شاهدت تنصيب الرئيس أوباما علي شاشة كمبيوتري المحمول, متشاطرا زوجا من السماعات مع صديقة لي, إذ كان أحدها في أذني اليمني والثانية في أذن صديقتي اليسري. ومثل كثير من الناس الآخرين, فإن أولئك الذين صوتوا لأوباما, وأولئك الذين لم يصوتوا له, فإننا جميعا كانت لدينا توقعات عظيمة في ذلك اليوم. ولم تكن الخدمة العامة قد بلغت في حياتي (كنت أبلغ 27 سنة من العمر في ذلك العام) ذلك المستوي من الجاذبية والإغراء كما بلغته ذلك اليوم (فقد سرت إشاعات بأن معدل الطلبات علي الوظائف المتوفرة في الإدارة الجديدة بلغ 100 إلي كل وظيفة). ومع ذلك وفيما كنا نشاهد فيديو التنصيب علي الرابط الإنترنتي المتذبذب يومها, فإنني وصديقتي حذرنا بعضنا بعضا من أن الآمال بالنسبة إلي الإدارة الجديدة كانت مبالغا فيها. فأوباما كان يرث حربين فاشلتين وتهديدا إرهابيا متواصل التحور ومتواصل الحضور وأسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود. ولم يفاجئني أننا طلبنا منه أكثر مما يجب في سنته الأولي. ما فاجأني هو أن أوباما لم يطالبنا بما يكفي.
في نقطة ما في السنوات الـ30 أو الـ40 الماضية, افتقد السياسيون الشجاعة لطلب الكثير من الناس. لست متأكدة كيف انتقلنا من عبارة كنيدي الشهيرة ##لا تسأل ما يمكن لبلدك أن يقدمه لك, بل اسأل ما يمكن أن تقدمه أنت لبلدك## إلي ثقافة سياسية حيث أصبحت كلمة ##ضريبة## كما لو كانت ساحرة ولكنها تفيد حقيقة مثبتة. ليس هناك سياسي مستعد للاعتراف بأن الإصلاح الحقيقي يتطلب تضحية حقيقية. أوباما وعد بأن يكون مختلفا, وهو كذلك من نواح مهمة. فهو يتصرف بكرامة وشرف وذكاء وتعاطف فيما يحاول درء كساد عظيم آخر ومنعه, حتي الآن علي الأقل, حدوث انفجارات ممكنة حول العالم. وهو أظهر لنا أنه مستمع جيد ومعقول, وذلك علي عكس الكثير من منتقديه. ولكنه كغالبية السياسيين, فإنه يبدو أنه يفترض أن الجمهور غير قادر أو غير مستعد علي مواجهة التحديات التي يتطلبها الإصلاح الحقيقي. فهو يريد أن يوسع تغطية الرعاية الصحية لتشمل 30 مليون أمريكي إضافي ولكنه يؤكد للناس أنه بذلك لن يؤثر في تغطيتهم الصحية. وهو يقترح الانسحاب من أفغانستان عن طريق زيادته لمستويات أعداد القوات هناك. ولا غرو هنا أن الناس يشتبهون في أن الحكومة ليست صادقة معهم أو أن هناك قدرا كبيرا من الغضب لدي الناخبين.
مؤيدو أوباما الشباب ليسوا غاضبين بقدر ما هم خائبو الأمل فيه. فخلال حملته الانتخابية تمكن أوباما من حشد جيل كامل كان يتميز باللامبالاة, ولكنه لم يستغل طاقة ورغبة وإرادة هؤلاء الشباب الذين أتوا إلي واشنطن ليشهدوا حلفه اليمين أو الذين تحدثوا ــ كما فعلت وصديقتي في ذلك اليوم ــ عن ربط طموحاتهم بالصالح العام. وبدلا من ذلك, لم نصبح أكثر من متفرجين علي المشهد الجانبي المخيف الذي هو الكونجرس. إننا متشككون لأن النقاش حول الرعاية الصحية يبدو أنه تم بقدر من الجدية لا يزيد عن الجدية التي تمت بها معالجة مشكلة برنامج Tonight Show. نحن نريد أن نخدم ولكن لا ندري كيف. ومهما كانت الأرقام مثيرة للإعجاب بكليتها, فإن تقديم مبلغ 10 ملايين دولار عن طريق الرسائل النصية القصيرة إلي جمعية الصليب الأحمر يبدو مبلغا صغيرا تافها. الفرص للخدمة موجودة حقا, ولكنها محدودة أو غير مستغلة كما يجب. فالقوات المسلحة وفيلق السلام وبرنامج علم من أجل أمريكا ومثل هذه من المنظمات الأخري هي بمنزلة فرص نبيلة, ولكنها فرص معقولة بالنسبة إلي عدد قليل ليس إلا. آن الأوان لكي يوسع أوباما ويروج بصورة مقدامة لفيلق المواطنين التابع لوكالة إدارة الطواريء الفيدرالية, الذي يعمل علي تنسيق وتدريب المواطنين علي اكتساب مهارات الإسعاف الأولي ومهارات الطواريء من أجل مساعدة المجتمعات المحلية علي الاستعداد للتصدي للكوارث الطبيعية والهجمات الإرهابية والجريمة وغيرها من تهديدات. وهو عليه أن يفكر أيضا في إنشاء منظمة تسمي فيلق الإغاثة مثل الحرس الوطني من دون ربطه بأي شيء عسكري. ويتعين علي الأعضاء قضاء عطلة نهاية أسبوع واحد كل شهر أو شهرين للتدريب علي اكتساب مهارات فنيين الطواريء الطبية, وفرز المصابين بعد حالة طواريء وتنسيق الإغاثة من الكوارث, ومن ثم التمكن من نشر هؤلاء في حال وقعت كارثة طبيعية في الوطن أو في العالم. إن مثل هذه المنظمة ستساعد علي تخفيف أعباء القوات المسلحة المنهكة مع تحسين صورتنا في الخارج.
وعلي أقل القليل ينبغي علي الرئيس أن يربط المسئولية الشخصية بالمسئولية الاجتماعية. وعليه أن يكون صادقا بأن الخدمة ليست دائما بطولية (بما في ذلك الضرائب). والحلول الوسط لا تعني دائما قسمة الفرق إلي نصفين. بل تعني التخلي عن شيء من أجل الحصول علي شيء أفضل. من المؤكد أن أوباما ليس الرئيس الأول الذي ساند الجمهور. ولكن الشباب متشككون لأنهم اعتقدوا أنه سيكون الرئيس الأول الذي سيتخلص من النفاق في السياسة. إن عليه أن يمضي قدرا أقل من الوقت مستمعا إلي مستشاريه, المتجمدين بسبب شعورهم بالجزع من استعداء جماعات المصالح الخاصة, وأن يتحدث إلينا بصراحة وبلا مواربة.
اطلب منا أكثر, سيادة الرئيس. قد تفاجأ بما نستطيع أن نعطيك إياه.