المادة الثانية من الدستور المصري التي تنص علي أن ## الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع## تعامل علي أنها مادة تسمو علي ما عداها من مواد, وتفرغ مواد المساواة والمواطنة والحريات من مضمونها.
مؤخرا ألغت محكمة القضاء الإداري ترخيص مجلة إبداع التي تصدرها مؤسسة عريقة من مؤسسات الدولة وهي الهيئة المصرية العامة للكتاب,لأن المجلة نشرت قصيدة للشاعر المصري حلمي سالم فسرها المحامي سعيد صبري علي أنها تسئ للذات الإلهية ,فرفع قضية ضد كاتب القصيدة وضد رئيس تحرير المجلة الشاعر المعروف احمد عبد المعطي حجازي, فما كان من القاضي إلا إصدار حكم بإلغاء ترخيص المجلة.هذا, واستند سيادته إلي المادة الثانية من الدستور وأن نشر القصيدة هو ضد النظام العام الإسلامي في مصر.وفي تعليقه علي الحكم قال الدكتور وحيد عبد المجيد إن مشكلة الحكم تأتي من الحق في الحسبة الذي يستغله بعض الناس , وهو نظام لا يوجد في أية دولة حديثة في العالم علي حد قوله.
علي الملأ ومن خلال برنامج تليفزيوني كفر الصحفي جمال عبد الرحيم أستاذة جامعية مرموقة هي الدكتورة باسمة موسي, الأستاذة بكلية طب الأسنان جامعة القاهرة, ودعا لقتلها لأنها بهائية مرتدة عن الإسلام, وهي جريمة تحريض ارتكبها علي الهواء مباشرة أمام ملايين المشاهدين, مرتكنا علي المادة الثانية من الدستور ومدعيا الحفاظ علي النظام العام الإسلامي الذي تقرره هذه المادة, وعقب البرنامج هاجم البعض بيوت البهائيين في إحدي قري محافظة سوهاج وهم موقنون أن يد العدالة لن تطولهم.
ولكي يبرر الصحفي المذكور جريمته استعرض في عموده بجريدة الجمهورية الفتاوي والقرارات التي صدرت عن المؤسسات الإسلامية في مصر ضد البهائيين ,ومنها فتوي مجمع البحوث الإسلامية الصادرة في ديسمبر 2003 والتي وصفت البهائية بانها من الأوبئة الفكرية الفتاكة التي يجب أن تجند الدولة كل إمكاناتها لمكافحتها والقضاء عليها.
يوم 3 أبريل هاجمت القوي الأمنية بيت لمسيحي يدعي بنيامين عطية في عزبة دبوس التابعة لقرية العور بمركز سمالوط بالمنيا, والقت القبض علي 32 قبطيا بينهم 20 سيدة بتهمة ممارسة الصلاة بدون ترخيص في بيت هذا الرجل, ومن المؤسف أن توجه النيابة العامة للرجل أيضا تهمة إقامة شعائر دينية بدون ترخيص!!!., ولا أعرف تحت أي قانون وجهت النيابة العامة هذه التهمة العجيبة للرجل.
خطورة المادة الثانية تعكسها التصريحات الخطيرة لرئيس مجلس الشعب الدكتور أحمد فتحي سرور أثناء التعديلات الدستورية الأخيرة عندما قال ثوابت الدولة في مصر التي يحرم الاقتراب منها تشمل النظام الجمهوري والمادة الثانية من الدستور.
تغلغل واتساع دور هذه المادة يقرره تفسير اللجنة البرلمانية التي أعدت التعديل الدستوري في صورته النهائية عام 1980 حيث أوضحت اللجنة ##أن إرادة المشرع الدستوري تعني أنها المصدر الوحيد, وأنها تستهدف بذلك إلزام المشرع بعدم الالتجاء إلي غيرها حتي ولو لم يجد في الشريعة الإسلامية الجواب الشافي##.
مئات القضايا والأحكام التي لا تستند إلي أي قانون مصري ولا تستند لقيم الدولة الحديثة كانت وراءها هذه المادة,وبعد ذلك يقولون إن المادة الثانية مادة كامنة وليست نشطة,فماذا سيحدث لو كانت نشطة؟.
كل ذلك يعود بنا إلي الإشكالية الرئيسية في مصر, والسؤال الرئيسي الذي يحتاج إلي إجابة واضحة… ما هو شكل الدولة الذي نريده لمصر؟ دولة مدنية أم دولة دينية؟.
الدولة المدنية ليست لها مرجعية دينية وإنما تفصل الدين عن الدولة والسياسة, المرجعية فقط تكون للأحزاب وليس للدولة, ومن ثم لا يمكن وجود دولة مدنية ولا مواطنة حقيقية في ظل وجود هذه المادة.. وبالتالي لا يمكن إصلاح مصر في ظل وجود هذه المادة.
وصدق الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي بقوله: هناك من يظن أن المواطنة تهم المسيحيين وحدهم لأنها تحميهم من الاضطهاد, والحقيقة أن المواطنة تهم المصريين جميعا المسلمين قبل المسيحيين.
[email protected]