0 كنت أعلم تماما أن مصيري سيكون كما انتهيت إليه الآن,لكن لم أستطع التراجع عن قراري,وها أنا أفتح قلبي إليك لتستفيد كل امرأة من تجربتي,أما أنا فأعلم أنه لاحل لمشكلتني.
أنا سيدة في الثلاثين من عمري-رومانسية حالمة بطبيعتي,حباني الله بنعمة الجمال وحب من حولي,امتزجت رومانسيتي بالتزامي الأخلاقي مما ولد عندي رغبة في الزواج مبكرا حتي أعيش كل الأحاسيس التي أتمناها فصرت أفاضل بين الرجال الذين تقدموا لخطبتي,ولم أبلغ سن العشرين بعد,أثناء ذلك تعرفت برجل بهرتني شخصيته أو تخيلت هذا حينها,فلم تكن لدي الخبرة الكافية بالحياة لأتمكن من اكتشاف نقائص الناس بسهولة,إنه يكبرني بستة عشر عاما,إمكاناته المادية محدودة لكنه يجيد فن التعامل مع النساء,جذبني إليه بكل الخيوط,وتمت الخطبة وسط اعتراض الجميع.
تحت إصراره علي إتمام الزواج سريعا ارتضيت وأرغمت أهلي علي ذلك,ثم أخذت أسهمه في قلبي بالارتفاع خاصة عندما صارحني بسقطاته قبل أن يعرفني,وبطباعه الحادة الخشنة مع أقرب الناس إليه,ومرت الخطبة التي لم تتعد أربعة أشهر,وقبل زواجنا بأسبوعين لاحظت تغييرا غير مبرر في علاقته بي,ابتعاد,إهمال,مشاعر سلبية لا أمتلك القدرة للتعبير عنها لكنها نفذت إلي قلبي وجرحته,وعندما سألته عن سبب ذلك قالأشعر أنني أفقد حريتي وأخشي فارق السنثم تلا هذه الجملة مباشرة بجمل غريبة متتالية بدت لي وكأنها قذائف تندفع في وجهي أوقعت الرعب في نفسي ما هذا الذي ترتديه؟ما تلك الملابس التي مضي عليها الزمن,وما هذه التسريحة التي لا تناسب سنك؟إن حب الشباب يغطي وجنتيك؟
ذلك علي الرغم من أن ملابسي في ذلك اليوم كانت هدية لي منه,وتسريحة شعري اختارها لي من قبل,أما وجهي فراجعت المرآة بعدها عشرات المرات لأبحث عن حب الشباب ولم أجده,علمت حينها أن هناك خللا ما,لكن لم أتمكن من وضع يدي علي الداء,ولم يكن من المناسب التراجع بعد تحديد موعد الزفاف وتوزيع الدعاوي,ولم تمر أربعة أيام حتي طلب لقائي,وإذا بوجهه شاحب غطاه الضيق,أعين تائهة يقول متلعثماأنا…أنا لا أصلح لك زوجا فأنا غير قادر جنسياببراءتي وليس بخبرتي الضئيلة شعرت بريبة في أمره وكأنه يحاول التهرب من الزيجة لأسباب لا أعلمها,فقطعت الطريق عليه,ولم أكن أقصد وضعه في مصيدة الزواج لكن أطلقت ما أملاه علي صوت العقل آنذاك قائلة:حينما وضعت خاتمك في يدي اليمني وهبتك عمري ولن أخلعه إلا لينتقل إلي اليد اليسري مهما كانت النتائج,فأنا إلي جوارك حتي نهاية العمر زوجة أو أختا كما تشاء الأقدار بنا يا حبيبي.
لم أكن أبالغ حينها لكنه كان خياري وقراري الذي دفعت ثمنه لاحقا..إذ مضت الأيام وتزوجنا,وكما توقعت كانت خدعة منه للتهرب من الزيجة واستطعت احتواءه في الأشهر الأولي من الزواج حتي جاء وليدنا الأول,لكن كل إناء ينضح بما فيه,بدأت النبرة السابقة تعلو في حديثه,وأصبح لايتورع عن توجيه اللوم والانتقاد لي أمام الجميع خاصة من أفراد عائلته,الأمر الذي وصل إلي حد السخرية مني والإمعان في تعميق الشعور بالنقص بداخلي,أما أنا فالبكاء وحده صديقي,بعد أن منعني من زيارة صديقاتي,والذهاب إلي بيت أبي ,فكان يتركني وحيدة منذ الصباح وحتي منتصف الليل لا أجد إلي جواري سوي رضيعي,أكلتني الوحدة,صرت أحدث نفسي أمام المرآة حتي كدت أجن,ومازاد الأمر سوءا اهتمامه بأخريات وإبداء الإعجاب بهن إذا ماتواجدنا في مناسبة عائلية حتي صار الأمر جارحا لكرامتي,تهامس الجميع عن أحوالي,ولم تنصفني والدته حينما شكوت الأمر لها.
تفاقمت الأمور,وتحول اللوم والانتقاد إلي عراك مستمر ينتهي دائما بإيذائي البدني بعد أن يكون قد تحول خلال المشاجرة إلي غول متوحش,ثم تطور الأمر للشك في سلوكياتي ,فكلما أمسكت التليفون كسره فوق رأسي وإذا أطللت من شرفة المنزل أغلقها بلا رجعة ,وفي كل مرة ينهي عراكه معي صارخا إنت دميمة الشكل,مريضة نفسيا,مجنونة..مجنونة.
