يتزايد الإحساس في الآونة الأخيرة بانتشار حالات العنف وشدة تنوع أشكاله ضد المرأة في كافة مجالات الحياة, والذي قد يبدأ لا عندما تصبح فتاة بالغة, بل ربما قبل ولادتها; حيث تشهد الأرقام المتاحة من بعض الدول النامية علي أن هناك حالات إجهاض كثيرة لأجنة إناث بعد معرفة نوع الجنين. وهناك إحصائيات تشير إلي أن الأولاد الذكور أكثر تعليما من الإناث, كما أن نسب ترددهم علي العيادات الصحية للعلاج أكثر من البنات, وفي بعض الأماكن يعتمد التمتع بحقوق العمل والإحساس بالأمن الاجتماعي والحقوق المدنية والشرعية والسياسية علي مجرد كون الإنسان ذكرا أو أنثي.
وتتعدد مفاهيم العنف, وتتسع وتضيق, إلا أنها في النهاية تشتمل علي كل فعل يستهدف شل أو إضعاف الفاعلية لعضو ما في المجتمع سواء كان هذا التأثير أو السلوك جسديا أو نفسيا ومعنويا.
والعنف ضد المرأة له صور وأشكال متعددة فقد يكون ماديا ضد جسدها في شكل (ضرب, طرد, استيلاء علي ممتلكات, خطف, تعذيب, قتل, تحرشات واعتداءات جنسية, اغتصاب, ختان… إلخ) أو نفسيا ومعنويا (بإذلالها وإشعارها بالضآلة والتفاهة والدونية, خيانة زوجها لها, هجره لها, منعها من زيارة أسرتها, منعها من الخروج من المنزل, الاستخفاف بآرائها, البخل الشديد معها, حرمانها من فرص النمو الذهني واكتساب الخبرات, حرمانها من القيام بأنشطة معينة… إلخ).
وهناك عوامل عديدة تهييء المجتمع للعدوان علي المرأة, نذكر منها:
- علاقات النوع:
حيث تعد قوة الذكر في بعض المجتمعات أمرا ضروريا لضبط وتنظيم العلاقات بين الذكور والإناث, الأمر الذي يقره العرف والقيم والتقاليد بل ويدعمه القانون في بعض الحالات, فإذا تمردت المرأة علي هذا الوضع تعد ناشزا ويحق للرجل تأديبها إلي حد الضرب, وينظم المجتمع للمرأة إطارا للسلوك فإذا خرجت عن هذا الإطار اعتبرت مستحقة للعقاب والعدوان عليه.
- الأسرة ودائرة العنف:
رغم أن الأسرة هي مجال للعواطف المتبادلة والود والوئام والتراحم, إلا أنها في كثير من الأحيان, تعد مجالا للعنف وربما العنف في أشد حالاته وصوره, وتعد الأسرة مركزا لتفريغ العنف; فالكبار عنيفو الطباع هم في الغالب من كانوا في الصغر أطفالا عانوا من إساءة المعاملة أو ممن شهدوا ممارسة سلوك العنف داخل الأسرة.
- التهميش الاجتماعي للمرأة:
العلاقات بين أفراد الأسرة في كثير من المجتمعات لازال ينظمها بناء القوة التقليدي الذي يقوم علي تفوق الرجل وسيطرته الاجتماعية والاقتصادية, ويؤدي تغيير أوضاع المرأة ولاسيما الاقتصادية مع استمرار منظومة القيم التقليدية إلي ازدياد حدة الصراع داخل الأسرة.
ومحاولة تهميش المرأة في المجتمع يعبر عنها بوضوح الموقف الرجعي من تعليمها وعملها وتواجدها في المهن العليا والحاكمة ومواضع اتخاذ القرار, وما يترتب عليه من تبعية اقتصادية للمرأة تحرمها من امتلاك مصدر مهم من مصادر القوة وتحقيق الذات.
