الكوارث التي تسبب للناس,شعوبا وأفرادا ,الغم الشديد,بعضها كوارث طبيعية,وبعضها من فعل الناس.
أما الكوارث الطبيعية,فهي الأعاصير,والزلازل والبراكين,والسيول الجارفة وما إليها مما ينجم عنها هلاك أعداد كبيرة من الناس بالآلاف وأحيانا بالملايين ودمار المنشآت من البيوت,والعمائر,واحتراق الزرع وما إليها من خسائر مادية..
وأما الكوارث التي من صنع الإنسان,فمنها الحروب والمشاحنات بين الشعوب والأمم والدول علي الحدود,وللاستيلاء علي الثروات في هذا البلد أو ذاك,من منطلق المطامع ولحل مشكلات الفقر والمرض والجهل وما إلي ذلك..
علي أن يندرج تحت الكوارث التي من صنع الإنسان,الاحتراق والدمار للناس وللمنشآت بفعل أسلحة الدمار التي اخترعها الناس,واستخدموها ويستخدمونها في قهر الشعوب والأمم,وإصابة الناس بالدمار والأمراض والإذلال,ويتبع ذلك التجارب النووية والمنافسات بين الدول علي التسلح بالصواريخ والرؤوس النووية,وغيرها مما يتوصل إليه العلماء ويستغله رؤساء الدول حماية لبلادهم وشعوبهم من اعتداءات الدول الأخري وضمانا للسلام كما يقولون..ولكن هناك نوعا آخر حديثا من الكوارث صارت تهدد الجنس البشري كله,ومنها تمزق طبقة الأوزون مما أتلف الغلاف الجوي الذي يحمي كوكب الأرض من الشهب والنيازك التي تسقط من الفضاء وتسبب الدمار للإنسان والحيوان,ومما يصيب الإنسان بعامة بأمراض نتيجة لنفاذ أشعة الشمس فوق البنفسجية وهي ضارة بالإنسان بما تسببه له من الإصابة بسرطان الجلد,والإيدز وضعف المناعة وأمراض أخري,هذا فضلا عن أن تمزيق طبقة الأوزون وسقوط الأشعة فوق البنفسجية لابد أن يتسبب عنه ذوبان كميات من الثلج كبيرة يقدرونها عند القطب الجنوبي بأربعين ألف قدم,ومع ذوبانها ترتفع مياه البحار والمحيطات عن معدلاتها,وتحدث الفيضانات,بل إن العلماء يتوقعون في نهاية التسعينات نوعا من الطوفان الذي يجرف ويغطي ويزيل مدنا بأكملها ,وذلك بارتفاع منسوب المياه تدريجيا حتي يغطي مساحات كبيرة من اليابسة..هذا فضلا عن الجفاف الذي أصاب مناطق بأكملها,كما هو الحال في جنوب ألمانيا وبعض مناطق أخري في أفريقيا وآسيا. ومما يقوله العلماء إنه بسبب الاختراعات الحديثة التي اخترعها الإنسان لتسهيل حياته,وسرعة إنجازاته,ومنها الثلاجات والغسالات الكهربية,وأجهزة التكييف فضلا عن أدوات العطور والمبيدات الحشرية في المنازل والحقول..كل هذه الصناعات والاختراعات وغيرها نتج عنها زيادة كمية ثاني أكسيد الكربون,فضلا عن أول أكسيد الكربون,ثم الرصاص ثم زيادة استهلاك غاز الكلور وفلوروكربون وما إليها فضلا عن عادم السيارات,وكل وسائل التلوث التي صارت تهدد حياة الناس فضلا عن كوكب الأرض ذاته,بالدمار والفناء,ثم استخدام المبيدات الحشرية لمقاومة الديدان والحشرات في الحقول الزراعية..وغير ذلك من نتائج ضارة بصحة الإنسان والحيوان وسمك البحار فضلا عن الطيور التي كانت توصف بأنها صديقة الفلاح,والتي أمست في طريقها إلي الانقراض والزوال بسبب المبيدات الحشرية التي يستخدمها الإنسان للقضاء علي الديدان والحشرات.
