علي مرأي من مئات البشر الذين وقفوا أمام كشك الخبز ينتظرون دورهم للحصول علي عدة أرغفة يشبعون بها بطون أولادهم كانت الجريمة ترتكب بهدوء ورباطة جأش ودون لفت الأنظار.ثلاث نسوة ملابسهن بسيطة وفوق رؤسهن غطاء متهدل ومعفر تحمل كل واحدة منهن كيسا بلاستيكيا كبير الحجم تلتصق الأولي بنافذة الكشك وتملأ الكيس الكبير بالخبز وتسرع إلي الرصيف المقابل لتفرغ الغنيمة علي الأرض المفروشة وفوق الفرش حامل من الجريد,بينما المرأة الثانية تحمل كيسا بلاستيكيا آخر في نفس حجم الكيس الأول وتسرع إلي نافذة الكشك لتحصل علي كمية من الخبز حتي يمتلئ الكيس وتعود مسرعة إلي الرصيف لتفرغ حمولتها كما فعلت شريكتها الأولي.وتفعل المرأة الثالثة نفس الشئ.
وقفت في مكاني في الجهة المقابلة بعد أن لفت انتباهي ما يحدث..أتابع وأنتظر.وكررت النساء الثلاث هذا المشهد ولا اعتراض من المسئول عن توزيع الخبز .وظهر رجل يبدو أنه كان يواري نفسه عن الأنظار ورفع مع هؤلاء النساء حمل الخبز الذي حصلن عليه وساروا جميعا في اتجاه واحد.ودفعني الفضول إلي السير خلفهم محاولة اكتشاف ما سيحدث.
كان الأمر في قمة الإثارة,داخل حارة ضيقة,وبعيدا عن الأنظار ظهرت عدة عربات ##تريسيكل## وبدأت المجموعة ترتب الخبز علي العربات.تسمرت في مكاني أتابع من بعيد حريصة علي ألا يشعروا بوجودي,وبعد لحظات خرج مجموعة من الصبية الذين لا تتجاوز أعمارهم 15سنة,وكل واحد تسلم عربة محملة بالخبز وبدأ ينادي بأعلي صوت ##عيش…عيش##,وثمن الرغيف 25قرشا.ولا عجب فمنذ عدة شهور تبدل حجم الرغيف الكبير إلي ما يشبه حجم الرغيف المدعوم الذي تقدمه الدولة للمواطن المقهور والذي يطحنه الفقر بخمسة قروش.
وهكذا وصل الفساد إلي آخره,لم تكتف المخابز المخالفة بتسريب الدقيق وبيعه بعشرة أضعاف ثمنه بل تفتق ذهن اللصوص إلي تسريب الخبز نفسه وبيعه بأضعاف ثمنه للذين لا يستطيعون الوقوف في طوابير الخبز أمام الأفران,ويضطرون لشراء الخبز الذي علي العربات!!
هناك تحالف وتواطؤ بين اللصوص وابتكار أساليب للسرقة والغش والخداع والاستيلاء علي الدقيق والخبز المدعوم وحرمان أفراد الشعب من الحصول علي حقهم في الحصول علي الخبز.
هل عرفنا لماذا ما زالت أزمة رغيف العيش مستمرة؟ وهل عرفنا إلي من يصل الدعم؟!!…عجبي.