أصدرت الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي حول الحريات الدينية في العالم, وأشار التقرير إلي تدهور الحريات الدينية في مناطق كثيرة, منها بعض البلدان الأوربية حيث ثم فرض تدابير قاسية تحد من حرية التعبير الديني, وكذلك استمرار تراجع الحريات الدينية بالمنطقة العربية وبعض الدول الآسيوية.
هذا التقرير السنوي يعتمد علي مصادر تشمل صحافيين وأكاديميين ومنظمات غير حكومية وجماعات مدافعة عن حقوق الإنسان وجماعات دينية, قائمة طويلة بالانتكاسات والتحسينات في الحريات الدينية في أرجاء العالم, ويوثق تقرير الحرية الدينية في العالم عام2010 وضع الحريات الدينية خلال الفترة من 1يوليو 2009 حتي 30يونية 2010, ويتمحور اهتمام التقرير الأساسي علي إجراءات حكومية رسمية تؤدي إلي القمع الديني أو تتساهل حيال العنف ضد الطوائف الدينية, وتدابير تعمل علي صون الحرية الدينية وتشجيعها, والتحسينات والتطورات الإيجابية, واحترام المجتمع للحرية الدينية, وسياسات الحكومة الأمريكية وإجراءاتها في هذا الشأن.
اعتبر التقرير أن الحرية الدينية حق أساسي من حقوق الإنسان وعنصر أساسي في أي مجتمع مستقر ومسالم ومزدهر, كما أن إشاعة الحرية الدينية هي هدف جوهري للسياسة الخارجية للولايات المتحدة, بحسب ما نص علي ذلك قانون الحرية الدينية في العالم للعام 1988, والدعوة الأمريكية للحرية الدينية نابعة من التزام الولايات المتحدة بدفع عجلة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية في العالم أجمع.
أورد التقرير كوريا الشمالية وإيران وميانمار والصين والسودان وأريتريا والسعودية وأوزبكستان ضمن قائمة البلدان الأكثر إساءة للحرية الدينية, مكررا الانتقادات التي توجهها الولايات المتحدة في كل عام تقريبا.
الحريات الدينية في العالم العربي
رصد التقرير تدهور الحريات الدينية في العالم العربي, ففي مصر نوه إلي أنه بالرغم من ضمان الدستور المصري لحرية الاعتقاد وممارسة الدين, فإن الحكومة المصرية لازالت تضع العديد من القيود علي ممارسة تلك الحريات, كما أن احترام الحكومة المصرية للحريات الدينية لايزال ضعيفا ولم يتغير عن العام الماضي, مشيرا إلي أن الأقليات الدينية مثل المسيحيين والبهائيين يواجهون تمييزا فرديا وجماعيا, خاصة في الوظائف الحكومية وحرية بناء أو ترميم أماكن عبادتهم.
كما نوه التقرير إلي قيام الحكومة باعتقال أو مضايقة المسلمين من الشيعة والأحمديين والقرآنيين المتحولين منهم من الإسلام للمسيحية, بالإضافة إلي اضطهاد الجماعات الدينية التي لا تتفق معتقداتها مع التعاليم الإسلامية وأن الحكومة غالبا ما ترفض اعتماد بطاقات هوية لأولئك المتحولين عن دينهم, كذلك فشلت في مقاضاة مرتكبي جرائم العنف ضد المسيحيين في عدد من القضايا مثل بهجور وفرشوط ومرسي مطروح.
ركز التقرير علي أنه بالرغم من التصريحات التي أطلقها الرئيس مبارك وعدد من كبار المسئولين المصريين بإدانة الفتنة الطائفة وأعمال العنف ضد الأقباط, إلا أن محافظ المنيا خرج في 24 نوفمبر 2009 لينفي وقوع أي أعمال عنف طائفية في محافظته علي الرغم من أن تلك الأعمال تم تسجيلها وتوثيقها, كذلك فشلت الحكومة مجددا في إصلاح القوانين المتعلقة ببناء الكنائس أو ترميمها, وكذلك الممارسات الحكومية خاصة ما يتعلق منها بالتوظيف حيث يتعرض الأقباط للاضطهاد.
انتقد التقرير جلسات الصلح الودية التي تقعدها الحكومة بشكل غير رسمي بعد كل حادث طائفي, حيث إن هذه الطريقة تساعد المجرمين المتورطين في تلك الأحداث علي الإفلات من العقاب, كما أنها تخلق مناخا يساعد علي وقوع جرائم أخري مماثلة, وأشاد التقرير بخطاب الرئيس مبارك الذي قال فيه إنه في الدولة المدنية الحديثة لا يوجد مكان لأولئك الذين يثيرون النعرات الطائفية, أو الذين يفرقون بين المسلمين والمواطنين الأقباط.
