جولتنا الفنية هذا الأسبوع في قاعات عرض الفنون هذا الموسم الحافل والملئ بالمتعة والجمال… وهي ظاهرة فنية تثري الحركة الفنية المصرية… حيث تحتوي علي قيم جمالية وإبداعية لارتباطها بطبيعة البيئة المصرية… والتراث الشعبي العريق… والتي تحمل في طياتها سمات الروح المصرية الأصيلة… توحي بمعان مختزنة حسب رؤية الفنان… نستشعر فيها القيمة الفنية من خلال إبداعات الفنانين المصريين محمد طه حسين, فاروق وجدي, فريد فاضل ونازلي مدكور… نلمس فيها الاسلوب والتكنيك الذي تميز به كل فنان.
نجد أيضا في تلك المعارض الانطباعات الجمالية التي تسجل انفعالا لحظيا… يلتقطها كل فنان من حوله… ويسقطها في ألوان رشيقة علي سطح اللوحة بأبعاد مختلفة تنبعث من داخلها القيمة الفنية… وإحداث البعد الثالث داخل التكوين معبرا عن جمال البيئة وسحر المكان والموروث الشعبي… هنا تبرز قدرة الفنان الإنسان ورؤيته الفنية… فينتج شيئا من ذاته من خلال أعماله… وهي إضافة جديدة للفن المعاصر.
مشاعر تجريدية
يشاهد جمهور القاهرة حاليا في قاعة المسار للفن المعاصر بالزمالك معرضا بعنوان مشاعر تجريدية للفنان القدير محمد طه حسين والذي يتزامن مع احتفاء الفنان ببلوغه الثمانين عاما… ومشواره الفني الذي بلغ 55عاما… يضم المعرض 30عملا للرسم الملون من أحدث إبداعاته بين عامي 2007, …2009 بالإضافة إلي مجموعة أعمال مختارة من عام 1955 وحتي …1999لإلقاء الضوء علي بداية الفنان ومراحله الفنية المختلفة من الواقعية إلي التجريدية للعناصر المرسومة حتي التنقيطية.
وإذا استعرضنا إبداعات الفنان طه حسين الحديثة فسنجد فيها روح الخط العربي وأنماطه المختلفة… مستوحاة من الفنون الإسلامية القديمة في كتل ومساحات وتقسيمات هندسية… أظهر فيها الفنان براعته في الإيقاع وعمق الإيحاء في صياغة مميزة ذات مذاق شرقي بأسلوبه الخاص… أوصلته إليها تجاربه في مواكبة الحداثة الفنية… نستشعر من خلالها معزوفات مصرية أدركها الفنان نتيجة لمراحل طويلة وتفاعل خبرات عديدة… مهدت لثراء أسلوبه الفني المتفرد… في لوحات اتسمت بالصوفية الإنسانية وبمفهوم القيم الجمالية.
وأعمال طه حسين تتمثل في الأسلوب التجريدي والتنقيطي المبني علي قوة البناء في التكوين فأصبح العمل الفني مشعا في تناغم الألوان ذات الليونة في حركتها الحرة… والتي تحدث إيقاعات تعكس التراث الإسلامي في سيمفونية رائعة بلهجة مصرية معاصرة.
أما إبداعاته الأولي التي تمتاز بالواقعية نلمس فيها إحساسه الصادق بالبيئة المصرية… مبرزا عناصر السحر والجمال الكامنة في التقاليد والعادات والذي يمزج فيه الأصالة المصرية بالزخارف الشعبية عن الواقع الملموس صاغها في لوحات أعطت وعيه الكامل بأصول التكوين وقوة البناء.
أمهات وأطفال حارتنا
والمتأمل لإبداعات الفنان فاروق وجدي المعروضة في قاعة قرطبة للفنون بالمهندسين نجدها لأمهات وأطفال حارتنا وهي عنوان المعرض… حيث قدم الفنان هذا المعرض هدية لأمي وأمك وأم كل المصريين في عيدها لأنها كالنهر الذي لا يكف عن العطاء… استوحي الفنان فاروق وجدي موضوعاته من حياة المرأة والطفولة بأسلوب بسيط ومعبر… في تكوينات تعبر عن الأمومة في الحياة الشعبية… والأمومة المبكرة عند الطفلة.