هذه الكوارث التي ظهر منها بعضها بصورة جعلت العلماء في كل العالم ينبهون إلي أخطارها,وينذرون بسوء نتائجها علي كل الأرض,وعلي الإنسان والحيوان وسمك البحار وطيور السماء,وانعقدت لها مؤتمرات عالمية في عدد من عواصم العالم لدراسة نتائج التلوث الناجم عن صنع الإنسان,وهل يمكن مقاومته أو علي أقل تقدير ,الحد من نتائجه وما هو السبيل إلي ذلك بعد أن أصبحت المخترعات والأجهزة والأدوات الحديثة ضرورة لحياة الإنسان في حاضره ومستقبله لتسهيل حياته..لايمكنه الاستغناء عنها..
أما الكوارث الطبيعية وهي التي من فعل الطبيعة وأعني بها الأعاصير والزلازل والبراكين والسيول الجارفة والمياة الجوفية,فهي من قوانين الطبيعة ذاتها,ولا يملك الإنسان أن يمنعها لأنها أبعد من مناله,ولاسلطان له عليها,فهي من عمل الخالق سبحانه وتعالي.وفي هذا يقول الكتاب المقدسأنا الرب وليس آخر.لا إله سواي..أنا الرب وليس آخر.أنا مبدع النور,وخالق الظلمة,صانع السلام,وخالق الشر.أنا الرب صانع هذه كلهاسفر نبوءة إشعياء45:5-7هل تحدث بلية في مدينة والرب لم يصنعهانبوءة عاموس 3:6.ولاشك أن الشر المقصود هنا بقولهأنا خالق الشرالمقصود هو الشر الطبيعي,أي الكوارث الطبيعية, وكذلك البلية هي ما يحدث من دمار وفقا لقوانين الطبيعة.أما الشر الأخلاقي فهو من عمل الإنسان ,إذ هو كائن عاقل حر مريد مسئول..
ومهما يكن من أمر فإن كل ما يملكه الإنسان حيال الكوارث الطبيعية هو أن يتنبه لها,ويتحذر منها,ويجتهد في أن يتقيها,ويتخفف من بلواها,فيبتعد عن مكان حدوثها ثم عليه أن لايتجاهلها وأن يدرس أسبابها,حتي يمكنه أن يتجنب أضرارها أو بعضها علي الأقل.فللدراسة ومعرفة قوانين الطبيعة أهميتها في تثقيف عقل الإنسان,وفهمه للوجود وتوثيق إيمانه بالخالق,الذي خلق الوجود,وجعل لكل شيء في الوجود قانونا ونظاما وعلي الإنسان أن يتبين هذا النظام ليدرك أنه ليس في الوجود عبث أو فوضي,وليس ثمة مجال للصدفة والاتفاق.
أما الكوارث التي من صنع الإنسان فهذه يملك الإنسان أن يعمل فيها شيئا.فالإنسان خلق في الأرض ليعمل,وليخلق,وليبدع,وعليه واجبات إزاء الله خالقه وإزاء الأرض,والسماوات,وإزاء الناس الذين يعايشهم ويعايشونه.
لذلك عليه أن يتبين مهمته كخالق صغير,فيعمل علي أن يوقف مساهمته في دمار الأرض والناس,وأن يتضامن مع رفاقه من بني البشر في توظيف العلم والعقل وكل الإمكانات والإمكانيات في سبيل خدمة البشرية ولايستهين ولايتواكل ولايضيف جديدا من عنده في زيادة الكوارث,وأضرارها ونتائجها ويتدارس مع العلماء من أهل الأرض فيما يمكنه أن يفعله في وقف الكوارث بالنظر والعمل.
إن الإنسان خالق صغير في هذا الكون أو جده الخالق العظيم في الأرض من أجل أن يعمل,وزوده بالقدرات والإمكانات التي يمكن بتوظيفها أن يبتكر ما يعود عليه وعلي الناس جميعا وعلي كل الخليقة بما ينفع ويفيد,ويجعل الحياة سهلة وخصبة.
ولنذكر يوم خلق الله الإنسان,أنه قبل أن يخلقه أعد له النبات والحيوان ليكون في خدمته,كما أعد له الماء والهواء,والشمس والقمر والنجوم حتي ينال منها ما يجعل حياته خصبة وجميلة-مع ذلككانت الأرض خربة وخاليةالتكوين1:2وهنا نتساءل لماذا؟والجواب إنه تعالي جعل الأرضخربة وخاليةحتي يدع للإنسان الحافز ليعمرها ويملأها بالخيرات.وفعلا لقد استطاع الإنسان أن يحقق معني وجوده,وأن يثبت حكمة الله من خلقه.فإذا تأملنا صورة الحياة عند خلق الإنسان الأول بما صارت إليه الحياة الآن تبينا أن الإنسان قد صنع الكثير في إنشاء الحضارة وابتكار كل الوسائل التي قفزت بالإنسان إلي تحقيق كل أسباب الحضارة.