رصد التقرير عددا من الأمور الإيجابية في مجال القضاء علي الطائفية من بينها إعلان عقد الأزهر والفاتيكان للجنة المشتركة للحوار بين الديانات حيث ركز الحوار علي فهم العنف الطائفي وأسبابه, واختتم التقرير بالتأكيد علي اهتمام الإدارة الأمريكية بأوضاع الحريات الدينية في مصر.
طالب التقرير بضرورة عدم التقيد بقواعد الشريعة الإسلامية في الزواج,خاصة زواج المسلمة, والتي نصت الشريعة علي ضرورة أن تتزوج المسلمة من مسلم وضرورة سماح الحكومة المصرية بزواج المواطنين من ديانات وضعية أخري, ولايقتصر اعتراف الحكومة بالزواج فقط بين أفراد الديانات السماوية الثلاث اليهودية, والمسيحية, والإسلام.
كما أبرز التقرير ما نصت عليه الشريعة الإسلامية من قواعد الميراث التي نصت علي أن المرأة المسلمة تحصل علي نصف نصيب الرجل في الميراث, وانتقد حرمان الأرامل المسيحيات اللاتي كن متزوجات من مسلمين من حقوقهن في الميراث, باستثناء ما تنص عليه وصايا مشيرا إلي إنه بموجب الشريعة الإسلامية, المتحولون من الإسلام يفقدون جميع حقوقهم في الميراث لأن الحكومة لا توفر أية وسائل قانونية للمتحولين من الإسلام إلي المسيحية لتعديل سجلاتهم المدنية لتعكس وضعهم الديني الجديد, وهو ما يؤدي إلي أن بعض المتحولين من الإسلام إلي المسيحية يلجأون إلي الحصول علي أوراق هوية غير مشروعة, وغالبا عن طريق تقديم وثائق مزورة أو دفع رشوة لموظفي الأحوال المدنية, حيث تقبض الحكومة علي هؤلاء الموظفين بتهم التزوير.
نوه التقرير إلي خضوع 104 آلاف و506 مساجد لوزارة الأوقاف تكلف الوزارة دفع رواتب الأئمة, في حين لا تساهم الوزارة في تمويل الكنائس المصرية, والإشارة إلي قرار صدر من وزير الأوقاف في أبريل 2010 يفوض المحافظين بإزالة كافةالزوايا غير الخاضعة لوزارة الأوقاف, ووجود نحو 20ألف مسجد وزاوية غير خاضعة للأوقاف يتوجب تطبيق قرار وزير الأوقاف عليها, بما يعني ضرورة إغلاقها وإزالتها.
كما انتقدالتقرير عدم ترشح أعداد كبيرة من الأقباط علي قوائم الحزب الوطني, متناسيا إحجام الأقباط أنفسهم عن ممارسة السياسة, بالإضافة إلي أن عملية الترشح تحكمها اعتبارات عديدة لضمان المنافسة الجادة والفوز في مواجهة مرشحين آخرين. كذلك الإشارة إلي قرار الحكومة بذبح نحو 400 ألف خنزير العام الماضي لمنع انتشار مرض إنفلونزا الخنازير علي أنه قرار تمييزي ضد المسيحيين الذين يتملكون مزارع تربية الخنازير داخل المناطق العشوائية في مصر.
أشار إيضا إلي وجود اتصال دائم لكبار المسئولين الأمريكيين بمكتب حقوق الإنسان في وزارة الخارجية المصرية, ومع غيرهم من المسئولين الحكوميين المصريين, والمحافظين والنواب البرلمانيين وكلها تتعلق بالشأن الديني. وأفرد التقرير لذلك الفصل الرابع من التقرير متحدثا عن سياسة الحكومة الأمريكية تجاه ملف الحريات الدينية في مصر كاشفا عن تدخل أمريكي سافر في الشأن الديني المصري, ومناقشة السفارة الأمريكية بالقاهرة باستمرار مسائل الحرية الدينية مع مسئولين حكوميين بما في ذلك المحافظون وأعضاء بمجلس الشعب المصري. وأشار إلي أن مسئولين في السفارة الأمريكية أداروا حوارا نشطا مع قادة اليهود, والجماعات البهائية, والمسيحيين والمسلمين, وجماعات حقوق الإنسان, وناشطين آخرين وقال أن مسئولين في السفارة الأمريكية يحققون في شكاوي التمييز الديني الرسمي التي ترسل للسفارة, كما تناقش السفارة مسائل الحرية الدينية مع مجموعة من الأسماء والشخصيات العامة المصرية, بمن في ذلك الأكاديميون ورجال الأعمال والمواطنون في المحافظات خارج القاهرة العاصمة. وأضافتتصدي السفارة الأمريكية لأي مقالات في وسائل الإعلام المصرية تكون معادية للسامية, وأن السفارة الأمريكية تعقد من أجل ذلك لقاءات مع الصحفيين ورؤساء تحرير الصحف المصرية من أجل هذا الأمر.
