عادت كورونا, وعادت الأحزان لتضرب قلوب الناس, الكل صامد أمام الوباء, لكن الطواقم الطبية وطواقم التمريض يقع عليها العبءالأخطر, لأنها في مواجهة مباشرة مع الموت, يحتملون ظروفا شديدة القسوة في بيئات عمل ذات قصور صارخ في المشافي الحكومية, والكل يعلم الأوضاع المتردية, تحولت حياتهم المهنية إلي كابوس دائم, يهدد أرواحهم وأسرهم, ومن يموت من طواقم الأطباء والتمريض متأثرا بإصابته بكورونا يموت أبناؤه جوعا, وربما تشريدا, وينطبق عليهم المثل الشعبي القائل: موت وخراب ديار.
فمطلوب من أسرة المتوفي أن تحيا بمعاش قيمته 900 جنيه, هذا ليس من عندياتي وإنما طبقا لتصريحات أمين عام نقابة الأطباء د.أسامة عبدالحي, لأن سنوات عمل الطبيب الشاب المتوفي قصيرة, وبالتالي معاشه قليل, آلت كل محاولات النقابة إلي الفشل في تخصيص معاش استثنائي للأطباء, مثل شهداء الحرب من الجيش والشرطة, وكل ما تم صرفه, هو مبلغ مائة ألف جنيه لشهداء الأطباء من فيروس كورونا, 50 ألف جنيه من نقابة الأطباء و50 ألفا من اتحاد المهن الطبية.
فلماذا لا يتسع صدر الحكومة لتنظر في هذا الملف بجدية؟.
لا تقتصر الكارثة علي معاش ضئيل, ولا علي تجاهل مواجع الفئة المنقذة, وإنما تمتد لما هو أكثر رعبا, فإجراء المسحة للأطباء والممرضين المشتبه في إصابتهم علي نفقة جهات عملهم, أمر ذو صعوبة رهيبة, فلا يتم عمل مسحات أو تحليل بي سي آر بل يتم تلقي العلاج مباشرة في أماكن العزل المخصصة, وبالتالي لا يوجد إثبات علي أن سبب الوفاة هو الإصابة بكورونا ـ طبقا للدكتورة مني مينا ـ لأن عدم إجراء المسحة يغيب الإثبات الرسمي للإصابة, وهكذا تضيع فرصة الطبيب الشهيد في الحصول علي معاش شهيد.
أما عن الإعانات, فحدث ولا حرج, فإعانة الإصابة بكورونا للأعضاء البالغ عددهم 5975, موزعين علي تخصصات مختلفة, لم تتخط 91 إعانة حصلت عليها 91 أسرة بعد تقديمها إعلام الوراثة للطبيب المتوفي. أين الدولة من هذا الظلم البين؟ أين رئيس الوزراء مما يحدث؟ ألم يعد بإضافة أسر شهداء الأطباء للمعاش الاستثنائي مثل شهداء الجيش والشرطة في العمليات الحربية؟ أين تلك الوعود؟.
يصل إجمالي ضحايا كورونا إلي 6258, ونسبة شهداء الأطباء فقط وليس كل الأطقم الطبية حوالي 3% من نسبة كل ضحايا كورونا, وهي نسبة دفعت دكتورة مني مينا النقابية المخضرمة لإطلاق عدة استغاثات تطالب فيها بتحسين نظم مكافحة العدوي وإلا سوف نواجه نسبة أكبر من وفيات الأطباء. علي وزارة الصحة الاستعداد لها وتوفير المسحات.
يدهشني حقا أننا نترك أبناء الأطباء المتوفين بلا إعانة مادية, بينما نتغني بإصدار البنك المركزي عملة للأطباء تكريما لتضحياتهم في مواجهة جائحة فيروس كورونا!! هذا تكريم لا يشبع بطون الجوعي, ولن يدفع المصروفات المدرسية لأبنائهم الأيتام, ولن يقدم لهم كسوة الشتاء القادم أو يسدد عن زوجاتهم فواتير التزامات الحياة.
طواقمنا الطبية ليست رخيصة, ولسنا أقل من سائر الدول فالسعودية تصرف تعويضا نصف مليون ريال, ما يوازي حوالي مليوني جنيه لأسرة المتوفي من الفريق الطبي بإصابة كورونا, لا نطالب بالملايين لكننا نضم صوتنا لصوت الأطباء ونقدم عبر هذا المنبر ثلاثة مطالبة مشروعة لمواجهة الموجة الثانية من كورونا فيما يخص الطواقم الطبية وهي: تشديد إجراءات مكافحة العدوي لحماية الأطقم الطبية, عمل مسحة أو تحليل بي سي آر لأي طبيب أو عضو فريق طبي مشتبه بإصابته بكورونا, وصرف معاش الشهيد لشهداء الفريق الطبي حتي نحمي أسرهم التي فقدت الأب والزوج والعائل, ومساندتهم لتلافي السقوط في مصيدة الموت وخراب الديار.