أولا: لماذا الحوار؟
يجب أن نربي أنفسنا وأولادنا علي ثقافة الحوار:
1- فالحوار هو لغة السيد المسيح -له المجد- كان يستخدمها مع الأفراد: مثل السامرية, ونيقوديموس, ونثنائيل, ومريم ومرثا.. ومع جماعة التلاميذ.. ومع جموع اليهود, حين تحدث معهم عن الجسد والدم في (يو6), أو عن الحرية في (يو8).
2- والحوار هو لغة الحكماء.. فقد قيل عن سقراط أنه حينما رأي أحد التلاميذ لا يحاوره ولا يتحدث إطلاقا, قال له: تكلم يا ابني حتي أراك.. فالحوار يكشف مكامن النفس واحتياجات وتساؤلات ومشكلات الإنسان, كما أنه يصل بالإنسان إلي معرفة الرد والحلول, والاقتناع بذلك, والتنفيذ في حياته.
3- والحوار أيضا هو لغة العصر.. إذ تتجمع المعلومات, وتطرح الأفكار للحوار علي مستوي جماعات العمل الصغيرة لنصل إلي الرأي السديد.. بل أحيانا تطرح القضايا القومية الهامة علي الشعب كله من خلال وسائل الإعلام المختلفة, ليدور حولها حوار قومي, بغية الوصول إلي رؤيا أوضح للمستقبل, وحلول أفضل لمشاكل الوطن.
4- كذلك فالحوار هو لغة التواصل.. فالحديث من جانب واحد هو إملاء ولا يحدث نوعا من الاحتكاك والتفاعل. ويجب أن نؤمن أن الرب لا يتكلم فقط من خلال المعلم, لأنه ربما يتكلم من خلال التلميذ.. والتواصل يصل الخادم بالمخدوم, ومن خلاله يتعرف الخادم علي واقع المخدوم, واحتياجاته, ومشكلاته, ومواهبه, وطاقاته.. كذلك يستطيع الخادم من خلال الحوار الوصول بالمخدوم إلي اكتشاف نفسه, وطريقه, والقرار الصائب الذي يجب أن يتخذه, والحل الأمثل لمشاكله.
ثانيا: أنواع الحوار
الحوار مع الشباب علي نوعين:
* فالحوار الفردي: يكون من خلال العلاقة الشخصية بين الخادم والمخدوم, من خلال الافتقاد والخدمة الفردية.. وهذا الحوار يجب ألا يكون متسما بالطغيان (أستاذ وتلميذ), ولا بالاقتحام (الدخول بأسلوب خشن إلي خصوصيات الشباب), ولا بالتعلق العاطفي (إذ يستغل الخادم الطاقة المختزنة للمخدوم, ويستولي علي جزء كبير منها, علي حساب محبة المخدوم للمسيح, والكنيسة, والأصدقاء, وبقية الخدام). فهذا النوع من التعلق العاطفي يضر بالخادم والمخدوم معا, إذ تتصخم ذات الخادم من جراء التفاف الشباب حوله, وتموت خصوصية المخدوم وجوهره الفردي, حين يتلاشي في الخادم, وتمتنع صلته بالرب وبالآخرين.
جلسة الافتقاد ليست سوي جلسة محبة للخادم والمخدوم معا, عند أقدام المسيح, نعبر فيها عن حب روحي حقيقي للمخدوم نابع من محبة المسيح له, ثم يتجاذب أطراف بعض آيات الإنجيل, ثم ننتهي باتفاقات محددة يستريح إليها وبها المخدوم.. إنها صداقة حب, تخلو من الدالة والتعلق والارتباط الشخصي وتأليه الذات.. وتتجه نحو اقتراب الخادم والمخدوم معا, من الرب يسوع مخلص الجميع, ومشبع حياتهم.
* الحوار الجماعي: في الفصل أو الاجتماع أو مجموعة العمل, وينبغي أن يتسم بسمات هامة منها:
1- أن يكون حوارا مهدفا, بمعني ألا يتوه الهدف بينما نطرح الموضوع للتحاور.
2- وأن يكون حوارا روحيا, فليس الهدف الجدل العقلي الجاف, أو فرد عضلات المعرفة والذات, بل الوصول معا إلي قناعة مشتركة بأهمية الموضوع المطروح لحياتنا, وبضرورة ممارسته بأسلوب حي ومشبع.
3- وأن يكون الحوار منظما, فلا يتحول اللقاء إلي فوضي, والكل يتحدث وليس من يسمع, أو ترتفع حدة الانفعالات, أو يتحدث أحد دون استئذان أو يقاطع غيره.. إلخ.
4- كذلك فلابد أن يكون الحوار جماعيا, بمعني أن تشترك كل المجموعة فيه, فلا يحدث استقطاب بين واحد من الحاضرين وبين المتكلم, فينصرف بقية الحاضرين عن الموضوع.. يجب أن يشارك أكبر عدد بالسؤال, وبالإجابة, وبالاقتراح, وبالفكرة, وبالرأي.. يجب أن يدخل أكبر عدد ممكن من الحاضرين داخل دائرة الموضوع.
5- والحوار الناجح يجب أن يكون تفاعليا.. بمعني أن تتسم المناقشة بالحيوية الهادئة, وليس بمجرد تسجيل أفكار متناثرة غير مترابطة أو متداخلة.. الحوار الحي كالكائن الحي.. ليس هو مجرد أفكار علي أوراق, بل هو تفاعل خلاق.
6- ولابد في النهاية من تجميع ما توصلنا إليه, حتي لا يخرج السامع مشتت الذهن. بل يصل إلي خلاصة تفيده وتبنيه.
ثالثا: فوائد الحوار
1- نتعرف علي واقع المخدومين ومشكلاتهم واحتياجاتهم.
2- ندرس إمكانية التعامل مع هذا الواقع فعلا.
3- وحين تظهر المشكلات في التطبيق, يتم حلها من خلال الحوار.
4- وهكذا تراعي الفروق الفردية بين المخدومين.
5- ونصل إلي قناعة مشتركة خالية من القمع أو السيطرة الفكرية.
وهكذا تنشأ أجيالنا الصاعدة, حية, وحرة, ومتفاعلة.