**أين سيادة القانون وأمان المواطن المصري؟
**فلنبدأ بأنفسنا.. كل في موقعه
تقيم نقابة أطباء القاهرة كل عام حفلا بمناسبة عيد الميلاد المجيد وذلك منذ عام 1993 أي منذ 18عاما يحضره نخبة من الأطباء العاملين بالمستشفيات والمراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة ويشارك فيه نقيب أطباء القاهرة د.سمير ضيائي وعدد من قيادات النقابة وحرص د.حمدي السيد نقيب الأطباء علي حضور حفل هذا العام والذي تحول من مجرد احتفال تقليدي إلي وقفة تردد عبارة اتفق عليها جميع المتحدثين رصاص الغدر والوحشية في نجع حمادي جاء في صدر المصريين جميعا.
لم تكن الكلمات مجرد رثاء وتعبيرات الوحدة الوطنية التي ملتها الآذان بل كانت تشريحا وتشخيصا لما يحدث الآن في المجتمع المصري واعترافا بأن ما حدث لم يكن مجرد حادث فردي,بل هو غليان يجب معرفة أسبابه حتي يفيق المجتمع ويخرج من حجرة الإنعاش ويعود لمواطنة سليمة بعيدة عن أمراض الحقد والكراهية التي يمكن أن تقضي علي المجتمع كله.
عار علينا
بدأ الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء كلمته قائلا:باسم الإله الواحد الذي نعبده جميعا.
الوطن كله إصابته الفجيعة لهذا الحادث المأساوي فهو جرح لكل المصريين ونحن نشجب وندين هذا الحادث,ولابد من تفعيل التعديل الدستوري فيما يتعلق بنبذ المواطنة وإلغاء أي نصوص تفرق بين أبناء الوطن الواحد,عار في جبين المجتمع عدم المودة بين أبناء الوطن الواحد ولا يمكن أن تترك الأمور عالقة بهذا الشكل بل يجب ونحن صفوة المجتمع أن نقف صفا واحدا في وجه أي مؤامرة لا يمكن أن ترضي دينا أو خلقا يوم الحادث صباحا كنا في زيارة للبابا شنودة الثالث في الكاتدرائية لتنهئته بالعيد وهو قبل أن يكون رجل دين هو رجل وطني بكل ما تحمله الكلمة من معني ويكفي مقولته الشهيرة الوطن ليس مكانا نعيش فيه بل هو في داخلنا يعيش فينا.
أين سيادة القانون؟
وفي حديث مع د.محمد زغلول العشماوي وكيل نقابة أطباء القاهرة وحول وجهة نظره ودور الدولة في التصدي لهذه الأحداث التي كان آخرها مذبحة نجع حمادي قال:
العام الماضي في نفس هذا الوقت كانت هناك مذبحة غزة وكنا نتحدث عن تضامنا مع شعب غزة,ولكن النار هذه المرة في الثوب المصري نفسه وهي تظهر أن هناك غيابا لسيادة القانون الذي يجب أن يكون له الهيمنة علي جميع مؤسسات الدولة…فكيف نقول عن مصر ادخلوها بسلام آمنين؟ أين هو الأمان الآن؟ لأن الرصاص الذي أطلق بشكل عشوائي علي مواطنين أبرياء لم يطلق علي الأقباط بل علي المصريين جميعا.
الخط الهمايوني
وكان الدكتور ميلاد حنا المفكر المعروف حريصا رغم ظروفه الصحية علي المشاركة والتعبير عن رأيه في هذا اللقاء وأهم ما جاء في كلامه في محاولة لرصد أسباب هذه الأحداث الأخيرة قال:
أشعر بالأسي أن ليلة عيد الميلاد ارتبطت بأحداث طائفية وللأسف من وجهة نظري هي أحداث أصبحت مستوطنة,وذلك رغم أن مصر منذ سنوات محكومة بالأحكام العرفية ولكن لم تصبح هذه الأحكام تخيف الناس أو تحول بينهم وبين ارتكاب الجرائم. ومنذ ثورة 1919 كان الشعار الغالب في المجتمع المصريالدين لله والوطن للجميع وتحدت مصر كل قوي الاحتلال والظلم وتحررت وهي تحمل هذا الشعار فماذا حدث الآن؟
المثقفون المصريون حتي وإن اختلفوا لايزالون متحاورين ومتآلفين بحب,ولكن في الريف توجد تجاوزات,ومسألة بناء الكنائس لاتزال في غاية التعقيد منذ الخط الهمايوني أيام الحكم العثماني فهل ونحن في عصر الحرية والسماوات المفتوحة والعالم الذي لا تخفي فيه خافية وجمعيات حقوق الإنسان نعيش بعقلية الخط الهمايوني!!.
والأمر الثاني أنه كلما انغلق الإنسان مسيحيا كان أو مسلما داخل شرنقة التدين غير الواعي تحدث الفرقة وتزداد الفجوة وتكثر الحزازيات,المسيحية في مصر منذ منتصف القرن الأول الميلادي,ودخل الإسلام مصر في صدر العصر الإسلامي وتعايش الاثنان معا علي مدي14قرنا,ولكن العالم الآن يشهد معركة شرسة بين الإسلام والغرب…
ولكن المسيحية في مصر والإسلام في مصر يجب أن يكونا بمنأي عن أي صراع خارجي,ويجب أن يكون القانون العرفي هو العرف القائم علي الحب والمودة وليس الأحكام العرفية,فلابد من الوصول للقاعدة الشعبية بحديث ينقي الفكر ويزيل الفجوة,فأنا أصلا من قرية فيها أقلية مسيحية وكان الجميع يعيش في مودة ولم نشعر بالفرقة والعداء الحادث الآن.
الجهل.. وضيق الأفق
أما د.محمد البتانوني أستاذ الجراحة بجامعة عين شمس فمن وجهة نظره أن الفهم الخاطئ للدين يتحول إلي تعصب, وهذا الفهم الخاطئ يرجع إلي الجهل وضيق الأفق, ونحن الصفوة وطبقة المثقفين علينا دور مهم وهو توصيل المفاهيم الصحيحة إلي القاعدة الشعبية البسيطة, فالناس مضغوطة ولديها مشاكل طاحنة وفي حاجة ماسة إلي العدالة ولهواء نظيف وكوب ماء نقي… فعندما يعيش الإنسان حياة كريمة يكون في حالة رضاء عن النفس والمجتمع الذي يعيش فيه فلا تكون لديه روح عداء أو غل من المجتمع… فهناك نبرة عدوانية متزايدة في المجتمع حتي بين أبناء الدين الواحد وحتي بين الأقارب في الأسرة الواحدة, وأصبحنا نسمع عن جرائم كان المجتمع المصري بعيدا عنها كل البعد… ومنها قتل أطفال واغتصابهم وسرقة أعضائهم ورب أسرة يقتل زوجته وأبناءه, وأم تقتل أطفالها, فما نعيشه حاليا هو سحابة سوداء وغمامة نرجو أن نمر منها إن شاء الله.
الخطاب الديني
د.عادل فؤاد رئيس أقسام جراحات الكلي بقصر العيني قال أن الأطباء لابد أن يكون لهم دور إيجابي فعمل الطبيب يبدأ من التشخيص السليم للمرض حتي يكون العلاج فعالا, ولابد أن نعترف أن ما يحدث في المجتمع المصري الآن نابع من داخله ولا يجب أن نردد أننا نخضع لمؤامرات من الخارج لشق صفوفنا فلن يصدق أحد هذا الكلام الآن, ولابد أن تكون هناك دراسات من مراكز حقوق الإنسان وأن تصدق النوايا لتفعيل ما تخلص إليه هذه الدراسات.
وتحضرني هنا كلمات الآية الكريمة التي تقول من قتل نفسا بغير حق فقد قتل الناس جميعا وفي الكتاب المقدس الآية التي تقول إذا كنت لا تحب أخاك الذي تراه فكيف تحب الله الذي لا تراه.
ولابد من تغيير الخطاب الديني خاصة في الريف والقري بحيث يصبح خطابا يدعو للحب والمودة وهذه مسئولية المؤسسات الدينية.
كذلك لابد من وجود شفافية وعدالة.
وأنا أكره كلمة عنصري الأمة, فنحن مصريون ومصر عندما تغرق ستغرق كلها ليس المسيحيون فقط أو المسلمون فقط.
أنشطة مشتركة
د.شريف دوس أستاذ باطنة وأمراض السكر والكبد كانت له وجهة نظر وآراء مستنيرة حيث يري أن هذا الحادث هو الأول من نوعه حيث كان القتل بشكل عشوائي وهي جريمة مخيفة في حق الوطن كله, وهنا لا ينفع مع هذا الوضع مؤتمرات المجاملات, ولكن لابد من الوصول إلي القاع وأسفل الهرم وبث قيم احترام الغير وقبول الآخر, فالاحتقان الشعبي في قاع الهرم شديد, ولابد أن يكون هناك تبادل الخدمات وأنشطة مشتركة بين المسلمين والمسيحيين… مثلا بين جمعية الشبان المسلمين وجمعية الشبان المسيحية, فتوجد حتي يومنا هذا بعض القري في مصر لا تعرف أي شئ عن المسيحيين والفكر المسيحي, ولابد أن نبدأ بالتعليم في المدارس حيث يوجد في مصر 15 مليون طالب لا يعلمون عن شركائهم في الوطن إلا القليل.
فلنبدأ بأنفسنا
وكانت كلمة الأنبا بيسنتي أسقف حلوان والمعصرة كما قال وكيل نقابة أطباء القاهرة هي مسك الختام… وأهم ما جاء في هذه الكلمة: إن الكلام الذي يقال كلام طيب ولكن يجب ألا نظل نلقي اللوم علي الآخرين فلنبدأ بأنفسنا ونفعل هذا الكلام فلا يصبح مجرد كلمات تقال في المناسبات, ونحن في مطرانية حلوان والمعصرة وفي دير الأنبا برسوم العريان نفتح أبواب العمل والخدمة لجميع أفراد المجتمع بلا تمييز, وأتذكر أنه جاء إلي الحاج محمود وهو من أحبائنا العاملين معنا في الخير منذ سنوات وقد حصل ابنه علي ليسانس الحقوق بتقدير ممتاز وقال لي ماحدش حيضع محمد ابني في النيابة غير بركة صلواتك يا أنبا بيسنتي وبالفعل بنعمة الله تم تعيين محمد في النيابة, وهكذا لكل من يقصدنا من جميع أبناء المجتمع ويجب أن يكون هذا هو الوضع لكل مؤسسات المجتمع فالمساواة والعدل وقبول الآخر تقضي علي التعصب والإرهاب, والمصريون بطبيعتهم طيبون ويميلون إلي الخير, وعلي الصفوة وأنتم منهم أن يصبحوا قدوة لعامة الشعب فلنبدأ بأنفسنا.
ـــــــــــ
نقابة الأطباء ترصد مبالغ لأسر الضحايا
صرح الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء أنه تم إرسال وفد من نقابة الأطباء العامة لتقديم واجب العزاء لضحايا أسر نجع حمادي ومعهم شيكات بمبالغ رصدتها النقابة ستقدم لكل أسرة لديها ابن توفي أو تضرر من الحادث, وأيضا سيتم زيارة المصابين بالمستشفي والاطمئنان علي حالتهم الصحية.