- الاستهداف للعدوان:
يساعد علي العدوان ضد المرأة ما يمكن من تسميته بالاستهداف للعدوان أو القابلية لأن يكون الشخص موضوعا للعدوان, وذلك لضعف البنية أو الاستسلام أو التخاذل أو عدم اتخاذ ردود فعل صارمة إزاء الاعتداءات المتكررة, ويعد الاعتداء علي الزوجات نموذجا صارخا لذلك, كما يعد موقف المرأة السلبي والقابل لهذا السلوك العنيف نتاجا لما كونه لديها المجتمع من قناعات, واتجاه لقبول ذلك باعتباره سلوكا طبيعيا ومقبولا ينبغي أن تتغاضي عنه, وتجدر الإشارة إلي أن العنف الذي يمارسه الزوج ضد زوجته غالبا ما يحدث داخل المنزل ويحاط بإطار من السرية والخصوصية, ومن ثم فإن الكثير من هذه الاعتداءات لا تدرج في الإحصاءات والدراسات المعنية بهذه القضية.
ويزداد دور التدعيم الاجتماعي للعدوان ضد المرأة إذا ما ساندته بعض التشريعات القانونية, وعلي سبيل المثال فتضرر المرأة من ضرب الزوج لها لا يعتد به ما لم يحدث بها عاهة.
- صورة المرأة عن نفسها والإحساس بالدونية:
يؤدي التقدير المنخفض للذات إلي افتقاد الثقة بالنفس, والإحساس بالدونية والاعتماد علي الآخرين, ومجاراة القيم السائدة, ونقص نشاطات الإنسان الإبداعية, ومن القوالب النمطية السائدة عن المرأة أنها أقل مكانة من الرجل, وأنها كائن ضعيف, وأن مكانها الطبيعي هو البيت, وأنها أقل ذكاء وتفكيرها سطحي, وطاقتها الإنتاجية ضعيفة, وتؤدي القناعة بهذه الأفكار لدي النساء إلي عدم تقدم أوضاعهن بالمجتمع, واستمرار الانتهاكات لحقوقهن.
- دور الإعلام:
بإمكان الإعلام أن يلعب دورا مهما في صياغة وعي جديد عن المرأة, إلا أن ما يقدم حتي الآن فيه الكثير من تكريس النماذج النمطية العتيقة عنها, بالإضافة إلي التركيز علي استغلال جسدها لأغراض تجارية مهينة لكرامتها وإنسانيتها, ناهيك عن الإعلام المتخلف الرجعي الذي يدعو إلي تحجيم حريتها باعتبارها مصدر الغواية والشر ومن ثم عدم رضي الله عن المجتمع وتردي أوضاعه.
المسيحية ترفض العنف لأسباب كثيرة:
- العنف ضد المحبة, والمحبة الحقيقية تتجند لمكافحة الشر والخطأ دون بغض الشرير أو الخاطيء نفسه.
- العنف يتجاهل إنسانية الإنسان, فهو يصدر عند النظر إلي الآخر كشيء ينبغي تحطيمه وسحقه, وليس شخصا ينبغي إكرامه واحترامه, كما أن العنيف لا يقيم وزنا للآخر سواء في فكره أو كيانه, والمسيحية ترفض تحقير الآخر.
- العنف دليل الضعف والخوف, فهو يتخذ كوسيلة للحماية من عنف الآخرين, وتلافيا لاحتمال اعتدائهم عليه هو شخصيا.
- العنف يولد المزيد من العنف والرغبة في الانتقام والأخذ بالثأر, أما الوداعة فتحطم هذه الحلقة الجهنمية من العنف والعنف المضاد, وتضع الأسس لسلام حقيقي.
وإذا كانت المسيحية ترفض العنف وتحث علي الوداعة مع قوة الشخصية, فإن المجتمعات المتحضرة لا تقبل أعمال العنف وتعتبرها وحشية وأمرا يتنافي مع إنسانية الإنسان.
كاهن كنيسة مار مينا الأثرية بطحا الأعمدة