرن الثالث عشر:
هناك أسباب تاريخية معروفة أدت إلي إتمام خدمة الزواج منفصلة عن الليتورجية, بل وأحيانا لظروف أمنية لم يتمكن المؤمنون من إتمام زواجهم في الكنيسة, فكانت تنتقل الكنيسة ممثلة في الكاهن والشماس إلي منازل المرشحين للزواج لإتمام خدمة سر الزواج لهم في وسط أقاربهم. هذه الأسباب نذكر منها الآتي:
أ-يقول البابا غبريال ابن تريك(+1145) في القانون الثالث عشر من قوانينه:
انتهي إلي ضعفي أن قوما من الصعيد يمسكون القداسات في يوم الأحد إلي آخر النهار, بسبب الأعراس والأكاليل التي يشتغل أربابها بالطبول والفوارغ إلي العشاء, وهذا مذموم من فاعله ومن اعتمد هذا فيما بعد فهو ممنوع وفي هذا القانون إشارة إلي أنه كان لايزال طقس الأكاليل يتم متصلا مع ليتورجية الإفخارستيا, ولكن كان يتأخر إلي آخر النهار.مما دفع البابا غبريال إلي منع تلك العادة وربما كان ذلك الخطوة الأولي في فصل خدمة الزواج عن القداس بأن يقام القداس في موعده صباحا ثم يتم الإكليل مساء في الكنيسة أيضا.
ب- في أيام البابا يوأنس الثامن البطريرك الـ 80(+1320) وقع اضطهاد كبير علي المسيحيين في مصر وصفه المقريزي المؤرخ المسلم في الجزء الرابع من كتابهالخطط هذا الاضطهاد أدي إلي هدم بعض الكنائس وغلق البقية المتبقية منها.مما اضطر البابا يوأنس أن ينقل مقر الكرسي البطريركي إلي كنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة سنة1303م, وهي الكنيسة الوحيدة التي سمحت لها الهيئة الحاكمة, بإقامة الشعائر الدينية فيها دون غيرها من كنائس القاهرة ومصر.
أما في أيام البابا يوأنس التاسع البطريرك الـ 18(+1327) فاشتدت الاضطهادات التي وقعت علي المسيحيين وكنائسهم فقتل منهم من قتل وحرق منهم من حرق وسمر منهم الكثيرون وأشهروهم علي الجمال وألبسوهم العمائم الزرقاء وهدموا البيع والكنائس ونهبوها, وقد أجمع المقريزي هذه الحوادث في جملة واحدة حيث قال:ثم لما كان يوم الجمعة19ربيع آخر سنة 721 هـ(13بشنس سنة1037 ش و8 أبريل سنة1321م) هدمت كنائس أرض مصر في ساعة واحدة وبحسب شهادة المقريزي أيضا أن هدم الكنائس امتد طوله من الإسكندرية إلي الوجه البحري شمالا إلي الصعيد الأعلي جنوبا.
مع هذا الاضطهاد وتدمير الكنائس في كل مصر لم يتمكن المؤمنون من ممارسة شعائرهم الدينية في الكنائس, مما أدي إلي أن تقوم الكنيسة بالتصريح للمؤمنين بعقد خدمة الزواج في البيوت فكانت تنتقل الكنيسة ممثلة في الكاهن والشماس إلي المنازل لإتمام أغلب المراسيم الدينية والخدمات مثل خدمة سر الزواج. وخدمة مسحة المرضي وغيرها من الخدمات وبذلك انفصلت هذه الخدمات المذكورة عاليها عن الليتورجية, وصارت إلي ما هو عليه حاليا في القرن الحادي والعشرين.
الخلاصة:
الزواج المسيحي لابد أن تتم مراسيمه وشعائره من خلال الكنيسة وبحسب تعاليم الآباء. كل زواج يتم خارج الكنيسة هو فسق وزنا.
==
أستاذ الليتورجيات والطقوس بالكلية الإكليريكية للقبط الأرثوذكس