تمثل الأسرة البوتقة التي ينصهر فيها الطفل ليتحول من كائن بيولوجي إلي كائن اجتماعي, حيث يقع علي كاهلها مسئولية التنشئة والتوجيه من خلال عملية التربية, التي يتأثر الطفل من خلالها باتجاهات الأبوين وقيمهم ويتعلم من أفعالهم أكثر مما يتعلم من كلامهم.. وتصبح القضية أكثر خطورة إذا كان هناك تضارب بين الأبوين في عملية التربية, وما ينتج من آثار اجتماعية ونفسية. عن أسباب التضارب والآثار الاجتماعية الناجمة عنه, تحدثنا إلي الدكتور ثروت إسحق عبدالملك أستاذ علم الاجتماع فقال: إن سبب اختلاف الأبوين حول عملية التربية يعود إلي اختلاف المستوي المعرفي بينهما وبالتالي تباين القدرة التربوية بينهما.
يضيف أن أهم الآثار الاجتماعية الناجمة عن ذلك, خلق طفل مشوش ومذبذب لا يستطيع أن يتخذ قرارات بمفرده, وقد يميل الطفل إلي أحد الأبوين لإشباع رغباته.
هذا بالإضافة إلي أن نبذ أحد الأبوين أو كليهما للطفل يؤدي إلي التواء شخصيته, فيحاول تعويض ذلك الحرمان وعدم التقدير بخلق عالم من خياله وما يترتب علي ذلك من الشعور بالنقص ويظهر في العدوان علي الآخرين أو الانطواء علي النفس, كأن ينهمك طول اليوم أمام الكمبيوتر كبديل عن العلاقات السوية.
إلي جانب ذلك قد يستخدم الطفل في التجسس من جانب أحد الأبوين لمعرفة أخبار الطرف الآخر, ويحاول الطفل سرد حكاوي ويختلق موضوعات من خياله, من أجل الحصول علي رضا أحد الأبوين أو مقابل حصوله علي المزيد من الحلوي أو اللعب, وهنا يتعلم الطفل العنف والقسوة في المعاملة, التي تؤثر عليه في المستقبل.
وعن الآثار النفسية الناجمة عن اختلاف الأبوين في عملية التربية يقول الأستاذ الدكتور أحمد خيري حافظ أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس: للأسف أن تربية الأطفال أصبحت لا تدخل ضمن اهتمام الأسرة سوي في جانبها المادي أي توفير الاحتياجات المادية للطفل من مأكل وملبس وما إلي ذلك.
ويشاع اليوم ما يسمي بتربية الرفاهية, حيث يشب الطفل دون تحمل أدني مسئولية بالإضافة إلي أننا نعاني من إلقاء عبء التربية علي الأم, ويصبح الزوج مسئولا ماديا فقط عن الأسرة, وقد يصبح الأب صورة للعقاب وممارسة التهديد فقط علي الأبناء دون أن يكون له دور في التربية.
ويضيف: إن من أهم الآثار النفسية الناجمة عن تضارب الأبوين في عملية التربية, اضطرابات سلوكية عند الطفل تعكس ضعف الثقة بالنفس, والخوف من اتخاذ القرارات, والاعتمادية الشديدة علي الآخرين, فضلا عن ارتفاع نسبة الاكتئاب لدي الأطفال.
وقد يتلقي الطفل رسائل مزدوجة من أحد الأبوين, تجعله يتخبط ولا يستطيع أن يميز بين الصواب والخطأ.
إن عملية التربية ليست بالصعوبة كما يظنها البعض, بل هي تحتاج إلي المزيد من خلق التفاهم والحوار المشترك بين الأبوين, وحسن معاملة كل منهما للآخر لأنه من خلال أفعالنا يتعلم أبناؤنا.