يحتفل العالم الإسلامي والشعب المصري هذه الأيام بشهر رمضان الكريم… شهر الصوم والصلاة… شهر العبادة والسهر… وفي أماكن العبادة ينبعث منها وإليها ضوء خافت كضوء فوانيس رمضان… وذلك بفعل الزجاج المعشق الزجاج الملون… والذي نراه منتشرا في نوافذ الكنائس والمساجد… وأيضا بعض القصور الأثرية التي تحكي وتحمل الكثير من بصمات الحضارة الإنسانية.
وفنون الحضارة الإسلامية في الواقع ما هي إلا المرآةالتي تعكس صورة نابضة من حياة الشعوب العربية عاداتها ومعتقداتها وأخلاقها وآمالها… ولابد أن يؤدي هذا الفن في النهاية إلي اتصال حلقات من تاريخ وحضارة الشعب المصري… وينبغي الاهتمام به لتجنب اندثاره… ولكي يكتب لهذا الفن الاستمرارية.
والفن الإسلامي هو أحد المنابع الحقيقية لفنون العالم القديم والحديث… حيث قدم للعالم زخارف ورسومات متكاملة غاية في الدقة والجمال… تتكون أساسا من المربع والمثلث والدائرة… وذلك منذ القرن الثامن الميلادي.
وارتبط شهر رمضان بالفانوس… سواء في الماضي أو الحاضر… وفانوس رمضان له حكاية تبدأ في القرن الرابع عشر عندما صدر قانون يحتم علي كل ساكن أن يشترك في كنس الشارع… وأن يعلق فانوسا مضاء فوق باب البيت من ساعة غروب الشمس حتي بزوغ الفجر طوال شهر رمضان… ثم أخذوا يستخدمون فوانيس صغيرة الحجم في إضاءة الطريق أمامهم.
وعرف فانوس رمضان أيضا في أيام الفاطميين… عندما خرج أهالي القاهرة لاستقبال المعز لدين الله الفاطمي ليلا… حاملين الفوانيس ومرددين الأغاني احتفالا به… ومنذ ذلك التاريخ أصبح الفانوس من مظاهر الاحتفال بالشهر الكريم.
ومن الحرف والفنون الأصيلة… صناعة فوانيس رمضان التي كانت ومازالت تخرج من بين أيدي صانعيها في تشكيلات رائعة تكشف عن الفنان والفن الأصيل… وصنعوا فوانيس أصغر حجما لأجل أطفالهم الذين كانوا يشاركونهم السهر حتي الفجر في ليالي رمضان… وكان يضاء بواسطة الزيت مع الفتيلة.
ومنذ القرن التاسع عشر ظهرت صناعة الشموع… فاستخدمت في إضاءة الفوانيس ثم تطور فانوس رمضان حتي أصبح يصنع من البلاستيك بدلا من الزجاج الملون والصفيح… وتضيئه لمبة صغيرة من بطارية… وحاليا لمبة كهربائية بأحجام مختلفة… وأصبح من السلع المستوردة من صنع الصين.
ولكن فانوس القرن الرابع عشر مازال له سحره وأصالته… وأصبح من التراث الشعبي لما فيه من دقة النقوش والزخارف التي تجمله مع فرحة رمضان… وما يميزه من عادات كبائع الكنافة والمسحراتي وبائع الفوانيس والعرقسوس وغيرها.
واستخدام الزجاج المعشق الزجاج الملون أيضا بأشكال مختلفة… قد يكون علي شكل مشربية… أو أباجورة… أو لوحة… أو قطعة نحت بارز… ويمتاز فن الزجاج المعشق بالرسومات الهندسية الدقيقة جدا… ويتطلب براعة فائقة في لصق الزجاج علي شكل مربعات أو مثلثات باللون الأزرق والأخضر وأيضاالأحمر والعسلي… تثبت في الشكل المراد استعماله… مثل بانوه… أو مشكاة مستديرة كالكرة أو بارافان أو نافذة… وكل هذا يعكس أصالة هذا الفن… كما نجد أكثر من مشكاة من الزجاج ملونة ومزينة بزخارف تمتاز بالبريق المعدني.
رمضانيات
تواصل معظم قاعات الفنون منذ عشر سنوات إقامة معارض تحت عنوان روحانيات أو رمضانيات, وذلك خلال شهر رمضان من كل عام… يشارك فيها نخبة كبيرة من الفنانين بإبداعاتهم المتنوعة… وبأساليب فنية متنوعة في مجال فنون الرسم الملون والنحت وغيرها من الأعمال التي أضفت سحر مظاهر الاحتفال بالشهر الكريم.
ومن بين الإبداعات الفنية التي عرضت خلال شهر رمضان في قاعة راتب صديق بأتيليه القاهرة… تلك المجموعة الفنية تحت عنوان تشكيل الخامات بحروف وكلمات للفنان مرقص فارس… ومن خلال الأحرف والكلمات استطاع الفنان عمل تشكيلات بارزة كالنحت وغائرة علي الجلد أو خامات أخري… ليضيف أسلوبا جديدا يهتم بالقيمة التراثية وأيضا القيمة الجمالية والروحانية, مطعمة بالرمزية المعصارة يؤكد فيها ويحقق القيمة الإبداعية بأشكالها الرائعة بتمكن وأستاذية في هذا المجال.
وفي قاعة الفنون بساقية الصاوي بالزمالك يعرض الفنان أحمد عبد العزيز مجموعة لوحات لفن الخط العربي… يقدم من خلالها تشكيلات للخط العربي في تكوينات محكمة تنم عن قدرة الفنان علي صياغةإبداعاته للخط العربي بأنواعه.
كما نجد في قاعات الفنون بالقاهرة والإسكندرية مجموعة للإبداعات المعروضة للفنانين كلها تعبر عن العادات والتقاليد لهذا الشهر والتي تعكس رمضانيات الحياةالاجتماعية المصرية… وروحانية شهر رمضان من خلال المساجد وجمال زخارفها.
ومن بين اللوحات نجد عازف الربابة الذي يجلس في السهرات يحكي القصص التقليدية الشعبية… وأخري عن الزار ورقصات (الكوديا)الزار… وهنا لوحات عن بنت البلد وفرحة رمضان في الريف والأحياء الشعبية.
وشهر رمضان فرصة للفنان يتأمل الاحتفالات الشعبية… وكل مظاهر الحياة الرمضانية ويعبر عنها بريشته مثل بائع الكنافة والفوانيس والمسحراتي التي أصبحت رموزا لرمضان.
والفانوس الملون بالزجاج المعشق هو من الفنون الشعبية الأصيلة بألوانه الزاهية المفرحة التي تضئ بين لهو البنات والبنين في الأحياء الشعبية… وأصبح زينة الشهر الكريم… ويتناول كل فنان برؤيته الخاصة موضوعات مصرية للعادات واالتقاليد الاجتماعية تجد في إبداعاتهم جمال وسحر البيئة.
تحية لهؤلاء الفنانين علي هذه الأعمال الفنية التي تحتوي علي فنون لها المذاق الخاص كما تحمل حوارا مصريا أصيلا يستوجب القيام برحلات وزيارات من الطلاب ومتذوقي الفن… حتي تعم الفائدة ونسمو بالذوق العام بين الأجيال الجديدة للتأمل وحب الجمال.