إن هذا كله يزيدنا يقينا بالقدرات الخلاقة الموهوبة للإنسان,والتي يمكنه بتوظيفها أن يصنع الكثير,وأن يخلق ويبتكر,ويعمل بلا كسل.
وعلي وجه الإجمال إن علي إنسان الربع الأخير من القرن العشرين,والذي أشرف علي القرن الواحد والعشرين,أن يتبين أنه يمكنه إذا أراد أن يوقف الدمار والكوارث التي ساهم ويساهم في حدوثها وتفاقمها لذلك وجب عليه بالعلم والعمل وبالتعاون والتضامن والتكافل الإجتماعي أن يحقق مقاصد الخالق من وجوده وخلقه,بالعمل الجاد,لوقف الكوارث التي من صنع الإنسان,وأن يسرع إلي العمل الإيجابي الخلاق الذي يسعد به كل الخليقة وكل الوجود,مستعينا بالله مؤمنا بجودته وخيريته.
ولعل أهم ما يجب عمله في مصر مما لايحتاج إلي اتفاقات دولية:
أولا:وقف استخدام المبيدات الحشرية بأنواعها في البيوت والحقول الزراعية والأماكن العامة.
ثانيا:توسيع رقعة الأراضي الزراعية بخطة قومية,وتشجير الأراضي الصحراوية.
ثالثا:إبعاد المصانع عن المدن والمناطق السكانية إلي خارجها,ومنها مصنع الحديد والصلب,وما إليها.
رابعا:تكثيف الدعوة للتقليل من استخدام الكيميائيات في الغذاء والدواء وتشجيع العودة إلي الطبيعة.
خامسا: الإسراع بوضع خطة عاجلة مدروسة لحل مشكلة المياه الجوفية التي صارت تشكل اليوم خطرا كبيرا علي آثارنا القديمة والقبطية والإسلامية .
سادسا:إصدار الدولة قرارا بمنح المرأة العاملة إجازة لمدة 3 سنوات بمرتب كامل لإرضاع طفلها من صدرها ورعايته بحنانها إنقاذا له من الألبان الصناعية والرضاعة غير الطبيعية التي تضر بصحة الأطفال وهم شباب المستقبل علما بأن بعض الدول صنعت ذلك ومنها المجر..
إن الكتاب المقدس ينص علي أن مدة الرضاعة الطبيعية للطفل من ثدي أمه هي ثلاث سنواتحملتك في جوفها تسعة أشهر وأرضعتك ثلاث سنين.2المكابيين7:27كما أنه ورد في نصوص من مصر القديمة ما يفيد ذلك.ففي نصائح بتاح حتب-يقول:اعرف يا بني قدر أمك,أنها حملت أوساخك وكان فمك في ثديها ثلاث سنوات.
هذا إلي أن في إطالة مدة الرضاعة إلي 3 سنوات من ثدي الأم عملية تنظيم للنسل طبيعة,فضلا عن أنها مفيدة لصحة الأم.
والمعروف في المصادر الطبية وكقاعدة عامة,أن الأم المرضع لايكون لديها استعداد للحمل,وبهذا نحمي الطفل والأم أيضا عن الأمراض الجسمية والنفسية والعصبية.
سابعا:وأخيرا وليس آخرا,تعديل برامج التعليم في مختلف مستوياتها,الابتدائي,والإعدادي والثانوي والعالي بحيث يشتمل علي مثلث متساوي الأضلاع لتربية العقل,والجسم,والروح-أي لابد من التربية البدنية,والتربية الأخلاقية والدينية ثم التربية العلمية والعقلية.. بدرجات متساوية.
وبهذا نبني إنسان القرن العشرين والواحد والعشرين بإشباع احتياجاته العقلية والجسمية والنفسية,فتكون التنمية الحقيقية للإنسان كله.وبالتالي فهذه هي التنمية الصحيحة للمجتمع والوطن والإنسانية.