كما نلمس في لوحاته معني التفاؤل والحب والألعاب الشعبية في رمزية للعناصر المرسومة في تناسق… ليؤكد القيمة الجمالية في العمل الفني… وعما يحمل من موروثات شعبية… نفذها بالخطوط والمساحات اللونية من خلال الظل والنور والزخارف الشعبية… ليحدد رؤيته الفنية بالشخصية المصرية… فركز اهتمامه علي المرأة المصرية الأم… والفتاة والطفل… بين الحياة والحب… الحنان والآمال… الغدر والتشاؤم… الخير والشر… كل هذه المفردات في نظر الفنان هي محور الحياة تحمل في طياتها شحنة تعبيرية درامية… وأخري في مجاميع للعادات والتقاليد… بألوانه الساخنة المبهجة.
يضم المعرض أكثر من 35لوحة نجد فيها ذكريات زمن مضي رآه الفنان وعايشه في طفولته وشبابه… وقدمه فيما يتفق مع لغة الفن المعاصر… حيث أفرز كل خبراته الفنية في تنفيذها بالشكل المصري الأصيل.
المرأة والطبيعة المصرية
وتعرض حاليا قاعة سفر خان للفنون بالزمالك معرض للفنانة نازلي مدكور… تقدم فيه أحدث إبداعاتها عن حياة المرأة والبيئة المصرية… يضم المعرض 37لوحة ملونة بأسلوبها المميز… في أحجام مختلفة… نلمس في لوحاتها الخبرات التي اكتسبتها بالبحث الذاتي… مع موهبة الإحساس باللون والجمال… فنجد تكوينات تؤكد قدرتها وتمكنها من لغة فن الرسم الذي يتصف بالاسكتش في تلقائية تتجلي فيه الجماليات… بكل ما يتضمنه من معان… ورسمت وجه المرأة والطفلة في إيقاع نغمي ولوني مبرزة جمال الخامة ذات الملامس والرقة في التعبير التجريدي… بالإضافة إلي تكوينات للمرأة في مجاميع مع الطبيعة المصرية… والتي تمتاز بالخيال الخصب وقوة التكوين الذي تحدثه مساحات اللون… وثقافة العصر… وتمكنها بالبساطة في صياغتها مستوحاة من واقع الحياة في رؤية ابتكارية… حيث أفرزت كل خبراتها وفكرها الفلسفي بأسلوبها التجريدي الواقعي… نلمس في لوحات نازلي مدكور القدرة علي التطريب البصري… والجمال الكامن في الطبيعة والمرأة… كما نجد فيها أسرار وذكريات تنفرد بها وتبدع فيها.
بحري
يواصل الفنان فريد فاضل انطلاقاته الفنية لثلاثية عبقرية مصر والتي بدأها بمعرض وصف مصر بمركز الإسكندرية للإبداع في أبريل عام …2008 ثم تلاها معرض الصعيد من جديد بمركز الهناجر للفنون بأرض الأوبرا بالقاهرة… وفي عام 2009 قدم معرضه الحالي بعنوان بحري وذلك في قاعة بيكاسو للفنون بالزمالك… يضم المعرض حوالي 40لوحة بالألوان المائية والزيتية والأقلام الملونة تعكس رؤية الفنان لجماليات الوجه البحري لريف الدلتا… والبحيرات الشمالية وفرعي رشيد ودمياط والإسكندرية.
استطاع الفنان فريد فاضل من خلال تجولاته بين جمال الطبيعة… والكنوز المعمارية للبيئة أن يبرز ملامح البيئة المصرية المستوحاة من الشواطئ والصيادين في بحري والمكس وأبو قير وغيرها من ريف وقري الدلتا بألوانها الزاهية في تكوينات ولوحات بأسلوبه الواقعي في تمكن وتناغم… تعبر عن مشاهد وأماكن من رحم البيئة المصرية… بالإضافة إلي لوحات عن الطبيعة والنهر الخالد… صاغها بخياله الخصب… حيث تبسيط عناصر التكوين المرسومة بمساحات لونية شفافة بأسلوبه التأثيري في رقة ونعومة ألوانه… نجد مناظر للمراكب علي سطح النيل… والشواطئ والبحر مع بورتريهات للمرأة وعملها تجعل المشاهد يشعر بجمال وسحر الطبيعة المصرية المترسبة في وجدانه… بمعطيات طبيعة المكان والزمان… في تناسق وتناغم واضح تتصف بالشاعرية ودفء جمال المناظر المصرية.