يحمل الحوار كمفهوم وسلوك ووسيلة للتخاطب والتواصل بين البشر جميعا مجموعة من المعاني والقيم والأسس والآليات التي تستهدف بناء التماسك والتضامن الإنساني وإعلاء وتقدير وتعزيز قيمة تميز وتفرد الفرد والجماعة, وإن لم يؤسس الحوار علي هذه المجموعة من القيم ذات المبادئ الأساسية فسوف يواجه بالفشل ولا يحقق الأهداف المرجوة منه.
والعناصر التالية هي محاولة لربط معاني وقيم الحوار وقضاياه الأساسية, فالحوار هو ## فن إدارة الوصول إلي فهم مشترك وتفاهم مجتمعي## كما في معجم Webster وهو أيضا التجاوب والمجاوبة كما في قاموس ##لسان العرب## كما أنه في الأصل اليوناني للكلمة dialogue هو ##مشاركة الأسباب والمنطلقات الفكرية والإيمانية## والتي تدعو إلي زيادة الفهم والإدراك بين المتحاورين.
الحوار سلوك بشري حضاري, وهو لغة للتخاطب والتواصل بين الأفراد والجماعات والثقافات, ونحن نأتي إلي عملية الحوار كأفراد أو جماعات أو ثقافات حاملين تفردنا وسماتنا, تاريخنا وتراثنا, معتقداتنا وآرائنا ووجهات نظرنا في أمور الحياة المختلفة وبهذا فإننا نحمل ما ننفرد به مع أطراف الحوار الأخري.
ولكي يكون الحوار حوارا فعليا, علينا كأطراف مختلفة ومتميزة أن نكون أنفسنا بكل ما نحمله من تمييز واختلاف عن الآخرين.
يدخل المتحاورون في عملية مشاركة, لمحاولة فهم حقائق وأمور الحياة حسب ما يدركها ويفهمها ويختبرها كل طرف من أطراف الحوار, مما يعاونهم علي الفهم والإدراك المشترك لكل طرف آملين معا أن يؤدي ذلك إلي توثيق العلاقات بينهم وتوطيدها والتماسك والتضامن مع قبول وتقدير التنوع والاختلاف والتمايز بينهم راغبين في استمرار الحياة والتعايش المشترك. يفترض المتحاورون أن كل طرف لديه جزء من الحقيقة أو الإجابة علي التساؤلات التي نحملها عن حقائق الحياة ومعضلاتها, فلا يوجد أحد من أطراف الحوار يمتلك الحقيقة بكاملها أو لديه إجابات لكل التساؤلات عن أمور الحياة المختلفة, فمعا نستطيع أن نسعي لاكتشاف حقائق الحياة بالإصغاء لبعضنا البعض, وتتفتح بصيرتنا الجمعية علي مرجعيات بعضنا البعض, فتبني الأرضيات المشتركة وتقدر نقاط الاختلاف.
يقبل المتحاورون أن يكون لديهم الاستعداد لتصحيح ما لديهم من أفكار أو صور نمطية مغلوطة عن بعضهم البعض, وهي عملية ذاتية يمارسها كل طرف فيخرج من الحوار بأفكار وصور مغايرة لما دخل بها الحوار لا سيما عن الطرف الآخر وتتغير مشاعره وعلاقاته, مما ينتج تفاعلا مجتمعيا أكثر إيجابية, ويخلق الرغبة والإرادة من أجل التعايش والمعايشة والعمل المشترك.
مع الاستمرار في عملية الحوار تتكون لدي المتحاورين قدرة أكبر علي الفهم والإدراك وتقدير أكبر للاختلاف واحترامه, مع تعميق الحوار والمواجهة والنقد دون أن يحدث توتر أو انزعاج أو رفض الأطراف بعضها البعض, وتكفير بعضها البعض.
وفي هذا الإطار يتبني المحاورون منهجية النقد المزدوج بين نقد الذات والرؤية النقدية لخطاب الآخر, وهو ما يحتاج إلي ممارسة منهجية بعيدة عن الهجوم أو التجريح أو التقليل من الآخر. هذا المنهج يعتمد علي سعي كل طرف لرصد وفهم خطاب الآخرين مؤكدين جميعا علي أن الثقافات تقوم علي الإبداع, وتختلف مساراتها باختلاف الشعوب التي أنتجتها.
يفترض المتحاورون وجود حد أدني من المرجعية المشتركة, وهي نتاج الحضارة الحديثة من قيم الحرية والعدالة والمساواة بين جميع البشر شعوبا وأفرادا علي حد سواء, باعتبار أن هذه القيم هي القاسم المشترك والناتج الذي اشتركت فيه وتفاعلت معه جميع الحضارات والثقافات علي مر العصور.
يفترض الحوار تحقيق احترام متبادل ومتكافئ بين أطراف الحوار يتمثل في:
* إرادة صادقة في معرفة كل طرف عن الآخر من حيث آرائه, وأفكاره, ومعتقداته وثقافاته.
* اعتراف كل طرف بحق الأطراف الأخري في اختياراتهم باعتبار أن الجميع بشر لهم كرامتهم الإنسانية بغض النظر عن اختلافات اللون, والعرق, والنوع أو غيرها فهذه خليقة الله الجميلة الواسعة الممتلئة بالتنوع, والله هو الذي أعطي للإنسان كرامة في ذاته.
* يرتبط احترام الآخر ارتباطا وثيقا باحترام الذات فيدرك الفرد بوعي كامل أنه مساو للآخر, مما يؤسس لعملية الاحترام المتبادل.
يسعي المتحاورون بتناولهم لقضايا الحياة المعاصرة إلي اكتشاف أبعاد هذه القضايا المتعددة باعتبار أن هذه القضايا أضحت في ظل عالم كوني صغير يوصف بكونه قرية صغيرة فتحولت تلك القضايا إلي المزيد من التعقيد والتشابك, والحوار بشأنها لابد أن يكون في ظل تعددية فكرية.
في سبيل تحقيق إنسانيتنا (والتي هي منحة الله للإنسان), وتفعيل ثقافة الحوار في عالمنا, فنحن بحاجة دائما إلي المزيد من التعارف والتبادل فنتحرك من نقطة الاعتراف المتبادل إلي تقبل التفاعل والتعايش بين الهويات الثقافية المتعددة مما يعطي فرصا أكبر لتوسيع دائرة المشاركة في مرجعيات إضافية والتحرر من حتمية الاعتماد المطلق والأحادي علي مرجعيات ثقافية تاريخية تقليدية بعينها ذات آفاق محدودة وضيقة.
القيم الثقافية والإيمانية التي حملتها عملية التعايش (والتلاقح/ التلاقي) الثقافي عبر العصور والأجيال المختلفة, هي التي تؤسس لحوار ثقافي ثري يتبني حضارة تتقدم وتتفاعل وتتحرك بفعل التماسك والتضامن بين أبناء البشر بجميع ثقافتهم, وقبول التنوع والاختلاف بين أطراف الحوار, كما يبني الحوار علي الاعتقاد والإيمان بتميز كل فرد باعتباره خليقة الله الجميلة, والتي أبدع فيها فخلق الإنسان أجناسا وأعراقا وقبائل وشعوب لنتعارف ونتعاون وفي حكمته لا يميز الوجوه, بل في كل أمة الذي يصنع الحق والرحمة.
هذه هي المعاني الجميلة التي يحملها الحوار والقيم والأسس الأساسية التي يبني علبها وبدونها تعرض الكئير من خبرات الحوار الدولية والمحلية للفشل فلنعود لها فنجني معا نتائجها.
* المدير السابق للهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية