يوكد الفن في المجتمعات المعاصرة علي التوازن بين البيئة وتأثيرها علي الإنسان…وهو ضرورة لارتباط الواقع بالخيال واندماجهما…فيعطي القيم الجمالية للحياة..وينطوي علي الأشكال المختلفة التي يتفاعل معها الفنان معتمدا علي ملامح البيئة تلك المعاني الموروثة تطل علينا في لوحات الفنان فريد فاضل والفنانة بريت بطرس غالي…وخبراتهما التي أضفت علي أفكارهما مزيدا من المعاني في تكوينات تكشف عن عالم ملئ بالجمال والتفاؤل.
الطبيعة المصرية والجذور النرويجية
تطالعنا الفنانة القديرة بريت بطرس غالي70عاما بلوحاتها الجديدة التي تعرض في قاعة بيكاسو للفنون بالزمالك…والتي تمتاز بالخيال الخصب وقوة التكوين الذي تحدثه مساحات اللون…وهذه المجموعة التي تبلغ40لوحة تعبر فيها عن الطبيعة المصرية وجذورها النرويجية هي خلاصة تجاربها التي دامت لأكثر من ثلاثين عاما…استطاعت أن تحقق من تجربتها الطويلة في الرسم الملون ما كانت تحبه وتعيشه في أعماقها بأسلوبهاالتعبيرية التجريدية الحديثة.
جعلت الفنانة بريت في لوحاتها معزوفات لونية…فتكويناتها المرسومة حية تنبض مرتبطة بالطبيعة والحياة…وكأنها تخاطب المشاهد وتصحبه معها في رحلة جمالية اعتمدت علي إظهار الانسجام والدفء اللوني…واتسمت بمساحات كبيرة شديدة التباين وكأنها ثورة لونية…واكتشاف لغة جمالية في أعماق طبيعة البيئة…محققة لوحات جمالية جديدة للفن المعاصر.
وتنساب الألوان الشفافة معبرة عن الحياة حيث تتدفق مشاعر الفنانة بريت علي أسطح لوحاتها وهي تجسدها بالخيال فيما وراء الطبيعة نراه في نسيج التكوين..ونحسه مع حركة الألوان التي تشع من عناصر التكوين…معبرة عن الحس الموسيقي…فأقامت رباطا شبه سحري بينها وبين النظام الكوني ذاته سواء في الأشكال أو أسلوب المعالجة…إن لوحاتها مغامرة لم تتوقف.
تعتبر الفنانة بريت بطرس غالي نفسها جزءا من الحركة الفنية التجريدية الحديثة..حيث تأثرت كثيرا بالتيارات الفنية العالمية…وأضافت دراستها لفن النحت والرسم الملون إلي طريقة تفكيرها عندما تبدأ أي عمل فني جديد…وهي تخلط بين جذورها النرويجية والطبيعة المصرية في أعمالها ذات الألوان القوية والمعبرة بوضوح عن أفكارها…وعن أحاسيس غاية في الرقة.
———-
أمثال وأقوال
وفي قاعة الفنون بدار الأوبرا بأرض الجزيرة يعرض الفنان فريد فاضل أحدث أعماله الفنية تحت عنوانأمثال وأقوال…وهو المعرض رقم 40للفنان ضمن سلسلة معارضه بخلاف المعارض الجماعية.
يضم المعرض60لوحة زيتية ورسما بالأقلام الملونة المائية تعبر عن حكمة الأمثال الشعبية والأقوال المأثورة…فالمثل الشعبي ذو أهمية كبري…فهو بمثابة نافذة نطل منها علي ثقافات الشعوب وعاداتها…وبلاغة المثل إنما تعتمد علي إيجاز التعبير وعبقرية الاختزال.
ومجموعة اللوحات تتجلي فيها الجماليات بحنين دافئ بكل ما يتضمنه من معان وأحاسيس للأمثال مثل لوحةضربني وبكي وسبقني واشتكي رسم فريد فاضل طفلا يبكي علي كتف أمه وهو يحمل في يده مشطا خطفه من أحد الأطفال ثم هرع نحو أمه ليشكو ضحيته ويتظاهر بأن الظلم قد وقع عليه..ولوحة أخري عن الأمان تمثل الكنيسة بعنوانلأن يوما في ديارك خير من ألف.
أما لوحةالشكوي لغير الله مذلةيكتفي الفنان بنظرة إلي السماء التي تبدو علي شخص يرفع فيها قلبه لله في إيمان حقيقي بعدالته ورحمته بالرغم مما يكتنفه من يأس متمثل فيما يحيطه من سحب رمادية داكنة.
وهناك أمثال طريفة تعكس مفارقات غريبة مثليخاف من الخنفسة ويلعب بالتعبانولوحةأخذ ابن عمي وأتغطي بكميلمن يريد أن يحتفظ بالمال والأرض في نفس الأسرة.وغيرها من الأمثال والأقوال تعكس ثقافة وعادات البيئة الشعبية…وتعرفنا بسلوكياتها وأخلاقها…مثلقل لي أمثال شعب وأنا أقل لك من هو…مثل لوحةلقمة هنية تكفي مية.
ولوحاته جمعت بين الفن الشعبي في تكوينات جديدة تفوح منها مساحات اللون ولمساته الحية وبين الأشكال والمساحات الرمزية معبرا عن حكايات الإنسان العالقة في الذكري للموروثات والعادات الشعبية نفذها بأسلوبه الواقعي ومهارته في استخدام ألوانه…تؤكد خبرته لما هو موجود بالحياة الريفية والصعيدية وملامحها المحببة.
تحية وتهنئة للفنانة بريت بطرس غالي والفنان فريد فاضل علي هذه المجموعة التي تعتبر انعكاسات للباحث الذي لا يهدأ….واستطاعا من خلالها أن يفجرا طاقات تعبيرية وفنية تسهم في إثراء الحركة الفنية المصرية المعاصرة.