خلوت إلي نفسي تدوي كلماته في أذني وقررت زيارة الطبيب النفسي ربما أكون هكذا فعلا,وعندما رويت له تفاصيل قصتي التي لا أتمكن من روايتها لك كاملة-قال بعد بضع جلسات:أنت طبيعية جدا.لكن زوجك هو المريض الحقيقي,لابد أن تأتي لي بهوهيهات يا سيدتي فعندما صارحته بذلك منعني عن زيارة الطبيب إذ سمح لي بها ظنا أنه سيثبت علي المرض النفسي,ولكن تبدل الأوضاع أصابه بالجنون فساءت الأمور,وما كان مني إلا أن استسلمت لأيامي أصارع القسوة والإهانات,ووسط هذا الخضم الهائل من المعاناة أنجبت طفلي الثاني,وانتهي الأمر بي إلي مجموعة من الأمراض العضوية,وطفلين بائسين يعيشان أجواء مضطربة معظم الوقت.
المشكلة الحقيقية الآن أنه فك الحصار من حولي-بدون أسباب واضحة-مع احتفاظه بطباعه الحادة,وتمكنت من الحصول علي عمل مناسب فإذا بي أسمع عبارات الإطراء والمغازلة من زملائي فتستميلني وتدغدغ مشاعري وتنفذ إلي وجداني,انظر إلي مرآتي فأجدني أستحقها,أستعذبها بدلا من أن أتعذب بشعوري بالذنب بل وأرنو إليها يوما بعد يوم لتعوضني عن معاناتي فأسرفي في الاهتمام بمظهري,والعجيب أن زوجي لايعترض علي هذا الإسراف..إنها متناقضات لا أستطيع فك طلاسمها.
أشعر أنني أتخبط والضحية طفلان بريئان لا ذنب لهما في معاناتي أو نتيجة قراري الخاطيء الذي اتخذته يوما ما.
00 لصاحبة هذه الشكوي أقول:
توجد قرارات تأتي مرة واحدة في العمر,ونظل نجني نتائجها طالما حييت والزواج أهمها,ولقد حكمت علي نفسك بالتعاسة حينما لمست خللا ورغم ذلك مضيت مدفوعة بخوفك من لوم المجتمع ,ولن أناقش معك قرارا مفروغا من أمره,ولكن أناقش التبعات,فالزواج المريض نفسيا يحتاج لزوجة تحتويه,وقد استطعت هذا في الشهور الأولي لزواجكما ثم تحول الأمر لسلبية عظيمة من ناحيتك واستسلام لكل مايجري وكأنك تعاقبين نفسك علي زواجك منه.
ورغم أن الأمر يبدو جليا أمامك إلا أنك تغضين البصر عن التعامل معه,فما يعاني منه زوجك حالة عنيفة من الإسقاط الذي مارسه عليك حتي لا تتمردين عليه بسبب فارق السن مضافا إليه الجمال,فكل رجل يعلم أن لحظات الانبهار تمضي وتبقي الحقائق الثابتة وهي هنا 16 عاما فارقا في السن,إذا أضفنا إليها تجاربه السابقة وطباعه الشرسة كانت النتائج التي جنيتيها معه,لكنني أشعر أن هناك أشياء تتساقط من بين سطورك لا تذكرينها أو تحجبها معاناتك فهل جربت أن تكوني حنونة معه,أن تجذبيه لعلاقة وثيقة بالحياة الزوجية ولو ظاهريا في باديء الأمر,هل جربت أن تقابلي الإساءة بالإحسان إليه,فأي فضل لنا إن أحببنا الذين يحبوننا,فالمحبة الحقيقية أن نحتمل من يسيئون إلينا ليس من باب ضعف الحيلة ولكن احتمالا إيجابيا قادرا علي التغيير…أنا لا أعلم ردود أفعالك,ولا ألتمس لزوجك الأعذار لكن فقط أود تبصيرك بما قد تحجبه معاناتك عن بصيرتك.
فإذا كنت تتصورين أنك وحدك التي تعاني فأنت مخطئة ,فالمريض النفسي أكثر من يعاني,والطب النفسي يجزم بأن كل مريض به جزء سليم وجزء مريض,الجزء المريض هو الذي يؤتي أفعالا غير متزنة مثل قسوة زوجك وإهاناته وانتقاداته وإيذائه البدني,أما الجزء السليم فيعاني من الشك والقلق والانفعالات والاضطراب الأسري وجميعها نتائج يتعذب بها الجزء السليم في زوجك ,فما دمت متيقنة-من خلال رأي الطبيب النفسي-أنه مريض عليك مساعدته واللجوء للطبيب مرة أخري لتوجيهك في معاملته حتي يقتنع بالذهاب إليه أو لتتولي المسئولية عن الطبيب,وصدقيني الزوجة تستطيع أن تحل محل الطبيب النفسي في حياة زوجها مادام الأمر غير متعلق بمرض عقلي.
وأخيرا لكل منا تجربة في حياته ,ولكن الحكمة أن نقلص الخسائر كلما استطعنا,والخسارة الحقيقية هنا أن تختزلي دورك تجاه ابنيك في الرثاء لحالهما,فأنت مثقلة الآن بما هو أكبر لتعويضهما عن الأجواء المضطربة التي يعيشانها ولي نصيحة أخيرة لك فالاهتمام بنفسك والإسراف فيه للفوز بكلمات الإطراء ما هو إلا نتيجة للشعور بالنقص الذي زرعه زوجك فيك وليس حلا لمعاناتك,لكنه سيجر عليك متاعب لا حصر لها ولوم المحيطين بك,وأنت في غني عن كل ذلك,فاشتعال رغبتك في لفت نظر المحيطين بك سوف يضعك علي حافة هوة عميقة بل وخطيرة لن تتمكني من النجاة منها,والأفضل هو تركيزك علي الجزء الإيجابي من عملك لتحقيق ذاتك ومحاولة ترويض زوجك ولو جزئيا والأيام كفيلة بتبديل الأوضاع.