في السعودية أوضح التقرير أنها لا تعترف بحرية الدين ولا تحميها لكنها تضمن حق الجميع بمن فيهم غير المسلمين, في العبادة مع عدم الجهر بها. وتابع التقرير أنه بينما بقيت القيود بصفة عامة علي الأنشطة الدينية فإن من الممكن رصد تحسينات شملتإجراءات انتقائية لمحاربة الأيديولوجيات المتطرفة.
وانتقد التقرير الكويت واعتبر الحكومة تفرض حدودا بدرجة ما علي ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين, كما أن الأقليات الدينية شعرت بقدر من التفرقة بسبب السياسات الحكومية بالإضافة إلي أن نسبة تمثيل المواطنين الشيعة في الجيش والشرطة كانت جيدة, إلا أنهم كانوا أقل في الحرس الوطني, وقد أعرب بعضهم عن أن هناك حاجزا من زجاج يحول دون توليهم مناصب قيادية.
أما السودان التي وضعها التقرير ضمن قائمة البلدان الأكثر إساءة للحريات الدينية, فأشار التقرير إلي أنه رغم أن دستور البلاد يسمح بحرية الدين فإن ممارسته لاتزال تواجه عوائق وصعوبات, وإن ظهرت بوادر بعض التحسن حيث ذكر أنه علي عكس فترة إعداد التقرير السابق فإن بعض الكنائس في الشمال تمكنت من إقامة الصلوات بانتظام والاحتفال بالعطلات.
أوضح التقرير أن الحريات الدينية تتراجع في المغرب وأن سياسة التمييز ضد المسيحيين والمجموعات الدينية الأخري لازالت تمارس وذلك علي خلفية طرد المغرب لمبشرين مسيحيين كانوا يمارسون نشاطهم بين الأطفال في المناطق النائية, واعتبر التقرير أن الحكومة المغربية مستمرة في احترام حق الأغلبية الساحقة من المواطنين في ممارسة شعائرهم الدينية, إلا أن هناك تراجعا في بعض الجوانب, كما خصص التقرير جزءا لطرد السلطات المغربية في مارس ومايو الماضيين 150 مواطنا أجنبيا كانوا يمارسون التبشير بالديني المسيحي في أوساط الأطفال الأيتام والفقراء في المناطق النائية وسط البلاد بعد أن داهمت الشرطة أماكن اجتماعات لهؤلاء, وأن السلطات المغربية استندت في قرارها بطرد المبشرين إلي نصوص قانونية تتعلق بدخول وإقامة الأجانب تسمح لها بإبعاد من تعتقد أنه يشكل تهديدا خطيرا للنظام العام وذلك حتي تتجنب تقديم المبعدين إلي محاكم وما يمكن أن تنجه من حملات إعلامية.
إضافة إلي ذلك رسم التقرير صورة قاتمة لوضع الحريات الدينية في إيران, حيث قال التقرير إن احترام الحرية الدينية في الجمهورية الإسلامية تدهور, وأن وسائل الإعلام التي تخضع لسيطرة الحكومة شددت الحملات السلبية ضد الأقليات الدينية وخاصة البهائيين, وأن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد واصل حملة قاسية معادية للسامية وشكك في وجود وحجم المحارق.
انتقادات لدول أوربية
انتقد التقرير فرض بعض الدول الأوربية قيودا علي حرية التعبير الدينية بسبب تدابير قاسية تحد من هذه الحرية حيث أشار إلي بلدان مثل فرنسا التي أقر فيها مشرعون قوانين تحظر علي المسلمات ارتداء النقاب وسويسرا حيث أقر الناخبون قانونا يحظر علي المسلمين بناء مآذن للمساجد الجديدة وأن الضرر المستمر الناجم عن عدم التسامح وانعدام الثقة قد يلحق ضررا بالحريات الدينية مثلما تسببه أعمال الحكومات التسلطية أو الجماعات المتطرفة.
رفض عربي
كعادة البلدان العربية أمام مثل هذه التقارير أعلنت بعض البلدان العربية رفضها للانتقادات الموجودة لحكوماتها بهذا التقرير, ومن أبرز هذه البلدان مصر والكويت والسعودية والإمارات…واتهمت هذه الدول الولايات المتحدة بالتدخل في الشئون الداخلية بها, وتساءلت عن كيفية قيام الولايات المتحدة بالوصاية علي الحريات الدينية بها, في حين أنها ركزت علي الانتقادات التي أوردها التقرير ضد البلدان الأوربية من حيث تراجع الحريات الدينية بها وخاصة ضد المسلمين.